تعتبرالمرافق العمومية وطبيعة الخدمات المقدمة للمواطن ركائز وأسس الدولة الحديثة. لدلك فالسياسة المتبعة اتجاه المرفق العام هي المحددة لمدى نجاحه أو فشله باعتباره رافعة أساسية للتنمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فالقطاع العام قطاع استراتيجي لتحقيق التنمية والتقدم على جميع المستويات.
ويعتبر المواطن معنيا مباشرا بهدا القطاع الحيوي نظرا لطبيعة الخدمات التي يقدمها ونظرا لان المرافق العمومية يتم تمويلها من أموال دافعي الضرائب.
لدلكفان المواطن له الحق نظريا وفعليا في مراقبة جودة الخدمات التي يقدمها القطاع العام وبالتالي ممارسة سلطته عبر المؤسسات الدستورية على أسس الديمقراطية و الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار دولة الحق و القانون.
إن المجتمعات المتقدمة و التي رغم تبنيها الليبرالية وقطعها أشواطا كبيرة في سيرورتها التاريخية نحو التطور والتقدم فإنها لم تضح و لم تفرط في قطاعها العام وفي مرافقها العمومية.
بل بالعكس تعتبره قطاعا استراتيجيا يحظى بالاهتمام والتخطيط للرفع من جودته وحكامته من طرف الدولة ومؤسساتها لأنها مطالبة بالمحاسبة في حالة الإخلال بالتزاماتها أمام المواطن و سلطته باعتباره دافعا للضرائب ومن حقه الاستفادة من الخدمات الاجتماعية العمومية.
أما في مجتمعنا فان القطاع العام لم يحظ بالاهتمام الضروري لانجاز التنمية الاقتصادية الاجتماعية لإخراج المجتمع من الفقروالأمية والفوارق الطبقية والمجالية بحيث أن الدولة أعلنت ولازالت تعلن باستمرارانسحابها من التزاماتها اتجاه القطاع العام وذلك بخوصصة القطاعات الحيوية والإستراتيجية في المجال الاقتصادي والاجتماعي كالتعليم والصحة باملاءات صندوق النقد الدولي و البنك العالمي مما يؤدي حتما إلى تعميق الفوارق الاجتماعية وتدهور في مؤشرات التنمية على الصعيد الوطني والعالمي.
لذلك نقول وبكل موضوعية أن المس بالمرافق العمومية وخوصصتها وإهمالها هو مس بالعقد الاجتماعي الذي تواضعت عليه المكونات السياسية والاجتماعية الشيء الذي يؤدي إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة لأن الأساس الذي ينبني عليه العقد الاجتماعي هي المصلحة العامة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطن والمتمثلة في مجموعة من الحقوق وعلى رأسها التعليم والصحة والشغل والسكن وأجور تضمن العيش الكريم. هذا بالإضافة ضمان الحريات العامة بما في ذلك حرية التعبير وتأسيس الجمعيات وحرية الصحافة والحريات النقابية.
هذه الحقوق هي مشروعة وعادلة من منظور الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومن منطوق وروح دستور 2011الذي لم يفعل ولم يتم اجراته لاستفادة المواطن من مضامينه فعليا وعمليا على ارض الواقع.
فالمسؤولون لا يدفعون شيئا من جيوبهم بل بالعكس يستنزفون المال العام باعتباره مال دافعي الضرائب بتبذيره غير المسؤول وتعويضاتهم الخيالية والأمثلة عديدة ومتنوعة وعلى رأسها أجور وتعويضات وتقاعد الوزراء والبرلمانيين ومسؤولي المؤسسات العمومية ومدرائها في واقع سياسي يغيب فيه ربط المسؤولية بالمحاسبة وتفشي الشعبوية والديماغوجيا السياسية التي تسوق الوهم للمواطنين المغاربة في غياب أي برنامج يذكر لتقديم الحلول لواقع الأزمة . فأصبح خطاب الشعبوية جزءا من الأزمة وليس جزءا من الحل بل أدى ولا زال يؤدي إلى تفقير المجتمع وتدهور لقدراته الشرائية والمعيشية كما يؤدي إلى تفاقم الأزمة والزيادة في منسوب التوتر والاحتجاجات الاجتماعية.
فالخطاب الشعبوي أبان بكل وضوح عن فشله الدريع في تحمله المسؤولية السياسية وعجزه عن تقديم أية حلول وبدائل سوى مراوحة المكان في الزمن السياسي الضائع الذي أصبحنا نعيشه وتعاني من تبعاته مختلف الأطياف السياسية وبدون استثناء.
إن وضعية القطاع العام ببلادنا تتطلب حتما مراجعة شاملة قصد النهوض به لأنه يعتبر رافعة أساسية للتنمية. كما يتيح أيضا للمواطنين الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بدون تمييز و العيش بمواطنة بكامل الحقوق. هذا الهدف يتطلب البدائل التالية :
- صياغة برنامج تنموي جديد يجعل المواطن في صلب المشروع التنموي وذلك بتأهيل المرافق العمومية ماديا وبشريا للقيام بمهامها بفعالية ونجاعة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة خدمة للمواطن باعتباره دافعا للضرائب ويستحق خدمات اجتماعية جيدة تصون كرامته.
-إعطاء الأولوية للإقتصاد الوطني وتطويره وجعله قادرا على إنتاج الثروة والمنافسة وحمايته من الفساد والفاسدين.
- القيام باستثمارات عمومية من طرف الدولة في المرافق العمومية في المجال الاقتصادي لإنتاج الثروة وفي المجالات الاجتماعية لإنتاج جودة العيش.
- النهوض بالمدرسة العمومية وتأهيلها ماديا وبشريا باعتبارها رافعة أساسية للتنمية تقوم بتربية وتعليم وتكوين أجيال المستقبل بمضمون معرفي علمي منفتح على العصر وبجودة عالية مع إعطاء الأستاذ المكانة المرموقة في العملية التربوية وإنصافه ماديا ومعنويا.
-التراجع عن سياسةالتدبير المفوض و الخوصصة باعتبارها تكرس ميزا صارخا بين أبناء الوطن الواحد ومبدأ المساواة التي ينص عليها الدستور.
- حق المواطن في الخدمات العمومية مجانا باعتباره يؤدى ثمنها بشكل مسبق في الضرائب التي يدفعها.
-تنمية مجالية عادلة ترتكز على الجهوية الحقيقية بصلاحيات واسعة وتستفيد من الموارد الضريبية والطبيعية في نطاق الجهة مع دعم الجهات التي تفتقر للموارد مع الاعتماد على نخب محلية وجهوية ملمة بخصوصيات الجهة ومتطلباتها.
وفي الأخير وجب التأكيد على أن التنمية بمفهومها الحقيقي تتأسس على فعالية ونجاعة المرافق العمومية التي تعتبر رافعة أساسية للتنمية والركائز التي تنبني عليها الدولة الحديثة. فالمواطن كدافع للضرائب من حقه محاسبة المسؤولين عن تدبير الشأن العام ومعاقبة ممثليه انتخابيا متى أصبحت حقوقه مسلوبةوأيإهمال وتهميش لهذه المرافق أو خوصصتها أو إهمالها سيؤدي إلى إختلالات وفوارق طبقية تضرب في العمقمبدأالمساواة وتكافئ الفرص التي ينص عليها الدستور.لذلك فتغيير المجتمع نحو الأفضل يقتضي إعادة الاعتبار للمرافق العمومية وتجويد خدماتها خدمة للمصلحة العامة مقابل الضرائب التي يدفعها المواطن.