السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي : المحامون وإدارة سجن عكاشة : الفتيل يقترب من برميل البارود

محمد الشمسي : المحامون وإدارة سجن عكاشة : الفتيل يقترب من برميل البارود محمد الشمسي
لا يتردد موظفو السجن المحلي بعكاشة بعين السبع بالدارالبيضاء في تجريد المحامين والمحاميات من مختلف الهيئات المهنية، الراغبين في التخابر مع موكليهم المعتقلين، أقول تجريدهم من هواتفهم النقالة وسحبها منهم ووضعها في درج مخصص لذلك، ثم يأذنون لهم بالدخول، ويضطر المحامون إلى تسليم هواتفهم للموظف بعد إطفائها طبعا، حيث يحرر الموظف اسم المحامي على ظهر الهاتف، ولا يسترجعه إلا بعد انتهاء مدة تخابره مع موكله ورغبته في مغادرة أسوار السجن، وفي مزار قاعة المحامين في قلب السجن المذكور تعلق إدارة سجن عكاشة قائمة بخط عريض من الممنوعات والمحظورات التي على المحامي اجتنابها ، فيمنع منعا كليا على المحامي بعد انتهاء مدة تخابره مع موكله أن يتجول في مرافق السجن ، ويمنع على المحامي أن يقدم لموكله أية وثيقة رسمية ليوقعها ، حتى إن الزائر ليسأل نفسه : ما هي الرسائل التي تود إدارة سجن عكاشة إبلاغها للمحامين من وراء كل هذه الإجراءات ؟، وهل تستند إدارة سجن عكاشة إلى قانون يعطيها الحق في التضييق على هيئة الدفاع ؟ ...
فأما عن تجريد المحامين من هواتفهم ومصادرتها منهم كشرط للسماح لهم بأدائهم مهمتهم في التخابر مع موكليهم فهو فعل لا سند له في القانون ، فهاتف المحامي جزء من مكتبه، بل إن هاتف المحامي امتداد لنشاطه المهني، فالمحامي على اتصال وتواصل دائمين مع مكتبه ومع زملائه ومع هيئته ومع موكليه ومع كتابة الضبط ومع بعض الهيئات القضائية إن لزم الأمر ذلك، فالجلسات لدى قاضي التحقيق مثلا غالبا ما يتم إشعار المحامي بها بمكالمات هاتفية، وسحب هاتف المحامي منه وعزله عن العالم لساعات، وبدون مبرر قانوني، يجعل الإدارة المعنية تتغول في استحضار خاطئ لخطة أمنية مبنية على خرق القانون، فليس هاتف المحامي هو الذي سيربك أمن الإدارة، وإن وقع تجاوز وجب تطبيق القانون، لكن لا يمكن أن يحل بالمحامين عقاب جماعي لمخالفة افتراضية .
وأما عن لائحة المحظورات التي تعلقها إدارة سجن عكاشة في مزار قاعة المحامين ففيها إساءة لهيئة الدفاع ، فسجن عكاشة ليس الفضاء الملائم ليتجول المحامي بين مرافقه بعد انتهاء مدة تخابره مع موكله ، فليس في رحاب السجن المذكور ما يدعو حتى للتفكير في البقاء فيه، فبغض النظر عن مفهوم "الحبس" في الذاكرة، وبغض النظر عن بؤس البناية وكآبتها، وبغض النظر عن تلك الرائحة التي تلطم أنوف المحامين والمحاميات وهم يسيرون صوب مزار القاعة المخصصة لهم، وبغض النظر عن تزاحم أجندة المحامي بشكل يومي ، فإن المحامي يغادر أسوار تلك الإدارة على عجلة من أمره وفور إنهائه لمهمة تخابره ، لذلك يكون تعليق ذلك المنع مجانيا وهو يمنع ما تشمئز منه النفس أصلا ، وأما عن يافطة منع المحامي من تقديم وثائق لموكله أثناء التخابر معه ليوقعها ، فهذه صورة من صور تحقير هيئة الدفاع لا غير ، فأية حجية تكتسبها ورقة وقعها صاحبها بيده ـ ولو خارج السجن ـ ودون المصادقة على توقيعه أمام الجهة المختصة؟، وهل تعلم إدارة سجن عكاشة أنها تتعامل مع رجال ونساء القانون الذين يعرفون مساطر توقيع السجناء على الوثائق ؟، أم أنها بإعلاناتها تلك ترسل رسائل مشفرة ومسمومة تقول للجمهور من خلالها ، "انظروا حال المحامين الذين نتعامل معهم ، منهم من يرغب في التشويش على عملنا بهاتفه النقال، و منهم من يفضل التجول في مرافق سجننا الذي يشبه الحديقة النظرة ، ومنهم من يمد وثائق رسمية لموكله المعتقل ليوقعها ".
على مر التاريخ لم تكن علاقة أسرة الدفاع بإدارة سجن عكاشة ـ بل وكل إدارات السجون ـ على ما يرام،لأسباب متداخلة ومركبة ومعقدة ، لكن إدارة سجن عكاشة وهي تجرد المحامين اليوم من هواتفهم ، ثم تستقبلهم بلافتات حبلى بالممنوعات كأنهم أطفال صغار سيلعبون بالنار ، يكون الفتيل قد اقترب من برميل البارود .