الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

وادي كشكاط باليوسفية : معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات(1/6)

وادي كشكاط باليوسفية : معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات(1/6) ضريح سيدي أحمد مول الواد منبع وادي كشكاط بالكنتور مجرى الواد بجانب حي باليوسفية

انتبه الباحث المتخصص في التاريخ الجهوي الأستاذ مصطفى حمزة، لخطورة ومشاكل وادي كشكاط الذي يهدد ساكنة منطقة الكنتور خاصة ومدينة اليوسفية عامة خلال التساقطات المطرية، والفيضانات التي يتسبب فيها، وما تخلفه من أضرار مادية وبشرية وبيئة. حيث أعد الأستاذ حمزة بحثا متكاملا حول منبع ومجرى الوادي، وكيف تعامل معه الفرنسيون خلال فترة الحماية، مستنطقا المجال الجغرافي لتمدد الوادي منذ القدم ونقط مصبه المتعددة واختراقه للمدينة بعد استنبات مساكن وسط مجراه الرئيسي بشكل عشوائي.

جريدة "أنفاس بريس" تستفرد بنشر سلسلة هذا البحث المتميز على حلقات وتتقاسمه مع القراء والطلبة الباحثين والمؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا للعمل على تدارك مجموعة من الأخطاء التقينة والمعمارية وسبل الحد من فيضانات وادي كاشكاط الثائر.

يعتبر وادي كشكاط من المعالم الجغرافية، التي تختزل جزءا مهما من تاريخ الجزء الشمالي من نجد الڰنتور وبلاد أحمر بصفة عامة، ومدينة اليوسفية بصفة خاصة، وذلك لكونه شكل إلى جانب نجد الڰنتور، ملجئا للمقاومين من قبيلة دكالة للغزو البرتغالي للمغرب خلال القرن 16م، وحضنا آمنا للولي الصالح العلامة سيدي أحمد بن محمد حرمة الله، ولمدرسته التي لعبت دورا أساسيا في الحياة الفكرية ببلاد أحمر خلال القرن 18 م، مجالا لتوسع الحمريين بعد القضاء على الثائر الشرادي من طرف السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام في القرن 19 م.

هذا إلى جانب كونه يعتبر من المعالم الجغرافية، التي لم يتمكن الفرنسيون من طمس هويتها، إذ ظلت المراسلات الأولى ما بين الفرنسيين المقيمين باليوسفية والمراقب المدني بمدينة الشماعية إلى حدود سنة 1931 تحمل اسم " كشكاط ".

وفي سنة1931، عند الشروع في تهيئة "الحاضرة الفوسفاطية" التي حملت اسم الجيولوجي الفرنسي ( لوي جانتي ـ Louis Gentil )، ظل اسم " كشكاط " حاضرا ومرتبطا بالوادي الذي كان يخترق الحاضرة الفوسفاطية من وسطها قبل أن يتم تغيير مجراه، كما يعتبر الاستثناء بين أودية بلاد أحمر التي تصب كلها في اتجاه وادي تانسيفت، بينما يصب وادي كشكاط في اتجاه الشمال، ومازال إلى يومنا هذا، محط اهتمام المسؤولين المحليين والمواطنين بالمدخل الشمالي لنجد الڰنتور، بما يتسبب فيه من فيضانات كلما جادت السماء بقطرات من المياه.

فمن أين ينبع هذا الوادي؟ وكيف تعامل معه الفرنسيون خلال فترة الحماية؟ وما هي أهم الفيضانات التي تسبب فيها؟ وأخيرا وليس آخرا ما هي سبل تجاوز فيضانات وادي كشكاط؟

I ـ معطيات حول منبع وادي كشكاط.

تؤكد المعطيات الطبيعية والبشرية، أن زاوية سيدي أحمد (زاوية كشكاط سابقا)، هي المنبع الأصلي لوادي كشكاط، إذ كانت تتوفر على مجموعة من العيون التي كانت تغذي مجرى الوادي بالمياه، ولا زالت إلى يومنا هذا مصطلحات تؤكد ذلك مثل: " ضاية كبور العساس " كناية على مكان تجمع المياه، وتشير العديد من الروايات الشفوية لأبناء مركز سيدي أحمد، أن العيون المائية كانت منتشرة على طول مجرى الوادي إلى حدود حي البيار .

