السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

من يتواطؤ مع مافيا العقار لبيع الأوهام للمغاربة والنصب عليهم؟

من يتواطؤ مع مافيا العقار لبيع الأوهام للمغاربة والنصب عليهم؟ جانب من وقفة احتجاجية لمتضرري مجموعة باب دارنا

عندما أقر المشرع اقتناء العقارات في طور الإنجاز، فإن ذلك كان من باب المصلحة المتبادلة بين البائع والمشتري. ولتوفير حماية هذا البيع، أوجب المشرع التزامات على البائع من حيث تطهير العقار من كل تعرض أو شائبة، مع اشتراط التوفر على رخصة البناء، وكذا أوجب على المشتري أداء الأقساط بالشكل المتفق عليه، ومع ذلك ألزم المشرع الطرفين معا بالتعاقد المكتوب عند الموثق..

 

لو سارت الأمور بهذا الشكل، لتحقق الهدف من هذا النوع من البيع العقاري، عبر خلق دينامية اقتصادية تستند على خفض النفقات والتكاليف وإنعاش السوق العقارية، وكذا اقتناء العقارات بشكل ميسر بعيدا عن ضغوطات المؤسسات البنكية، لكن فرق كبير بين التصور والواقع.

 

 

فضيحة شركة "باب دارنا" العقارية ليست الأولى في تاريخ النصب العقاري، وطبعا لن تكون الأخيرة، مادام التواطؤ قائما بين عدد من المتدخلين في العملية، والنتيجة المئات من الضحايا، أصبحوا يضربون أخماسا في أسداس، بعد أن دفع كل واحد منهك لمالك المجموعة العقارية بين 150 ألف درهم ومليون درهم، مقابل اقتناء شقق أو فيلات..

 

"والله العظيم، خدمت على هاذ 15 مليون، ليل نهار صيفا وشتاء، وحيدتها من حاجياتي وحاجيات اوليداتي باش ندير ليهم فين يستقروا، ويجي نصاب يضحك علينا ويستغل حاجتنا لقبر الحياة"، تقول إحدى الضحايا، لجريدة "أنفاس بريس"، مضيفة، "مثل ملايين المشاهدين، تتبعنا وصلات إشهارية جسدها فنانون مغاربة، تبين طبيعة هذا المنتج العقاري بتحفيزات مالية وتسهيلات في الأداء، وتوجهت نحو مقر الشركة في شارع ابن سينا بالدار البيضاء خلال شهر رمضان من سنة 2019، وهناك وجدت إقبالا كبيرا من المواطنين، وتم استقبالنا من قبل المسؤولين التجاريين وقدموا لنا عروض السكن وكيفية أداء الأقساط، وما شجعني هو أن الأمر لا يحتاج لضغوط الأبناك وفوائد الديون المرتفعة، وقالوا لي إن أجل البناء لن يتعدى ستة أشهر، ليصير الأمور قرابة سنة، ولم يتم وضع حجارة واحدة في المشروع"، تقول هذه الضحية، مضيفة، "أن يتم اعتقاله وحتى سجن مالك المجموعة العقارية ومعه الموثق، لن يجدي نفعا، ونحن نطالب باسترجاع أموالنا المستحقة، ومحاسبة كل من تورط في هذا العمل الإجرامي الكبير، بدء من المالك إلى المندوبين التجاريين، إلى الموثق".

 

