الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

حسناوي:تراجع مصداقية العمل الحكومي يطرح الحاجة إلى غرس ثقافة التقييم في القطاع العام

حسناوي:تراجع مصداقية العمل الحكومي يطرح الحاجة إلى غرس ثقافة التقييم في القطاع العام عبد اللطيف جواهري،ورشيد حسناوي ( يسارا)

حذر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في مناسبات عديدة من الانكماش الاقتصادي وضعف النمو وثقل المديونية، ونبه الحكومة من العودة إلى برنامج آخر للتقويم الهيكلي الذي شهده المغاربة خلال بداية الثمانينات.

في هذا، السياق نبسط وجهة نظر د.رشيد حسناوي، خبير اقتصادي وأستاذ باحث بجامعة ابن طفيل - القنيطرة، حول تحذيرات والي بنك المغرب، عبر هذا الحوار:

 

بخصوص سؤال إمكانية العودة إلى برنامج التقويم الهيكلي أو السكتة القلبية التي طبعت السياسة الاقتصادية بداية الثمانينات من القرن الماضي.

أولا، لابد من التذكير بتجليات هذا البرنامج، فكما تعلم برنامج التقويم الهيكلي هو برنامج إصلاحات اقتصادية وضعتها المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لتمكين العديد من البلدان المتأثرة بالصعوبات الاقتصادية الكبيرة من الخروج من أزمتها الاقتصادية. وتهم هاته الإصلاحات بالخصوص مجال الحكامة ومحاربة الفساد، ضبط المؤشرات الماكرو-اقتصادية، خاصة العجز والتضخم، تشجيع الابتكار والمبادرة الخاصة، تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمار الأجنبي بما في ذلك خوصصة بعض القطاعات العمومية، نهج سياسة تقشفية في قطاعات اعتبرتها هته المؤسسات المالية كقطاعات غير منتجة (التعليم، الصحة...)، إصلاح النظام الضريبي وغيرها من الإصلاحات..

الماضي المؤلم

وفي مقابل هاته الإصلاحات تقوم المؤسسات المالية الدولية بإعادة جدولة الديون المتعاقد عليها، وتمديد أجل استرجاعها بشروط جديدة قد تكون أكثر كلفة من سابقتها. وقد طبقت هاته السياسة على المغرب سنة 1983 حينما كانت جميع المؤشرات في مستويات خطيرة. فقد بلغ الدين الخارجي مثلا 83 في المائة من الناتج الداخلي الخام PIB في الفترة الممتدة بين: 1975 و1982 ووصل العجز سنة 1982 إلى مستويات قياسية: 12 في المائة بالنسبة لعجز الميزانية و12.3 في المائة بالنسبة للعجز المسجل بميزان الأداءات، أضف إلى ذلك الانخفاض الكبير لمعدل النمو نتيجة الجفاف الذي عرفته سنة 1981 وانخفاض سعر الفوسفاط في السوق الدولية، وتدهور احتياطي العملة الصعبة الذي وصل سنة 1981 إلى ستة أيام قيمة حاجيات المغرب من الواردات.

ووالي بنك المغرب الحالي كان شاهدا على هاته المرحلة الصعبة وكان فاعلا أساسيا في تدبير السياسة الاقتصادية بالمغرب آنذاك.

ثانيا، في الوقت الراهن، وبالنظر إلى الأرقام أعتقد بأن هناك ضغطا كبيرا على الميزانية العامة، ويزداد سنة بعد أخرى بسبب الارتفاع المتزايد للنفقات العمومية المرتبطة أساسا بالدعم في إطار المقاصة وخدمة الدين العمومي والارتفاع الأخير للأجور نتيجة الحوار الاجتماعي (6 مليارات درهم) الذي هو بمثابة ارتفاع للقدرة الشرائية ونسبة التضخم، إضافة إلى تزايد الموارد المرصودة للجهات من أجل تفعيل مشروع الجهوية الموسعة. فالملاحظ أن هناك تصورا سلبيا للأمور كلما تعلق الأمر بتعزيز القدرة الشرائية. فالرفع من الأجور إلى مستويات معقولة ليس دائما مضرا بالاقتصاد ولكن بالعكس يمكن أن يكون فيه إحياء للاقتصاد، لأنه يمكن الأسر من الادخار والاستهلاك وهذا لا يمكن إلا أن يكون له تأثير إيجابي على وتيرة الإنتاج وعلى تشغيل الشباب. وفي إطار هته الدينامية، ومن أجل تحقيق التوازنات المالية، فالحكومة ماضية في فرض مزيد من الضرائب، مثلا مشروع تطبيق سعر 5 في المائة من مبلغ الموجودات النقدية على الأموال المودعة بالبنوك المغربية على شكل حسابات مفتوحة.

وبالتالي يمكن القول إن 4.8 في المائة كنسبة لعجز الميزانية لا يعد رقما مخيفا مقارنة مع 12 في المائة من الناتج الداخلي الخام المسجلة خلال سنوات الثمانينات، وبذلك يكون المغرب بعيدا شيئا ما من التقويم الهيكلي كما وضحته لكم سابقا وعكس ما يتم تداوله الآن.