ويلاحظ أن منبع وادي كشكاط تنطقه مجموعة من التلال يتراوح ارتفاعها ما بين 445 م و480 م:

ـ فمن الشمال: تنطقه تلال يتراوح ارتفاعهما ما بين 460 و 473 م، منها نجد دراع النجا، والتل الذي يتواجد عليه دوار أولاد بوعنان.

ـ ومن الشمال الشرقي: يحيط به التل الذي يوجد عليه دوار قاسم ويبلغ ارتفاعه 466 م.

ـ أما من الشرق: فتنطقه التلال التي يتواجد عليها كل من دوار الحاج أحمد، ودوار علي بن الطاهر، ويصل ارتفاعها إلى 457 م.

ـ في حين يحيط به من الجنوب تل يبلغ ارتفاعه 478 م، يتواجد عليه دوار عباد.

ـ ومن الجنوب الغربي: ينطقه التل الذي يوجد عليه "عزيب سيدي محمد" يصل ارتفاعه إلى 475 م.

هذه التلال هي التي تمد وادي كشكاط، خلال فترات سقوط الأمطار بكميات مهمة من المياه عبر مجموعة من السيول الموسمية، إذ يعتبر " منبع وادي كشكاط " أخفض نقطة بمنطقة سيدي أحمد .

كل هذه المعطيات تؤكد بأن وادي كشكاط كان دائم الجريان، وهناك مجموعة من القرائن تؤكد ذلك نذكر منها، وجود مجموعة من الأساطير التي تتحدث عن احتواء نجد الڰنتور على كميات مهمة من المياه الجوفية. بالإضافة إلى استقرار سيدي أحمد بن محمد حرمة الله (سيدي أحمد مول الواد) بالمنطقة في القرن 18م. فضلا عن وجود مجموعة من المصطلحات تحيل على جريان وادي كشكاط عند مصب الوادي بمدينة اليوسفية حاليا منها:

أ ـ حي الرمل، حي التقدم حاليا، "الرمل" مصطلح يحيل إلى الإرسابات الدقيقة التي كان يلقى بها مجرى الوادي عند المصب.

ب ـ حي العرصة، حي السمارة حاليا، "العرصة" مصطلح يحيل إلى تواجد مجموعة من (الجنانات) كانت متواجدة على ضفتي الوادي وتستفيد من مياهه.

  • ـ حي الريطب، مصطلح يحيل على (منطقة رطبة)، فمع تحويل مرى وادي كشكاط من طرف الفرنسيين سنة 1931، من مجراه الأصلي في اتجاه الجزء الجنوبي للمدينة، أصبح مصبه في اتجاه دوار الفواشخ وبذلك تكونت منطقة رطبة أطلق عليها فيما بعد (حي الريطب) .

فقد كان مجرى وادي كشكاط في البداية، ينطلق من المنبع بالقرب من "زاوية سيدي أحمد" عابرا مركز سيدي أحمد (حاليا)، ثم حي البيار وحي الصهريج ومقبرة الفرنسيين إلى أن يصل إلى حيت تتواجد الكنيسة اليوم، ثم يتجه إلى حيت تتواجد قاعة الأفراح ونادي المستخدمين، ليتوجه بعد ذلك نحو مصبه ( حي الرمل وحي العرصة وغابة العروگ ).

وعموما يمكن اعتبار وادي كشكاط، شريانا حيويا بالنسبة للجزء الشمالي من نجد الگنتور، بما كان يوفره من إمكانيات العيش في منطقة عرفت منذ القديم بصعوبة ظروفها الطبيعية.

وباسم وادي كشكاط عرفت زاوية سيدي أحمد ( زاوية كشكاط )، كما أن كشكاط هو الاسم الأول الذي حملته مدينة اليوسفية عند دخول المحتلين الفرنسيين (مدينة كشكاط)، لتحمل انطلاقا من بداية ثلاثينيات القرن الماضي اسم الجيولوجي الفرنسي (لوي جانتي )، وعند إعلان عن استقلال المغرب حملت المدينة اسم (اليوسفية).