الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد مومر: سَأَعَانِقُ جَمَالَ الحُريَّةِ وَسَأَشْرَبُ نَخْبَ التَّحَرُّرِ

عبد المجيد مومر: سَأَعَانِقُ جَمَالَ الحُريَّةِ وَسَأَشْرَبُ نَخْبَ التَّحَرُّرِ عبد المجيد مومر

لَعَلَّ فُوبْيَا المَهْرَمِ وَالشَّيْخوخَةِ وَالمَوْتِ حِينَ تُصيب الأَفْرَادَ والجَمَاعَة، تُنَبِّهنا إلَى أنَّ خَوَارِزْمِيَّات "الاسْتِعْبَادِ الذَّاتِي" تَجِدُ مُوصِلاَتِهَا إِلَى التَّحكُّم في بَرْمَجَةِ الأَدمِغَة البَشَرِيَّةِ، بِغَرَضِ المُتَاجَرَةِ بِأَحْلامِ البَقَاءِ ضِدَّ  نَامُوسِ الفنَاءِ، معَ الانْزِيَّاحِ الضَّرِيرِ نحوَ عَقِيدَةِ التَّطًرُّفِ في مُلامَسَة مَفاهِيمِ الحُريةِ والتَّحَرُّرِ.

 

فَقَد يَزُولُ اِنْكِمَاشُ بَشْرَةِ الجَسدِ، غيرَ أنَّهُ لاَ يُغيِّر شَيْئًا أَمَامَ حَتْمِيَّةٍ مُحَرِّرَةٍ وَاقِعَةٍ. وَهَا نحْنُ نُعَايِشُ عَصْرَ الأَزْيَاءِ الأَنيقَة والإِكْسِسْوارِ المُنَمَّقِ وَمُضَادَّاتِ المَهْرَمَة، وَهَا نَحْنُ نُتَابعُ  أَفْكَارَ "المُوضَة" تَتَقادَمُ وَلاَ تَمُوتُ، ثُمَّ هَا نَحْنُ نَرَى العُقُولَ المُبْدِعَةَ تَتَقَدَّمُ لِكَيْ تَمُوت؟!

 

هَا هُوَ الوَعْيُ المَوْلُودُ يَرفُضُ الانْفِصَالَ عَنْ حَيَاةِ الأَفكَارِ المُتَقادِمَة، وَهَا نحنُ نُلاَمِسُ اِتِّصَالَ مُنْحَنَى الحَيَاةِ بِدَالَّةِ المَوْتِ.

 

هِيَ كَذلِكَ الحُريةُ والتَّحرُّرُ بَنَاتُ أفْكارٍ الإِنْسانِيةِ التِي تَسْتغْرقُ زَمَنَهَا المَجْهُول مِنْ صَرْخَةِ البِدايةِ إِلَى تَابُوتِ النِّهايَّةِ. وسَيَخْرُفُ العَقْلُ قَبْلَ أنْ تَبْلَى جَمِيعُ الأفْكَارِ.. نَعَمْ؛ سَتَعِيشُ الفِكرَةُ وَالأَدْمِغَةُ رَمِيمٌ فِي قُبِورِ الانْتظارِ.

 

أَسْتَرْسِلُ في التَّوْضِيحِ بِالرَّبْطِ بيْنَ اثْنَتَينِ منَ الوَقائِعِ؛

الواقِعَة الأُولَى: جَسَدٌ تَلُفُّهُ سِتَارَةٌ.

الواقِعَة الثَّانِيَّة: جَسَدٌ يَكْشِفُ مَا تَحْتَ السِّتَارَةِ.

 

بَدأَ مُقَعَّرُ الاخْتلافِ يَتَحَدَّبُ نَحْوَ الاسْتِقامَةِ، لِأنَّ المُشْتَرَك فِي الوَاقِعَتَيْنِ: تِيمَةُ الأُنُوثَةِ. فَالمَلْفُوفُ لَمْ يَحْجُبْ عَنَّا شَمْسَ الخَيالِ، وَالجَسَدُ المَكْشُوفُ قَدْ لاَ يُوافِقُ مَعَايِّيرَ الجَمال عِنْدَ التَّخْيِّيلِ.

 

زَغْرَدَ لِسَانُ الأُنُوثَةِ فَقَالَ: نَمْ مُطْمَئِنًّا يَا رَفيق، سَيَسْتَمِرُّ الصِّرَاعُ مَا بَقِيَ الجَسَدُ!، وَسَتَبْقَى التَّفَاصِيلُ كَامِنَةً فِي مَخْزَنِ غَرائِزِهِمَا (هُوَ وَهِيَ). فَالرَّجُلُ مَيَّالٌ لِجَسَدِ المَرْأَةِ إنْ هِيَ لَفَّتْهُ سَيَكْشِفُهُ هُوَ، وَإِذَا هِيَ كَشَفَتْهُ سَيَلُفُّهُ هُوَ؟! إِنَّ الأُنُوثَةَ مَطْلَبٌ ذُكُورِيِّ بامْتِيَّازٍ والرُّجُولَةُ مِنْ صِنَاعَةِ النِّسَاءِ بِلاَ تَمْيِّيزٍ.

