الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

عبد الصمد خشيع: متى نفلح في جعل العقوبة آلية من آليات تأهيل المتهم؟

عبد الصمد خشيع: متى نفلح في جعل العقوبة آلية من آليات تأهيل المتهم؟ الأستاذ عبد الصمد خشيع

نظم ماستر العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي، بكلية الحقوق جامعة الحسن الأول بسطات، يوم 29 نونبر 2019، ندوة علمية حول موضوع "السياسة الجنائية بالمغرب الواقع والافاق"، شارك فيها عدة متدخلين  حاولوا أن يجيبوا عن السؤال الجوهري: هل يمكن القول إن السياسة الجنائية في ظل استقلال السلطة القضائية ستعرف وعيا متقدما، إن لم نقل أكثر نجاعة في وضع استراتيجية دقيقة وفعالة تحظى بمكانة متميزة في الحياة الاجتماعية، مبادرة وتوجيهات وحضورا واستمرارية؟

 

في هذا الإطار صرح الأستاذ عبد الصمد خشيع المحامي بهيئة خريبكة، والمشارك في الندوة، لـ "أنفاس بريس"، قائلا: "إن هذه الندوة المتعلقة "بالسياسة الجنائية  بالمغرب الواقع والافاق"، تضم عدة مداخلات تهم السياسة الجنائية في علاقتها مع مجموعة من الإكراهات أو العوامل المحددة والمنتجة، إما في إنجاحها وإما في إخفاقها.. ومن جملة ما يعاني منه المجتمع المغربي وتعاني منه الظاهرة الإجرامية، هو الجواب عن السؤال: عن مدى ملاءمة السياسة الجنائية مع السياسة العقابية؟".

 

وشرح المحامي خشيع هذه الإشكالية بالقول بأن كل المؤشرات تدل على أن السياسة الجنائية، إلى حينه، فشلت فشلا ذريعا في أن تتلاءم مع السياسة العقابية، والعكس صحيح. ومعنى ذلك أنه يوجد هنالك خلل ما.. يوضحه محاورنا في أن الخلل هو أولا إجرائي؛ وثانيا خلل موضوعي، وثالثا خلل على مستوى السياسات العمومية؛ على اعتبار أن السياسة الجنائية لوحدها لا تكفي للحد من الظاهرة الإجرامية، أو محاربتها، أو على الأقل التخفيف من وطأتها. ولذلك أعتقد، يتابع "خشيع"، أن السياسة الجنائية لوحدها لا  يمكن من خلال المؤشرات التي تدل على  نقصانها، أو من خلال تقاعس مجموعة من السياسات العمومية المواكبة والموازية والمتعلقة بقطاعات حيوية بالمغرب، أن نعتبرها لوحدها كافية للقول بسدادها وتوفيقها في أن تكون "السياسة الجنائية" كسياسة عقابية.

 

ويتابع المتحدث تحليله مبينا، أنه لوحظ تاريخيا أن جل الأحكام وجل الأفعال المجرمة أو الجرائم موضوع نص تشريعي، كانت قد وضعت في ظل الاستعمار، الذي كانت له خلفياته وتداعياته  وأسبابه، وما زالت هاته الجرائم وتداعياتها تلقي بظلالها في 2020، كالسرقات الموصوفة مثلا، وتكوين العصابات الإجرامية، وغيرها من الجرائم التي ينبغي أن تتم إعادة النظر فيها اليوم.. إذ لا يعقل أن يتابع شخص بتهمة سرقة هاتف نقال، ويعاقب بعقوبة عشر سنوات إذا كان يحمل أو يتحوز سكينا!؟ مضيفا أن التناسب بين الفعل المجرم والعقوبة تتحكم فيها مجموعة  من العوامل، ومن جملتها النص التجريمي، ومن جملتها أيضا المقاربة التي تتعلق بالعقوبة التي لم تصل للأسف إلى تحقيق الردع أو على الأقل تحقيق الإدماج الاجتماعي من جديد، قياسا أو بالمقارنة مع الدول الأوروبية التي نجحت  بشكل كبير في أن تجعل من العقوبة آلية من الآليات الأساسية في تأهيل المتهم، كالتدرج في العقوبة وسياسة الاعتراف، ومبدأ التوبة، وغيرها من  الأليات التي اعتمدتها المدرسة الأوروبية في التعامل مع الجريمة، وأفلحت في ذلك.

 

أما المقاربة المتعلقة برد الفعل الاجتماعي، فأعتقد، يضيف محاورنا، بأنها لم تعد صالحة للتغلب على ما يسمى بالظاهرة الإجرامية، لأن الانزلاق نحو المبدأ الزجري هو نوع من التضييق على السياسة الجنائية التي تعني أصلا الشمولية والتدابير والفلسفة وبناء المركبات، وتعني التأهيل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي؛ لأن الجريمة عندما ترتكب ببشاعة، تكون وراءها عوامل متعددة، من جملتها الفقر والبطالة، وغيرها... إذن هنالك عوامل مركبة ومعقدة يجب استحضارها على مستوى تحليل الظاهرة للقضاء على الجريمة.