سلاح ذو حدين

أما في ما يتعلق بالتحذيرات المتكررة لوالي بنك المغرب، كما يظهر جليا من الأرقام الرسمية خاصة خلال السنوات الأخيرة، أريد أن أشير إلى أن مشكل عجز الميزانية إلى جانب عدم توازن العلاقات التجارية بين المغرب وشركائه التجاريين الأجانب، وما يصاحبه من ضعف الصادرات، وانخفاض العائدات المغربية من العملة الصعبة، ثم كذلك القرار المرتبط بلجوء الحكومة في شخص وزارة الاقتصاد والمالية إلى مزيد من الاقتراض الخارجي بالعملة الصعبة والآثار المترتبة على ذلك في ما يخص تكريس العجز على المستوى المتوسط والبعيد وتكلفة الديون على الأجيال القادمة. فمن الطبيعي أن يأتي بنك المغرب كفاعل أساسي في السياسة النقدية والاقتصادية وينبه الحكومة من تداعيات هذا الخيار الاقتصادي الصعب على المغرب والمغاربة، خاصة مع عزم الحكومة تنفيذ هذا التوجه باللجوء إلى مزيد من القروض خلال الأسابيع المقبلة، حالما تكون ظروف السوق الدولية مناسبة من حيث سعر الفائدة. هذا ويبقى الاقتراض في اعتقادي الشخصي سلاح ذو حدين: إذ يشكل خطرا بالنظر إلى آثاره على الأجيال القادمة وفي نفس الوقت آلية لحلحلة إشكالية العجز المالي والموازناتي للدولة!

أخيرا، حول نجاعة بنك المغرب والسياسة النقدية، أود أن أؤكد أن عمل هذه المؤسسة تحكمه القوانين المعمول بها بالمغرب، خاصة القانون البنكي لسنة 1993. فمن بين أدوار البنك المركزي الأساسية ضبط السياسة النقدية والسهر على توفير مناخ يسهل ولوج المقاولة إلى حلول تمويل استثماراتها وأنشطتها الاقتصادية الفلاحية والتجارية والصناعية والخدماتية. إضافة إلى ذلك أسندت إلى بنك المغرب مراقبة القطاع البنكي ببلادنا، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، حينما نتحدث عن نجاعة سياسة عمومية أو أداء عمومي معين لابد من طرح مجموعة من الأسئلة: ما هي الإشكالية المطروحة؟ ما هي المنهجية المتبعة؟ لماذا تقييم العمل العمومي؟ ما هي الصعوبات التي تواجه الجهة التي تعنى بالتقييم؟ لهذا أعتقد أن هاته الأسئلة تحتاج إلى وقت من أجل الإجابة عنها، لأنها كلها مهمة ومعقدة في نفس الوقت. لكن الشيء الذي أريد أن أؤكد عليه وهو الأهم، أن تقييم نجاعة الأداء يمكن الإدارة من أن تكون على بينة من التقدم المحرز أو الفشل المحقق.

التحدي المطروح

فمن وجهة نظرنا، هناك مستويين للتقييم: التقييم «الماكرو» الذي يأخذ بعين الاعتبار تأثير الخيارات والإجراءات التي تقوم بها الحكومة على المجتمع. ثم المستوى الثاني، وهو التقييم «الميكرو» الذي يرتبط من ناحية بقياس نتائج مرفق عمومي أو مؤسسة عمومية معينة، ومن ناحية أخرى بالتتبع المستمر لآليات أشغالها.

وأخيرا، علاقة بموضوع التقييم يمكن أن أفيدكم بصفة عامة، مهما تكن المؤسسة موضوع التقييم بما يلي: مسألة تقييم النجاعة بالقطاع العام مسألة حديثة وتعرف دينامية كبيرة في ظل دستور 2011، والقانون التنظيمي للمالية 13-130 الذي دخل حيز التطبيق سنة 2015. هاته النصوص القانونية جعلت من التدبير المبني على النتائج والتقييم والمراقبة الداخلية والافتحاص ركائز أساسية للتدبير الناجع. غير أن المشكل الأساسي الذي يبقى عائقا أمام تقييم النجاعة هو تعدد الجهات التي تعنى بالتقييم وتعقيد دورها بسبب التداخل وضعف التنسيق بين مكوناتها وفيما بينها. فالتحدي الأساسي حاضرا ومستقبلا هو ترسيخ وغرس ثقافة التقييم في العمل الإداري ولدى الفاعلين العموميين لأنه في الآونة الأخيرة نلاحظ تآكل حاصل في مصداقية العمل الحكومي وتزايد مستمر لأزمة الثقة في القطاع العام مما يؤدي إلى انخفاض مساهمة دافعي الضريبة في تمويل التنمية كرد فعل على ضعف آليات الحكامة المؤسساتية. لذلك وجدت الحكومة نفسها، كنتيجة لذلك، غير قادرة على حلحلة العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المطروحة في الوقت الراهن.