قد يوحي هذا العنوان، لمن يقرأه للوهلة الأولى، عن مضمون اعتباطي أوتطابقبين شيئين وميدانين دون وجود أوجه شبه بينهما لأنهما متباعدين وربما لا يلتقيان كخطين متوازيين. عندما طرحت الحكومة الحالية اقتراحإيجاد نوع من التأمين على الكوارث الطبيعية عن طريق فرض ضريبة على المواطنين لمواجهة مختلف التحديات مثل الفيضانات والزلازل وغيرهما من الكوارث الطبيعية، تبادر إلى ذهننا مسلسل المصالحة السياسية لمعالجة تجاوزات وخروقات ما سمي سنوات الرصاص الذي انطلق في بداية القرن وأفضى إلى عدة إجراءات وقرارات منها جبر الضرر المادي وجلسات الاستماع وملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية وإنشاءالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ثم المجلس الوطني في حلته الأخيرة.
لماذا نقارن بين هذين الميدانين أو بالأحرى ننجز نوعا من التطابق بينهما؟ نعتقد أن الدولة عندما أطلقت مسلسل المصالحة الوطنية وعلاج وتصفية مخلفات سنوات الرصاص كانت الفكرة في حد ذاتها فكرة ريادية إذ ساد الاعتقاد آنذاك لدى فئة واسعة من الرأي العام على أنهاانطلاقة ستؤسس لدولة ديمقراطية مع منح ضمانات كافية على عدم تكرار التجاوزات والخروقات وترسيخ أسس المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. لكن، للأسف، أن شيئا من هذا لم يقع وبقيت هذه المصالحة منقوصة بل قامت الدولة بتعويض الضحايا عما سمي جبر الضرر في شقه المادي، فغابت عدة أشياء عن هذا المسلسل المبتور بشهادة معظم الجمعيات الحقوقية المشتغلة في الميدان لاسيمامن خلال الندوات والمناظرات التي تم تنظيمها بـهذا الـخصوص. وهكذا غابت الحقيقة في شموليتها ولم يتم تحديد المسؤولية بدقة في جلسات الاستماع خصوصا أسماء الجلادين وصفاتهم وتحديد المأمورين والآمرين وبالتالي غابت المحاسبة وتم تكريس الإفلات من العقاب بشكل ضمني. كما لم تعط الضمانات الكافية لعدم تكرار ما جرى وبقي اعتذار الدولة معلقا...الشيء الوحيد الأكيد هو أن الدولة عوضت الضحايا جزئيا من الخزينة العامة ومن أموال دافعي الضرائب وبالتالي شكل ذلك نوعا من التأمين الذي تم اللجوء إليه بـدون وجه حق،لاسيماأن المسؤوليات لم تحدد بما فيه الكفاية وأفلت المسؤولون من المحاسبة. وهذا في حد ذاته يظهر أن هذا المسلسل إذا اعتبرناه مسلسلا وطنيا للمصالحة لم يحقق التوازن اللازم وبقيت الكفة تميل لجهة على حساب الأخرى. فالمجتمع بأسره مثقفوه،طلبته،فنانوه،نقابيوه...عانوا بشكل أو بآخر من سنوات الرصاص سواء عن طريق القمع المباشروالممنهج أوالرقابة الذاتية ومختلف الإكراهات الأخرى التي خضعوا لها. هكذا فالمجتمع ممثلا بـقواه الحية ونخبه أضحىضحية مرتين: المرة الأولى عن طريق خضوعه لممارسات قمعية وتجاوزات وإكراهات ثم مرة ثانية لدفعه ثمن المصالحة (بالمعنى الصحيح والمجازي للكلمة(دون أن يحصل على ضمانات كافية ودون أن يعرف الحقيقة كاملة.
ومرة أخرى تحاول حكومة العثماني فرض ضريبة كتأمين عن الكوارث الطبيعية وهو أمر نعتبره من الناحية الشكلية إيجابيا في حد ذاته لأنه يعبر عن نوع من التضامن والتكافل بين أفراد الشعب المغربي بمختلف فئاته. كما أن هذا النوع من التآزرالمهيكل، المنظم سيدعم أشكال أخرى موجودة لكن أقل تنظيما ولها محدوديتها كاللجوء إلى المحسنين والمجتمع المدني. الأكيد هنالك تحديات طبيعية كثيرة ستزداد حدتها وضراوتها خلال السنين المقبلة ويجب مواجهتها نذكر من بينها الأمطار الموسمية العاصفية، انجراف التربة، زحف الرمال وكذلك ارتفاع منسوب المحيطات والبحار.
لكن هل سيتم الشروع في أداء هذه الضريبة دون محاسبة وإطلاق تحقيقات واسعة في شأن أسباب ومسببات الكوارث التي تقع ببلادنا. فكل الكوارث ليست دائما نكبة من السماء أو قدرا مكتوبا ومحتما علينا، لقد رأينا طرقا وقناطر تجرفها المياه وكأنها بنيت من الكارتون. كما أطلعتنا الفيديوهات الرائجة على منشئات بنيت تنهار بسهولة غريبة أو لأنها أقيمت في أراضي تجتاحها الفيضانات وتمر عبرها مجاري الأنهار. بكل صدق نعتقد أن حكومة العثماني- كسابقه ابن كيران الذي طبع علانية مع الفساد باستعمال عـبارة عفا الله عما سلف- عاجزة عن فتح ملف الفساد والشروع في تحقيقات حول التقصير الذي طال عدة مشاريع من طرق وقناطر ورخص منحت في غير محلها. لقد اختارت السبيل السهل وهي فرض ضرائب وإتاوات على الشعب والاقتطاع من رزقه للتغطية على فشلها الذريع بل لأنها تتحمل جزءا لا يستهان به من المسؤولية في ما وقع نظرا لإشراف وزرائها على عدة قطاعات حيوية. إنها استمرارية سياسة الجبن والعجز التام أمام استشراء الفساد وتعويض ذلك بالهجوم على قوت المغاربة كما حدث مع صناديق التقاعد والمكتب الوطني للماء والكهرباء واللجوء إلى التعاقد والزيادات المتتالية في الأسعار وفتح الباب للرأسمال الأجنبي بمؤسسات التعليم العالي وتصفية صندوق المقاصة...
لذا وجبالتأكيد على ضرورة تحديد المسؤوليات بدقة وهل يوجد تقصير عند مختلف المسؤولين خلال أداءهملمهامهمكعدم تطبيقهمواحترامهم للمساطر والإجراءات المعمول بها.كما يجب ترتيب عقوبات قضائية على ذلك لكيلا تسترخص أرواح المغاربة وأموالهم وممتلكاتهم في المستقبل. دون ذلك سيؤدي المغاربة، مرة أخرى، فاتورةالتأمين عن أخطاء وتقصير وتجاوزات المسؤولين كما حدث في ملف معالجة سنوات الرصاص دون أن توجد ضمانات على عدم تكرار المآسي والكوارث الجماعية والوطنية التي تصيبنا.