السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

الماحي: من المزايدات اعتبار تعليمات النيابة العامة تشريعا في السياسة الجنائية

الماحي: من المزايدات اعتبار تعليمات النيابة العامة تشريعا في السياسة الجنائية عز الدين الماحي
بدد الأستاذ عز الدين الماحي، الحاصل على الدكتوراه في الحقوق مخاوف وتوجسات البعض من التعليمات التي يصدرها رئيس النيابة العامة بخصوص التوجيهات الداخلية للقضاة، وأكد مدير مجلة  "محاكم" ل " أنفاس بريس" أن مثل هذا الكلام مبني على مغالطات دستورية وقانونية، ولا يستند على أسس سليمة..

كشف رئيس النيابة العامة عن رقم مخوف بخصوص عدد طلبات الإذن بزواج القاصرات، إذ تعدى 33 ألف طلب سنة 2018، كيف تقرأ هذا الرقم؟
 
في حقيقة الأمر، وبعد إطلاعي وتفحصي للكلمة التي أدلى بها رئيس النيابة العامة على هامش ذلك اللقاء والذي أشار من خلالها على أن محاكم المملكة توصلت بأزيد من 33600 طلب لزواج القاصرات سنة 2018، تبين فعلا أنه رقم مخيف ومقلق، لكنه ينسجم وتقرير التنمية البشرية في إفريقيا الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2016 الذي أشار إلى أن نسبة تزويج القاصرات المغربيات بلغت حوالي 16 في المائة وهي ثاني أعلى نسبة في المنطقة المغاربية بعد موريتانيا 34 في المائة.
وفي اعتقادي الشخصي فإن هاته النسبة قد تكون مرشحة للإرتفاع بالنسبة للمغرب، على اعتبار أنه ثمة العديد من الحالات الأخرى غير موثقة سواء على مستوى المدن أو القرى.
 
إذن نحن أمام ظاهرة اجتماعية مؤسفة، وتحدي حقوقي، يستدعي وقفة وجيهة للتأمل والمراجعة على جميع المستويات والمقاربات بعد الدراسة والتأصيل للظاهرة التي تحكمها عدة أسباب من قبيل الموروث الثقافي (التقاليد والعادات) والديني، والوضع الهش لبعض الأسر التي تسعى إلى التخلص من أعباء الفقر والتهميش والهدر المدرسي، وغياب الوعي وانتشار الأمية لدى بعض الآباء الذين يستحضرون الوسط الذي يعيشون فيه. مما يفضي إلى المساس بحقوق الطفل المكفولة دستوريا ودوليا، وما يترتب عن ذلك من نتائج وخيمة من قبيل التفكك الأسري وتشرد الأطفال.

في هذا اللقاء أعلن رئيس النيابة العامة من خلال المذكرة رقم 20 الموجهة إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية وقضاة النيابة العامة على التشدد في قبول طلبات الإذن بزواج القاصرات. كيف يمكن تنزيل هذه التعليمات؟
 
في البداية لابد من الإشارة إلى أن مقتضيات الفصل 20 من مدونة الأسرة الصادرة بتاريخ 03 فبراير 2004 نصت على ما يلي:
"لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى أو الفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليها في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي مقرر الاستجابة بطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن".
والواقع أن مقتضيات هاته المادة أثارت العديد من النقاشات والمقارعات من طرف العديد من المهتمين على اعتبار أنها خولت للمحكمة صلاحية واسعة في منح الأذونات لزواج القاصرات استثناء من مقتضيات المادة 19 من مدونة الأسرة التي جعلت أهلية الزواج بالنسبة للفتى والفتاة في 18 سنة شمسية، وبالتبعية وفي إطار الالتزامات الدستورية والقانونية لرئاسة النيابة العامة، وانطلاقا من المادة 3 من مدونة الأسرة التي تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هاته المدونة، فإن مذكرة رئيس النيابة العامة عكست تصورا عمليا داخليا وليس تصورا تشريعيا لحث قضاة النيابة العامة بمناسبة تطبيق مقتضيات المادة 20 من مدونة الأسرة على تقديم الملتمسات والمستنتجات الضرورية وعدم التردد في معارضة طلبات الزواج التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر وجعل جلسات البحث مناسبة لتوعية القاصر الذي يغيب عنه الرشد الروحي والعقلي. ولفت الانتباه لمن يهمهم الأمر لاتخاذ الحلول الناجعة. إذن فالدورية هاته عبارة عن تصور داخلي ليس إلا من أجل حماية القاصرين دون المساس بالمقتضيات القانونية والسياسة التشريعية التي يضعها المشرع، ودون التدخل في المقرر الذي يتخذه القاضي المكلف بالزواج الذي تبقى له الصلاحية الكاملة لمنح الإذن بزواج القاصرات من عدمه.
 
لكن البعض اعتبر أن هذه التعليمات من شأنها فتح باب وضع سياسة تشريعية لقضايا خلافية، للبرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه وجهة نظر أخرى، كيف يمكن تفسير هذا التخوف؟
 
أعتقد أن مثل هذا الكلام مبني على مغالطات دستورية وقانونية، ولا يستند على أسس سليمة، ذلك أنه وبالرجوع إلى الدستور المغربي لسنة 2011 لاسيما الفصل 71 منه، يتضح بجلاء أن مجال القانون أسند حصريا للسلطة التشريعية الممثلة في البرلمان. والنتيجة من هذا وذاك أنه لا يمكن لأية جهة أن تقاسمها هذا الاختصاص إلا وفق الدستور، وبالتالي فإن ما ورد في المذكرة 20 الصادرة عن رئيس النيابة العامة، والتي استحضرها من خلال كلمته في ضوء ذلك الملتقى، تندرج وكما سبق القول ضمن البناء والتصور الداخلي لرئاسة النيابة العامة كجهة مستقلة في ارتباط تام مع تنفيذها للسياسة الجنائية التي يضعها المشرع وذلك من خلال اتخاذها للعديد من الآليات والتدابير، والتي تعكسها التقارير الصادرة عنها، انسجاما مع مقتضيات المادة 110 من القانون التنظيمي عدد 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وبالتالي فالأمر لا ينصرف كما ذهب إلى ذلك البعض على أنه تصور تشريعي وفيه تطاول على اختصاصات المشرع والحكومة، وأن القول بذلك يبقى عاريا من الصحة وغير حصيف ومبني على مغالطات، لا صلة لها بالدستور وبالقانون، وبالتالي فإن أي انتقاد يوجه للمادة 20 من مدونة الأسرة يتعين حله عن طريق المقاربة التشريعية بعد التأصيل للظاهرة في جميع أبعادها، بدل توجيه سهام النقد لجهات أخرى، وجعل المناسبة مرتعا للمزايدات.