الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

أمين علوي:كيف صُنعت شهرة المقاول المغمور محمد علي

أمين علوي:كيف صُنعت شهرة المقاول المغمور محمد علي أمين علوي
لفهم التأُثر الغريب وحالة التحمس الزائدة لما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة المقاول المغمور "محمد علي" يجب الرجوع قليلا إلى الخلف للنظر في مشهد الحالة المصرية والإعلام المعادي للدولة قبيل الظهور المفاجئ والمكثف لمحمد علي.
رد فعل عكسي
كانت حالة الرتابة والتكرار تسيطر على المادة التي يبثها الإعلام المعادي للحكومة المصرية بشكل فج وهو ما أنتج رد فعل عكسي لدى الشارع المصري الذي أصابته حالة تبلد عاطفي أمام تلك البروباغاندا الممنهجة وهو ما ساهم في فشل تحشيد الرأي العام للقيام بثورة جديدة. فجأة ظهر محمد علي الممثل و المقاول المغمور وأصبح مشهورا في فترة وجيزة جدا، ومعلوم لدى خبراء الاتصال أن ظاهرة الانتشار الواسع لشخصية ما أو موضوع معين في وقت وجيز لا تنجح إلا بما يعرف بالتأطير الإعلامي )فريمينغ( وهو ما يظهر بشكل واضح في تسابق قنوات عرفت بعدائها لرئيس مصر الحالي وبتحريضها على الثورات مثل بي بي سي و قناة الجزيرة و قناة الشرق ومكملين...لنقل وترويج مرويات محمد علي فيما يشبه بحملة منظمة تختلف تماما على ما كانت تنشره ضد الرئيس السيسي قبل ظهور محمد علي في المشهد.
تماهي وسائل الإعلام في نشر الفوضى
وإذا دققنا في عوامل نجاحهم هذه المرة سنستعيد بلا شك ذكريات توابل الوصفة الأولى التي استخدمت لإشعال الثورات في العالم العربي والتي نجحت في جعل الحشود تندفع بشكل لا واعٍ خلفها وعادت مرة أخرى للتأثير بشكل واضح في قضية "المقاول الظاهرة".
ـ التسريب والطابع الفضائحي: وهنا نتذكر تسريبات ويكيليكس التي كانت تتحمور حول "الفساد المالي للحكومات" وقد تماهت معها وسائل الإعلام الداعمة للثورات وأعطتها مصداقية وانتشارا واسعا دون الحاجة لأدلة تثبتها وهو ما يحدث الآن فيما يروج له محمد علي من مزاعم فضائح فساد التي تناقلتها وسائل الإعلام بشكل تلقائي دون وضعه في دائرة الشك والنظر أو البحث في أدلة مزاعمه. وقد عوض التوثيق المفترض تقديمه في مثل هذه الحالات بحيلة ذهنية يمكن أن نسميها "الإيهام بالتوثيق" وتقتضي التسلل إلى لا شعور المتلقي وإقناعه بواقعية ما يستمع إليه عبر الإكثار من ذكر أسماء مسؤولين ووقائع وتفصيلات تعطي انطباعا للمتلقي بأنه أمام أحداث حقيقية.
إحراج السلطة
من بين التوابل أيضا التي جعلت المتلقي يصدق بشكل تلقائي دون النظر إلى تناقضات ما يرويه محمد علي هو تهديده بنشر المزيد وهو ما يوحي بأنه يحمل كما كبيرا من المعلومات "السرية والمحرجة" وهو ما كانت تفعله وسائل الإعلام مع تسريبات ويكيليكس التي نشرت في حلقات متسلسلة تجعل الجميع في حالة ترقب وانتباه.
ولإضفاء مزيد من المصداقية اعتمد محمد علي أيضا على حيلة تحدي الدولة بالرد ليظن المتلقي أن سكوتها نابع من مصداقية التسريبات وخوفها من كشف الحقائق. لكن الحقيقة أن المؤسسات الرسمية لا ترد على مثل هذه المعلومات لأنها تعلم أنه فخ "الابتزاز بالتأثُر" وأن أي رد سيزيد الطين بلة ويضعها في موقف دفاعي ضعيف وسيشجع اخرين على القيام بابتزازها.
عوامل مكمّلة
هذه هي العوامل الأساسية لنجاح الوصفة وهناك عوامل أخرى ثانوية ولكنها مهمة جدا ومكملة. فالمصداقية الموهومة وحدها لا تكفي دون عامل التعاطف النفسي مع صاحب التسريبات وكما رُسم حول أسانج صاحب ويكيليكس هالة البطولة أكسبته التعاطف الشعبي فإن محمد علي قد اختيرت له ملامح مشابهة وصمم له سيناريو بطولي يبدأ بقصة هروبه الهوليودية من مصر عبر ادعائه تصوير فيلم في إسبانيا لإبعاد شكوك الدولة حوله وانتقاله هو وعائلته إليها في مراحل مثيرة. وكذلك لعبه دور الضحية لفساد قادة الدولة رغم اعترافه بمشاركته لهم في الفساد على حد قوله وقد بدأ تسريباته بالحديث عن رغبته في استرداد مستحقاته المالية التي لم يحصل عليها بعد تنفيذه لمشاريعهم الشخصية التي يقول إنها نهبت من المال العام!
ويمكن أن نلاحظ التطور المثير لملامح شخصيته عبر التسجيلات المتتالية من مجرد شريك في الفساد ينتقم لنفسه الى بطل لا يريد المال ويبحث عن حق الفقراء والمستضعفين وهو ما يزيد شخصيته إقناعا لدى المتلقي الذي بدأ في الانسياق خلف قصصه المريبة.
تمرد على الواقع
من بين الأشياء التي تجعل الفئات المستهدفة تتعاطف معه كون شاب يشبهها ويتكلم بلغة الشارع البسيطة الخالية من التكلف الثقافي وتتخللها مفردات سوقية وشتائم ساخرة تجعله في دور البطل المتمرد (باد بوي (المغامر بحياته من أجل الفئات الفقيرة وهي في العادة ملامح أدبية مغرية لتلك الفئات الشابة خاصة منها التي تنتمي للطبقات الشعبية العريضة.
لا شك أن التهجم العنيف وغير المدروس على مثل هذه الشخصية وعلى ما تبثه من مرويات يزيدها مصداقية وهو فخ يوقع الخصم في التخبط آليا ولا مجال للإفلات منه إلا بالابتعاد إعلاميا عن التجاوب مع تسريباته بأي شكل من الأشكال حتى يناقض نفسه بنفسه وتكثر عثراته ويذهب بريقه فيبدأ الجمهور بالشعور بالملل حينما تطول المدة وسيدير ظهره له تلقائيا.