 

وَأَنَا أَفْتَرِضُ وُجودَ عالَمٍ دُونَ أَجْسَادِ النِّسَاءِ، تَخَيَّلْتُ الدُنْيَا فِيهَا النِّساءُ عَائِشَاتٌ دُونَ أَجْسَادِ الرِّجَالِ. فَجَاءَتِ النَّتائج فِكْرَةً واحدةً: انْتَهَى زَمَنُ الإِنْسَانِ!. هَلِ الشَّهْوَةُ جَريمَة أَوْ خَطِيئَةٌ؟ أَمْ أَنَّ الشَّهْوَةَ خاضِعةٌ لِوَحْدَةِ التَّشْرِيعِ وَسَلاَمَةِ القِياسِ؟! وَأَيْنَ ظَرْفُ الزمانِ والمكانِ وشَرْطُ القُدْرَةِ وَالاسْتِطَاعَةِ؟

 

قدْ يُشَكِّلُ الشَّغَفُ الجِنْسِي مُنْطَلَقَاتٍ للْبَحثِ الرَّصِينِ عنْ تَجَلِّيَّاتِ الفِكْرَةِ بيْنَ ثُنَائِيَّةِ المَلْفُوفِ والمَكْشُوفِ. وَقدْ يَفْتَحُ الحُبُّ مَخَازِنَ القُلُوبِ لِتَتَرَاءَى لَنَا أَطْوَارُ الحَياةِ مِنَ الأَعْمَاقِ، عَرْضٌ لِمَشَاهِدَ تَصْوِيرِيَّةٍ تَكْشِفُ خَبايَا الذَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَوَظِيفَةَ الجَسَدِ فِي إِنْتَاجِ الاسْتِمْرَارِيَّةِ وَالاسْتِمْتَاعِ بِالحُبِّ وَالجَمَالِ.

 

هَكَذَا تَتَعَدَّدُ الأَجْسَادُ وَالخَلْقُ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى المَظَاهِرُ مُتَنَاقِضَةٌ مَعَ نَفْسِهَا فَالإِرَادَةُ حَائِرَةٌ بينَ فِعْلِ الخَيْرِ وَفِعْلِ الشَّرِّ. وَالمَأَمُولُ مِنْ عَقْلِ التَّمْيِّيزِ -كَفِعْلٍ بَشَرِيٍّ- يَظَلُّ مُرْتَبِطًا بِإِلْزَامِيَّةِ الوَعْيِ بِمَنْ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْهُ؟!

 

وَإذَا اسْتَوْقَفَتْنَا بَعْضُ الدِّرَاسَاتِ وَالأَبْحاثِ العِلْميَّةِ الحَديثَةِ، المُتَعَلِّقَةِ بِنَتائِجِ مُحاوَلاتِ العُقُولِ الحَالِمَةِ بِالتَّحَرُّرِ مِنْ زَمَنِ الشَّيْخُوخَةِ وَالمَهْرَمِ. فَذَاكَ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى أنَّ المُحَفِّزَاتِ الصَّلْبَة التِي تُحَرِّكُ عَقْلَ هَذَا الإِبْدَاعِ وَالابْتِكَارِ، هِيَ فِي الأَسَاسِ مَكْبُوتَاتُ الخَوْفِ مِنَ المَوْتِ. وَبِالتَّالِي سَيُمَانِعُ عَقْلُ التَّجْرِيبِ بَاحِثًا عَنَ العقَارِ الطِبِّي والتَّدَخُّلِ التَّجْمِيلِي، رَغْمْ أَنَّ قَدَرَنَا التَّارِيخِي  يَجْعَلُنَا لاَ نَمْلِكُ الإِحَاطَةَ بِتَعْرِيفِ المَوْتِ إِلاَّ أَنْ يَعِيشَه الإِنسَانُ عِنْدَ سَكَراتٍ فَرْدِيَّة. فَكُلٌّ عَلَى انْفِرَادٍ، يَوْمَ لاَ تَنْفَعُ أَقْرَاصُ المُخْتَبَرَاتِ وَلاَ عَمَلِيَّاتُ الشدِّ وَالتّجْمِيلِ.

