الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

فؤاد بلمير: شعور الأصوليين بقرب نهاية فترة حكمهم هو الذي يفسر حدوث انقلابهم ضد الحريات الفردية

فؤاد بلمير: شعور الأصوليين بقرب نهاية فترة حكمهم هو الذي يفسر حدوث انقلابهم ضد الحريات الفردية فؤاد بلمير
تعيد جريدة "انفاس بريس" نشر الحوار الذي أجرته "الوطن الآن" مع فؤاد بلمير، باحث في علم الاجتماع حول سياق "إجهاض" الأصوليين للحريات الفردية وازدواجية خطابهم، مؤكدا أن القانون المغربي خطا خطوة مهمة في هذا الإطار، حيث يمكن للنساء اللواتي يتوفرن على الشروط القانونية القيام بإجهاض من أجل ضمان صحة المرأة والمولود. واعتبر أن شعور الأصوليين بقرب نهاية فترة حكمهم، وهم الذين استأنسوا بالكراسي والامتيازات، هو الذي يفسر حدوث انقلاب مواقفهم بشأن الحريات الفردية، ومحاولتهم دغدغة مشاعر النساء من خلال ادعائهم التشبث بالدين الإسلامي.   

س: ماهي أبرز الخطوات التي قطعها المغرب في مجال اقرار الحريات الفردية؟ ولماذا لم نتمكن لحد الآن من ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقات الدولية لحقوق الانسان التي صادق عليها المغرب؟
 
ج: أولا، لابد من القول إن الكل يجمع على أن تقدم الشعوب والأمم مرتبط بالدرجة الأولى بمقدار رعايتها للحقوق والحريات الفردية، لأنها في نهاية المطاف هي التي تسمح بتحقيق التنمية ورفع تحديات التنمية الشاملة والمستدامة.
كما لا يمكن إغفال أن المغرب قطع أشواطا كبيرة جدا نحو تحقيق مزيد من الحريات الجماعية والفردية التي أصبح يضمنها ويصونها الدستور والقانون، وسأعطي بعض الأمثلة: إقرار مدونة الأسرة، فمن كان يتصور يوما أن القانون سيمنح المرأة الحق في طلب الطلاق؟ من كان يعتقد بأن المرأة بإمكانها أن تتصرف في شؤون حياتها بدون ولي؟ من كان يتوقع منع تشغيل العاملات في البيوت قبل 16 سنة مع ضمان حقوقهن الاجتماعية، وهن اللواتي كن يستغلن بشكل فظيع؟ من كان ينتظر سن قانون يمنع التحرش الجنسي؟ ومن كان يتصور أن يتحرر القانون المغربي من مسألة الاغتصاب، حيث كان أقسى ما يمكن أن يتعرض له المغتصب في ظل القانون القديم هو الزواج بالفتاة المغتصبة؟ ليتوج هذا المسار من الإصلاحات بالاعتراف عبر الفصل 19 من الدستور المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بين الجنسين. هذه مجموعة من القوانين والتشريعات التي مست البنية الفكرية والذهنية للمجتمع المغربي، وتعلمون أن أكبر خطر في التحول المجتمعي هو تغيير الذهنيات. فالمغرب عرف تحولا مجتمعيا مهم جدا في السنوات الأخيرة يؤسس لدولة حديثة، وفي ما يتعلق بملف الحريات الفردية ففي ظني أن هناك نقاشا سياسيا وإيديولوجيا تتجاذبه أطراف سياسية معينة.
 
س: أشرت إلى أن ما يروج من مطالب بشأن الحريات الفردية، يدخل في باب المزايدات السياسية والإيديولوجية، ولكن المدافعين عن حرية المرأة في التصرف في جسدها يرون أن المطالبة بتقنين الإجهاض يدخل في باب الحفاظ على صحة النساء، خصوصا مع تنامي حالات الإجهاض السري غير الآمن والتي تؤدي في بعض الحالات إلى حدوث وفيات؟
 