ضحية أخرى كشفت في لقاء مع "أنفاس بريس"، أنها تواصلت مع مجموعة "باب دارنا" في معرض دولي للعقار بفرنسا، منذ سنتين، لكنها فوجئت بأنها واحدة من مئات الضحايا في مشروع وصف بالأكبر نصبا بحكم المبالغ التي تم الاستيلاء عليها وعدد الضحايا خصوصا في صفوف الجالية المغربية المقيمة بالخارج؛ وتحكي قائلة: "تم الاتفاق على مبلغ مليون و600 الف درهم لاقتناء فيلا ضمن مشروع من مشاريع هذه المجموعة، ودفعت ما مجموعه 800 الف درهم، على اساس إكمال باقي الأقساط بالموازاة مع إنجاز المشروع، وفق أجل زمني لا يتعدى السنة، وبتوجيه من الشركة العقارية تم تحرير عقد الحجز عند موثق مشهور بالدار البيضاء، وتم تسليمي وصلا بالمبلغ المذكور، مرت الشهور، ولما كنت أتساءل عن إنجاز المشروع كان التماطل يواجهني، والتبريرات تعطى بشكل متناقض، تركت التزاماتي الأسرية والعملية في فرنسا، وتوجهت مباشرة نحو المقر الرئيسي للشركة، وبعد ذلك تم توجيهي لمقر آخر قيل لي بأنه مختص في استرداد الأموال، وبالفعل وبعد طول انتظار وإصرار مني، تم تسليمي 3 شيكات بمجموع مبلغ التسبيق، وطلبوا مني عدم تقديمها للبنك إلا في تاريخ محدد، وكانت المصيبة أعظم، هي عدم توفر الحساب البنكي للشركة على المؤونة الكافية.."

 

 

الضحايا ليسوا نساء فقط، بل رجالا، ومن مختلف الحيثيات الاجتماعية، إذ منهم الأطر والموظفون والمتقاعدون بما فيهم مغاربة الخارج، فإبراهيم واحد من الذين اشتعل رأسهم شيبا وهو يقف مؤخرا أمام مقر الشركة محتجا على ما تعرض له من نصب واحتيال، "أمام العروض المغرية لهذه المجموعة العقارية، قمت ببيع شقتي في مراكش، على أساس تتمة مبلغ الشقة الموعودة في المحمدية، وفي غضون ذلك قمت باستئجار شقة بسيطة في مراكش، لكن بعد 8 أشهر أصبحت محرجا أمام افراد أسرتي، و400 ألف درهم في كف عفريت"، يقول هذا المتضرر.

 

جل المتضررين كانوا لا يعرفون بعضهم بعضا، اليوم أصبحوا في مركب واحد، وطريقة تسوية بعض الملفات كانت تتم بشكل سري، يحرص فيها القائمون على الشركة على تسليم شيكات للمتضررين بشكل فردي، واشتراط أجل زمني معين لاستخلاصها، ليفاجأوا بأن الحساب البنكي للشركة لا يتوفر على المؤونة الكافية، وهو ما يعني أن أموال المقتنين في شكل أقساط، كانت تسحب بمجرد منح توصيلات لهم، مقابل وعود باقتناء مشاريع سكنية في الدار البيضاء والمحمدية وكذا منطقة بوسكورة.. بلغت قرابة 10 مشاريع عبارة عن شقق وفيلات.

 

 

قضية النصب التي تعرض لها المئات من المواطنين وبلغت الملايير، تطرح سؤالا كبيرا وهو، أين هي المصالح العمومية في كل هذه العملية، بدءا من بث وصلات إشهارية في القنوات العمومية، ومشاركة الشركة في معارض سكنية تحت إشراف وزارة السكنى والتعمير خارج المغرب، ووضع لوحات إشهارية على جنبات بقع أرضية ضمن النفوذ الترابي لهذه الجماعة المحلية أو تلك، تبين فيما بعد، أن الشركة لا تملك مترا واحدا ضمن هذه البقع، ودور المصالح الجماعية في التأشير للشركة بإنجاز عقود الاقتناء، وتوثيقها، وكذا دور الأبناك في السماح للشركة بالتصرف في تسبيقات المشترين رغم أن القانون يتحدث عن عدم احقية مالك الشركة في التصرف فيها، حماية للمشترين، ثم أي دور للموثق الذي كان يوثق العقود، دون ان يقوم بواجبه في النصح وتقديم الاستشارة القانونية للمستفيدين الذين تبين فيما بعد أن الموثق المعني متورط فيما تعرضوا له، مقدمين ضده شكاية لدى القضاء..

 

هي إذن عملية، تفرض من الجهات المعنية أخذها بالجدية اللازمة حماية للأمن العقاري، وتحفيزا للاستثمار، أما ترك الحبل على الغارب والادعاء بأن العقد شريعة المتعاقدين، فهو لن يزيد إلا في تأزيم الوضع وزيادة الاحتقان في صفوف المتضررين، والإساءة لصورة المغرب خارجيا...