 

هَذَا وَصْفُ الاسْتِغْرَابِ المُغْتَرِبِ يَسْتَفِزُّ الذَّكَاءَ الاصْطِنَاعِي بِسُؤَالِ التَّمْيِيزِ بينَ الحُريّةِ فِي الاخْتِيَّارِ وَبَينْ وَازِعِ الحَتْمِيَّةِ المُحَرِّرَة. لأَنَّ المَطْلَبَ الأَوَّلَ نَابِعٌ مِنْ رَغْبَةِ الإِنْسَانِ فِي السِّيَادَةِ عَلَى الذَّاتِ وَسَوْقِ الجَسَدِ نَحْوَ أَضْدَادِ البَلاَءِ وَالفَنَاءِ، فِي حِينْ أَنَّ الحَتْمِيَّةَ المُحَرِّرَةَ تَهْدِمُ عَرْشَ اللَّذَاتِ بِالصَدْمَةِ المُرْعِبَةِ التِي تَجْعَلُ العَقْلَ مَشْدُوهًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مُواكَبَة عِلْمِ مَا وَرَاءَ تَجْرِبَةِ الرُّجُوعِ عَبْرَ الثُّقْبِ الأَسْودِ.

 

هَكَذَا إِذَنْ اقْتَنَعْتُ بِأَنَّ إِثْبَاتَ وُجودِي مَنْطِقٌ يَدْعَمُ جَوَابَ النِّهَايَةِ وِفْقَ تَسَلْسُلاَتِ مَوْقُوتَةٍ يَمْتَزِجُ فِيهَا الحُلُمُ بِالوَهْمِ، وَتَتَشَابَكُ بَاقَةُ الأَمَانِي المُخْتَارَةِ مَعَ حُزْمَةِ الإِكْرَاهَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالمَوْضُوعِيَّةِ.

 

 

وَ هَكَذَا - أَيْضًا- تُوضَعُ تِيمَةُ الحُرِّيةِ – رغْمَ بَرَاءَتِهَا- عَلَى يَسَارِ ثَورةٍ حَالِمَة أوعَلَى يَمِينِ شَهْوَةٍ قائِمِةٍ. كَمَا أَنَّ حَفَظَةَ مُتُونِ التَّحَرُّرِ سَارُوا بَعِيدًا دُونَ تَحْرِيرِ الإِرَادَةِ ، وَ لَوْلاَ  فَتْوَى الغَرَامِ لَمَا وَصَلَ هَذَا الإِسْتِغْرَابُ المُغْتَرِبُ إِلَى فَتْحِ خَزَائِنِ الأَسْرَارِ المَصُونَةِ.

 

 

سَنَمْضِي مَعَ وَضْعِ الصُّورَةِ فِي سِجِلِّ الوَفَاةِ ، وَتَسْتَمِرُّ الحَيَاةُ بِتَشْبِيكِ المُتَرَابِطَاتِ. إِذْ لاَبُدَّ لِنَضارَةِ الجَسَدِ مِنْ نِهَايَّةٍ، وَ القَلْبُ لَمْ يَكُ حُرًّا فِي إِخْتِيارِ نَبْضِ البِدَايَةِ.ثُمَّ يَشِيخُ العَقْلُ خَرفَانًا، وَ لَنْ تَنْقِضِيَ بِالمَوْتِ تَسَاؤُلاَتُ الإِنْسَانِ !.

 

فَالحُرِّيَّة مَصْدَرٌ هُنالِكَ، وَالتَّحَرُّرُ فِعْلٌ يُوَازِيهَا وَالعُمرُ فِيلْمٌ قَصيرٌ، قدْ تَصِلُ تِقْنِيَّاتُ صُورَتِهِ إِلى جَوْدةٍ سُبَاعِيّةِ الأَبْعَادِ، غَيْرَ أنَّ أَحْدَاثَهُ تَدُورُ مُسْتَسْلِمَةً لِأُحَادِيَّةِ مِيقَاتِ الرُّجُوعِ الأَعْظَمِ.

 

وَحِينَ أَرَى بَدِيعَ الجَمَالِ فِي الأَغْلاَلِ التِي تُقَيِّدُ حَرَكَتِي، فِي قُوَّةِ العَجْزِ التِي تَشُلُّ قُدْرِتِي، فِي كُلِّ  الأَحْزَانِ التِي يَغِيظُهَا اِنْشِرَاحُ فَرْحَتِي. حِينَ أَبْلُغُ مَقَامَ الشُّكْرِ وَأَحْتَفِي بِأُنُوثَةِ جَسَدِ حَبِيبَتِي بَعِيدًا عَنْ لَذَّاتِ شَهْوَتِي. حِينَ أَعِي أَنَّ الرِّحْلَةَ طِوِيلَةٌ، وَأَنَّ حَرَكَةِ دَوَرَانِ المَوْتِ حَلَزُونِيَّةٌ كَرُجُوعٍ مِنْ أَجْلِ التَّقَدُّمِ إِلَى مَا فَوْقَ عِلْمِي وَمَشِيئَتِي. فَقَطْ حِينَهَا! سَأَعَانِقُ جَمَالَ الحُرِيَّةِ وَسَأَشْرَبُ نَخْبَ التَّحَرُّرِ ..

 

عبد المجيد مومر الزيراوي، شاعر وكاتب رأي