الثلاثاء 19 مارس 2024
مجتمع

الدكتور عبد الكريم المنوزي.. طبيب بشوكة مناضل يدافع عن حقوق الإنسان

الدكتور عبد الكريم المنوزي.. طبيب بشوكة مناضل يدافع عن حقوق الإنسان الدكتور عبد الكريم المنوزي، طبيب اختصاصي في الجهاز الهضمي والجراحة بالمنظار
لا تتخيّل أن الدكتور عبد الكريم المنوزي، الكاتب العام للجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، طبيب اختصاصي في الجهاز الهضمي والجراحة بالمنظار. بالرغم من أنه بلباس «جرّاح» ويزوره المرضى في عيادته بالطابق الثاني في عمارة بشارع بوردو بالبيضاء، لا تكاد تصدّق بأنك تزور عيادة طبية. فشهرة عبد الكريم المنوزي الحقوقية والنضالية تسبقه. وما يرفع من حجم الرّيبة والظّنون اسم الجمعية الطبية الذي اختاره ليكون «ملتصقا» بالفكر الحقوقي والإنساني الذي يرتكبه «علانية».
«الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب»، التي يتحمل فيها المسؤولية عبد الكريم  المنوزي، تختزل هذا البعد النضالي لابن «شرعي» لأسرة مقاومة اسمها «المنوزي» قدّمت الدماء و«القرابين» ضد الاستعمار والاستبداد. يكفي أن نتذكّر والده الحاج علي المنوزي، وعمّه «المختطف» الرّقيب إبراهيم المنوزي، وشقيقه المناضل «النقابي» الحسين المنوزي الذي مازالت عائلته تبحث عن عنوان «شاهد» قبر للبكاء على رفاته.
هذا الطّبيب من جينات عائلة المنوزي، نصف أفرادها جلدته سياط التعذيب، ومن لم يتعرّض لسياط التعذيب ذاق ظلمة الزنازين وغياهب السجون، ومن لم تلهب ظهره سياط الجلادين اكتوى بلوعة فقدان وحرمان “كبد” من جسد “المنوزي» الصّامد.
عبد الكريم المنوزي يحمل هذا الإرث النّضالي الثقيل، وذاكرة مثخنة بالجراح. لذا حين تنظر إلى وجهه بإمعان ترى أمامك خارطة ألم وندوب الماضي. حين تطأ قدماك عيادته تشعر برهبة المكان، تخاطِبُك الصّور المعلّقة على الجدران، ليست صورا من قلب عيادة طبية لعلاج مرضى الجهاز الهضمي، بل تجد نفسك تقتحم غرفة سرية لمنظمة تدافع عن انتهاكات سنوات الرصاص.
رصاص الماضي له دويّ قاتل في صدر عبد الكريم المنوزي. من تعرّض والده للتعذيب وأُعدم عمه واختطف شقيقه، وقُتل ابن عمه المنوزي الحوس قاسم تحت سياط التعذيب في درب مولاي الشريف في شتنبر 1970، لا ينسى بسهولة الاضطهاد الذي تعرّضت له عائلته التي اعتقل منها في عهد سنوات الرصاص 18 فردا.. ولا يمكن أن يتعايش مع الحاضر بتسامح، لذا كان اختيار مهنة الطبّ ليداوي «الجراح»، فلا توجد أنبل مهنة من الطب وتضميد جراح الألم. وكان اختيار تأسيس «الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب» عزاء لقلوب دامية وأجساد مثخنة بندوب الماضي.
عبد الكريم المنوزي في جسد طبيب وقلب مناضل وعقل حقوقي.. تتصارع في داخله كل هذه الشخصيات، لكن شخصية الحقوقي هي التي تنتصر على كافة هذه الشخصيات. التّربة التي نبت فيها هي التي جعلته رجلا بشوكة مناضل يدافع عن حقوق الإنسان. فأنْ تحمل اسم “المنوزي” معناه أنّك تحمل رصيدا نضاليا مشرقا، وليس معناه أن تكون “وصوليا” أو “منبطحا” أو تقتات على “فتات” الآخرين. الشّهامة من أهم المعادن الخالصة لعائلة المنوزي، لذا حين تخاطب عبد الكريم المنوزي ينساب من لسانه هذا المعدن النّفيس، معدن الشهامة والعزة بالنفس والكبرياء. رجل لا يحبّ الأضواء كثيرا، لا يبحث عن المناصب، يفضّل أن يكون في “الظلّ”. فلا تبحثوا كثيرا عن صور “شخصية” لعبد الكريم المنوزي في الصالونات المكيّفة، فلن تجدوا إلاّ صور مسيرات البحث عن الحقيقة والدّفاع عن الانتهاكات الجسيمة لسنوات الرصاص أو صور القوافل الطبية في جبال المغرب المنسيّ.
هو يحمل هذه الذاكرة.. ذاكرة المقاومة.. ذاكرة عائلة قاومت شراسة الاستعمار واستبداد السلطة. هو من عائلة لا تعرف كيف “تهادن”. ورث هذا العناد ورفض التّدجين. أول اختبار تعرض له حين منع من الحصول على جواز سفر لاستكمال دراساته العليا في الطب بفرنسا. اعتقال واحتجاز من نوع آخر.. اعتقال قسري داخل “زنزانة” كبيرة اسمها وطن كان يحكمه “جلاّدون” يطاردون العقول.
1974  هو اليوم الذي أقفلت في وجهه الحدود ليمارس حقه في التحصيل العلمي. لكن الإرادة التي ورثها عن أبيه وعمّه وشقيقه، الصّلابة التي رضعها من ثديي أمه جعلته ليواصل المقاومة.. هو اليوم طبيب اختصاصي في الجهاز الهضمي والجراحة بالمنظار، لكته يحمل «قبّعة» حقوقي يدافع عن حقوق أسر وعائلات المختطفين.
لا يمكن لمن شبّ في عائلة تحتفل بذاكرة الاختطاف والتعذيب والإعدام أن يمارس رياضة أخرى غير رياضة مواجهة انتهاكات سنوات الرّصاص التي نعيشها اليوم بشكل أو بآخر.
وأنت تدخل عيادة عبد الكريم المنوزي انظرْ بعين الرّيبة إلى أنّ الواقف أمامك ليس مجرّد طبيب فحسب!!