نظم ماستر العلوم الجنائية، والتعاون الجنائي الدولي بكلية الحقوق جامعة الحسن الأول بسطات، الجمعة 29 نونبر 2019،ندوة علمية حول موضوع "السياسة الجنائية بالمغرب الواقع والآفاق"، شارك فيها عدة متدخلين حاولوا أن يجيبوا عن السؤال الجوهري الآتي : هل يمكن القول إن السياسة الجنائية في ظل استقلال السلطة القضائية ستعرف وعيا متقدما أن لم نقل أكثر نجاعة في وضع إستراتيجية دقيقة وفعالة تحظى بمكانة متميزة في الحياة الاجتماعية؛ مبادرة وتوجيهات وحضور واستمرارية؟
في هذا الإطار تقدم امحمد أقبلي، أستاذ جامعي منسق الماستر المنظم للندوة لـ"أنفاس بريس"، بالتصريح التالي :
لقد نظمنا هذه الندوة للجواب على إشكالية كنا قد طرحناها قبل سنتين؛ وكنا آنذاك، سباقين للنقاش حول استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل ، فالكل يعلم أن السياسة الجنائية تضعها الدولة أو الحكومة في إطار سياستها العمومية؛ولكن على مستوى السياسة الجنائية يلاحظ أن الكل يمارسها ويصنعها من موقعه؛ من برلمان ووزير العدل والنيابة العامة في إطار ممارستها الدعوى العم مية، وكذلك القضاة والضابطة القضائية إلى غير ذلك ، فالكل يصنع إذن هذه السياسة الجنائية، بمعنى أن هنالك عدة متدخلين.
ولكن لما تم آنذاك الإعلان عن استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، كنا قد وضعنا سؤالا جوهريا ولا زال هذا السؤال محل نقاش؛ إلا وهو من يراقب تنفيذ هذه السياسة الجنائية ومن سيراقبها؟ فاليوم البرلمان يساءل رئيس الحكومة ويستدعيه من أجل تقديم تقريره حول تنفيذ السياسة الجنائية أمام البرلمان في إطار المراقبة البرلمانية ولكنه رفض ذلك علما أن البرلمان كمشرع وأعلى هيئة في البلاد له الحق في مراقبة جميع السياسات العمومية والتي تعتبر السياسة الجنائية جزءا منها.
وأضاف المتحدث :أنا أقول إذن بأنه يجب على رئيس النيابة العامة أن يمثل أمام البرلمان لأن مساءلة البرلمان لتنفيذ السياسة الجنائية ليس فيه مساس بجوهر عمل رئاسة النيابة العامة؛ فالبرلمان لن يسائله عن ممارسة النيابة العامة بخصوص الدعاوى العمومية من قبيل لماذا تم اعتقال فلان؟ أو لماذا تمت متابعة إعلان في حالة سراح ؟ ..إلخ، بل التقرير الذي يقدمه رئيس النيابة العامة أمام البرلمان هو عبارة عن مجموعة من الأمور ينبغي أن يجيب عنها ؛وإن نجحنا في هذه" السياسة الجنائية "فلنستمر؛ وإن لم ننجح لا بد من التصحيح.
واستدرك محمد اقبلي موضحا بأنه أظن بأنه حان الوقت لكي نقول بفشل السياسة الجنائية أن كانت لنا هذه السياسة بالفعل؛ بل وأقول بأن لدينا سياسة جزرية في المغرب، وليست لنا سياسة جنائية؛لأن السياسة الجنائية تعريفها أوسع من السياسة الزجزية؛ وأتمنى اليوم في إطار إعادة النظر وتعديل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية والنصوص المجرمة لمجموعة من الأفعال وما أكثرها أن تجمع في مدونة للقانون الجنائي المغربي حتى يتمكن المستعمل والمواطن من معرفة وجود هذه النصوص داخل مدونة موحدة، كما هو الحال بالنسبة للقانون المقارن؛ ومع الإشارة كذلك إلى ضرورة خلق التوازن بين التجريم والعقاب، فليس هنالك موازنة بين الشق المتعلق بالتجريم في إطار مدونة القانون الجنائي، أو في مجموعة القانون الجنائي المغربي، والشق المتعلق بجانب العقاب!!
وهذا ما ينتج عنه الاكتظاظ في المعاقل السجنية ؛ لهذا فهنالك مجموعة من الأفعال متجاوزة يجب إزالة ورفع الطابع الزجري عنها، أو على الأقل عدم متابعة أشخاص في حالة اعتقال عند ارتكاب مثل هذه الأفعال الجرمية.
ويخلص الأستاذ اقبلي إلى أنه حان الوقت،كذلك، للوصول إلى ما يسمى في القانون المقارن بالسياسة التقويمية أو العدالة التقويمية، والتي يصبح فيها محور المحاكمات الجنائية وليست الدولة، فالدولة اليوم تعامل كشخص وكان الدولة هي من تضررت، والحالة أن المتضرر الحقيقي هو الضحية؛ وأظن أن هذا التحول تم منذ 1970 في إطار القانون الأنجلوسكسوني وفي بريطانيا تحديدا، حيث، آنذاك، كان كلما تم المس بالنظام العام يعتبر مساسا بالملك؛ ومن ذلك الوقت أخذنا بهذا المبدأ؛ وأصبحت الحرب والمنازعة والخصومة بين الدولة والفرد؛ والحال أنها خصومة بين الأفراد أي بين المتهم والضحية؛ وقد يكون المتهم بدوره ضحية، إذن لا بد من إعادة الاعتبار للضحية والمتهم في المحاكمة الجنائية؛ وأن تكون الدولة حكما فقط؛ وليست شخصا متضررا باسم النظام العام وتمارس مجموعة من الممارسات، التي في بعض الأحيان قد تكون فيها أخطاء قضائية وبالتالي أظن أنه حان الوقت لإعادة النظر في كل هذا.