الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الاسماعيلي: في الحاجة لمراجعة قانون تمويل الأحزاب وربط الدعم بالتواجد في المجتمع

الاسماعيلي: في الحاجة لمراجعة قانون تمويل الأحزاب وربط الدعم بالتواجد في المجتمع
في هذا الحوار مع نذير الإسماعيلي، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، يرى أن تمويل الأحزاب في المغرب ينبغي أن يكون مقترنا بتحقيق نتائج معينة، وبمدى انغراس تلك الأحزاب في محيطها، وبمدى كثافة وحيوية أنشطتها، مع مواطنيها وناخبيها، وفي دوائرها..
 
بعض المراقبين يتساءلون عن جدوى التمويل العمومي للأحزاب، ما دمنا أمام مشهد سياسي بئيس، أمام أحزاب غير قادرة على تحمل مسؤوليتها والاضطلاع بالأدوار المنوط بها.. ما رأيك؟
 
أعتقد بأن النقاش بشأن مسألة تمويل الأحزاب الأساسية هي مسألة أساسية، وعلى سبيل الذكر فماكس فيبر يرى أن الجانب الأكثر غموضا في الحياة السياسية، هو الجانب المتعلق بالتمويل. من حيث المبدأ فالأحزاب بحاجة إلى موارد قارة، كونها تقوم بدور تأطير المواطنين، وتساهم في الحياة العامة. وبالتالي من الضروري تمويلها ومدها بالوسائل المادية، والمالية والمشاهرات...إلخ، خصوصا في ظل أزمة العزوف السياسي التي تشكل في الحقيقة مظهرا من مظاهر إخفاق الأحزاب السياسية، بالرغم مما تتلقاه من دعم سواء في حياتها العادية أو خلال المحطات الانتخابية لتمويل حملاتها الانتخابية. وإذا لاحظنا في القانون المقارن، خصوصا في إنجلترا أو فرنسا، فقضية التمويل تخضع لمجموعة من المعايير الأساسية، وهي المعايير التي تتطور بتطور الأزمنة، حيث يتم مراعاة عدد المقاعد المحصل عليها، عدد الأصوات...إلخ. واذا كانت الأحزاب السياسية تساهم في الحياة السياسية عموما عبر عطائها ومجهودها ومن ناحية الجودة والثقة، ومن ناحية تأطير المواطنين ومواكبتهم التي تعد مهمتها الأساسية، لكننا نلاحظ أن هذه المهمة غابت بشكل كبير لدى الأحزاب السياسية.

لكن الأحزاب في المغرب، ومنذ الاستقلال، وصولا إلى مرحلة التسعينيات كانت دائما تعاني من صعوبات في التمويل، ومع ذلك كان عطاؤها لا ينقطع، بدليل أن مقراتها كانت دائما مفتوحة في وجه المنخرطين والمناضلين، ولا ترتبط بالمحطات الانتخابية. لكن الوضع الآن مريح جدا من ناحية التمويل العمومي ومع ذلك توصف مساهمتها في الحياة السياسية بالهزيلة؟
 
الأحزاب حاليا تبدو عاجزة بسبب التغيير الذي طرأ على ثقافتها، حيث أصبحت حاليا تتهافت من أجل الريع وتتسابق نحو المناصب والمراكز، عوض التهافت والتنافس نحو تأطير المناضلين، وحشد التأييد والتواصل الدائم. مقرات الأحزاب للأسف تظل مغلقة، إذا استثنينا المحطات الانتخابية، وبالتالي فحتى الأنشطة التحسيسية والتأطيرية والتواصلية تظل مقرونة بالانتخابات، وهو ما يتسبب في تغييب المواطن عن العمل الحزبي، كما يحول هذا الوضع دون مساءلة المواطن للأحزاب أو اطلاعها على انتظاراته وتطلعاته، كما لو أن الأحزاب تخلت بشكل شبه مطلق عن مهامها الأساسية في علاقتها مع المواطنين، بل حتى مع مناضليها قطعت حبل التواصل الداخلي، أو ما يسمى بالتواصل العمودي الذي غاب بشكل مطلق، فما بالك بالتواصل الأفقي مع جماهير المواطنين، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول مشروعية الأحزاب، وحول ضرورة معايير جديدة لمساءلة الأحزاب من أجل قياس مدى قدرتها على القيام بمهامها التأطيرية كما ينص على ذلك الدستور.
 
الأحزاب أخلت بعلاقتها التعاقدية مع المواطنين وفضلت التسابق نحو الريع ونحو المناصب والمراكز دون أن ينعكس ذلك على جودة عيش المواطنين، الأمر الذي يجعل موضوع تمويل الأحزاب يطرح بحدة فإلى متى سيستمر دافعو الضرائب في تمويل الأحزاب السياسية ونحن نستحضر بعض التجارب المقارنة؟ وهل التمويل يعد ضرورة في البلدان الديمقراطية أم أنه مقرون بنتائج معينة؟
 
طبعا تمويل الأحزاب في البلدان الديمقراطية مقرون بتحقيق نتائج معينة، وهو مقرون بمدى انغراس تلك الأحزاب في محيطها، ومقرون بمدى كثافة وحيوية أنشطتها، مع مواطنيها وناخبيها، وفي دوائرها. معيار الالتزام والمواكبة يعد من ضمن المعايير التي أصبحت تفرض نفسها، وهي في الحقيقة من بين المبادئ التي أخذت بها البلدان الديمقراطية، وعلى وجه التحديد بريطانيا، وكذلك ألمانيا، كما نجد في القضاء الدستوري الفرنسي ما يحيل إلى ضرورة ربط تمويل الأحزاب بمدى تواصلها وانغراسها وارتباطها العضوي بالجماهير، وبالمواطنين وتواصلها الدائم، وقيامها بدورها الطلائعي، لهذا أقول إنه يمكن مراجعة قانون الأحزاب السياسية وإدراج هذه المعايير. فإدراج هذه المعايير من شأنه أن يضع الأحزاب السياسية على محك الامتحان، وأن تفرض عليها العودة إلى مهامها الأصلية وهي تأطير المواطنين وتوعيتهم ومواكبتهم، وترجمة تطلعاتهم والتواصل معهم وإتاحة الفرص لمساءلتهم.