الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

قرمان : عولمة إنتاج التفاهة وتسليع قضية المرأة في حاجة إلى ثورة ثقافية

قرمان : عولمة إنتاج التفاهة وتسليع قضية المرأة في حاجة إلى ثورة ثقافية عبد الحكيم قرمان
مجتمعنا اليوم، يعيش بحق انزياحات الحداثة في ارتطامها الهائج بجليد الذهنيات المحافظة المتكلسة النكوصية، الشيء الذي أنتج فورات من السلوكات وردود الأفعال النفسية المشاكسة والعدوانية، المغرقة في ذهنيات الحرمان والجهل والكبت والحكرة. بالتالي، وجب على الدولة التعاطي مع الظاهرة بمقاربة شمولية قائمة على ربط التربية والتنشئة بتكريس الديمقراطية وربط المسؤولية بالمحاسبة في كنف مجتمع العدالة الاجتماعية والمجالية. وكي يثمر غرس "مشروع نموذجنا التنموي المنشود" نحن في حاجة لثورة ثقافية.
فمع انفلات تموجات العولمة النيوليبرالية المتوحشة من خلال مدها الجارف بالتقنيات والتطبيقات المبتكرة تفكيك المعطيات الخاصة للناس، ومع اكتساح وهيمنة مختلف أدرعها الاقتصادية والسياسية والثقافية على أسلوبي التفكير والحياة، وبروز تمثلات معتلة ومسطحة بإمكانية تشكيل وعي استهلاكي مغاير للواقع المألوف، اجتاحت ثقافة سوق جديدة لتسليع ومقايضة كل ما يرمز للإنسان وقيمه وخصوصيات هويته الشخصية والأسرية والمهنية.
كل هذا المد الجارف من المعطيات والبيانات والصور والأحداث ويسر ولوج فئات واسعة من الناس إليها، واستغلالها لأغراضهم النفعية، ولأهوائهم النفسية، ولمآربهم الذاتية والجمعية بنية التحريض والتشهير والابتزاز، عبر توظيف هذه الوسائط الرقمية لتفريغ كل أشكال الكبت والعهر والنرجسية بكل ألوان السادية الفردية والجماعية. وفي مجتمعاتنا النامية، تلجأ فئات كبيرة من مكوناتها الهشة فكريا وتعليميا وتربويا، والمحبطة اقتصاديا والمهمشة اجتماعيا والمضطربة نفسيا، إلى استغلال هذه الوسائط التواصلية الافتراضية، كشكل من التعويض والاستيهام والتقليد المعكوس لما يعتمل في "وجدانها الأجوف" وتمثلاتها القيمية الزائفة عن "الحرية والتحرر التمدن والانخراط في "وعي عولمي لقيم وأسلوب حياة" افتراضي مزيف ومتخيل خارج الواقع الملموس.
وفي المغرب، أصبح الأمر أكثر قبحا وميوعة، وبات يهدد أمن واستقرار وتوازن المجتمع القيمي وأسلوب التساكن واحترام الخصوصية وحياة الأفراد، بل زاد التحرش واستثمار الفضاء الرقمي من طرف جحافل المتحرشين بالنساء والفتيات بشكل هستيري كاسح، خصوصا ما يتصل بالتحرش الجنسي بكل أشكاله.
وبالرغم من تجاوب المشرع المغربي مع متطلبات الحد من هذه الآفة المحدقة بأعراض وأمن وسلامة فئات عريضة من المواطنات والمواطنين، بإصدار قانون جديد دخل حيز التنفيذ خلال السنة الماضية، تحت رقم 103.13 يتعلق بمكافحة كل أشكال بالتحرش الجنسي والعنف ضد النساء، يهدف بالأساس إلى تأمين الحماية اللازمة للنساء ضحايا العنف وحمايتهن، ويضع تعريفات محددة للعنف، منا تم بموجبه إحداث آليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف.
ويجرّم كل أنواع التحرش الجنسي باعتبارها عنفًا يُلحق ضررًا بالمرأة، ومنها التحرش عبر الوسائط الرقمية، مع تشديد العقوبات الزجرية سواء منها المدنية أو الجنائية، إذا ارتُكب التحرش في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كزميل في العمل، أو شخص مكلف بحفظ النظام، أو أحد الأصول أو المحارم.
لكن، بالرغم من كل ما ورد في هذا النص من تدابير زجرية، فإنه ليس كافيا كي يحدث الأثر والتغيير المأمول في سلوك ووعي الجانحين وهم فئات، كثيرة ومتنوعة الانحدارات والاعتقادات والمرجعيات الإيديولوجية ومستويات التنشئة والتكوين والتمثلات السوسيو-ثقافة، إلا أنه لم يدقق مليا في مختلف التدابير الاستباقية والتحسيسية، وإشراكه لباقي الفاعلين بمؤسسات التربية والتكوين وهياكل الاستقبال والتنشئة المجتمعية، الثقافية والفنية والرياضية وعبر مختلف الفضاءات العمومية والخاصة.
عبد الحكيم قرمان كاتب، محلل وباحث في علم الاجتماع السياسي