ج: القانون المغربي خطا خطوة مهمة في هذا الإطار، حيث يمكن للنساء اللواتي يتوفرن على الشروط القانونية القيام بإجهاض من أجل ضمان صحة المرأة والمولود. وكي نكون واضحين فلسنا ضد المطالبة بحرية المرأة في التصرف في جسدها، ولهذا فقد طرحت فكرة أساسية بعيدة كل البعد عن مداهنة أي طرف. المغرب تتجاذبه ثقافتان: ثقافة تنحو نحو الحداثة، وتتزعمها أحزاب اليسار والحركة النسائية، حيث يتم اختزال الحريات الفردية في جسد المرأة والمثلية، والإفطار العلني في رمضان.. وثقافة تريد أن تشدنا بالحبال إلى القرن الأول للهجرة، في حين ينبغي النظر إلى الحريات الفردية في شموليتها (الصحة، التعليم، حرية الفكر والرأي، الحرية السياسية والمدنية..). ولحسن الحظ أن المغرب يتمتع بحظ تاريخي، منطلقا في ذلك من وعي تاريخي، وهذا كلام ما فتئت أردده في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وهو إمارة المؤمنين التي تدبر الحقل الديني بحكمة. وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني هو مؤسس الدولة الوطنية، فإن الأمور خلال فترة حكم الملك محمد السادس اتخذت مجرى آخر نحو الحداثة، مع مراعاة المقومات الحضارية والثقافية والدينية للمجتمع المغربي، والمغرب يضرب به المثل في بلدان العالم بحكم توجهه نحو الاعتدال والوسطية في الدين. وهناك مجموعة من المعطيات التي توضح ذلك، منها زيارة البابا، التسامح الديني السائد في المغرب، وأعتقد أن المغرب يتوجه بخطى ثابتة وحثيثة نحو بناء دولة حديثة يسود فيها القانون والذي سيفصل بين الجميع، وهذا الأمر يتطلب وقت طويل، مراعاة لأهمية تماسك وتلاحم مختلف فئات المجتمع.
 
س: (مقاطعا) من المعلوم أن السجال الذي يشهده المغرب بشأن الحريات الفردية ليس وليد اليوم، عرفته بلدان إسلامية، من قبيل تونس، تركيا، بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والتي أقرت الإجهاض، فما الذي يمنع المغرب من الإقدام على خطوة من هذا النوع؟
 
ج: المغرب معروف تاريخيا بالحكمة في تدبير هذه الملفات، وإذا لاحظت في ما يتعلق بالإرث، أقر المغرب المساواة بين المرأة والرجل في الإرث في ما يتعلق بالأراضي السلالية، علما أنه لم تكن ترث بالمرة في السابق. وشخصيا أقرأ من زاوية أن المغرب يمهد لاتخاذ خطوات جريئة مستقبلا. وكما قلت فالمغرب ليس كباقي البلدان، فالحاكم يستمد شرعيته من الدين ومن التاريخ ومن انتمائه إلى الأسرة النبوية، وهو ما يجعله يتريث في اتخاذ قرارات من هذا النوع.
 
س: كيف تقرأ مفارقة أن الأصوليين كانوا دائما من أبرز المتشددين في ما يتعلق بالاعتراف بالحريات الفردية، لكنهم الآن أصبحوا ومن خلال خرجات إعلامية لبعض رموزهم يطالبون بالاعتراف بالحريات الفردية؟
 
ج: شعور الأصوليين بقرب نهاية فترة حكمهم، وهم الذين استأنسوا بالكراسي والامتيازات، هو الذي يفسر حدوث انقلاب مواقفهم بشأن الحريات الفردية، ومحاولتهم دغدغة مشاعر النساء من خلال ادعائهم التشبث بالدين الإسلامي، وفي الوقت نفسه اعترافهم بالتطور والحداثة وحقوق المرأة. لكن من يقرأ تاريخ الإخوان المسلمين لا يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه الحيل. وصدقني إذا قلت لك إننا أضعنا 10 سنوات منذ صعود الأصوليين إلى الحكم في المغرب، حيث عمل الأصوليون كل ما في وسعهم من أجل التضييق على الحريات الفردية، لكنني أؤكد أن الملك محمد السادس ينظر لهذا الموضوع بحكمة، ويراعي في ذلك تاريخ وثقافة هذا البلد، والتدين الذي ظل راسخا في هذا البلد من قرون والذي يتميز بالوسطية والاعتدال والتسامح.
 
س: ما رأيك بشأن المعطيات الواردة في أحد تقارير منظمة أطباء بلا حدود، والذي تشير إلى أن التقييد القانوني للإجهاض في عدد من بلدان العالم لم يوازه تقليص نسب الإجهاض غير الآمن عكس بلدان الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية التي تعترف بالإجهاض، والتي تسجل فيها نسب ضئيلة جدا من الإجهاض غير الآمن؟
 
ج: دعني أجيبك بالقول إن واقع الحريات الفردية والعلاقات الرضائية، وأيضا ارتفاع حالات الإجهاض متقدم على الفكر والقانون في المغرب. وفي ما يتعلق بتقنين الإجهاض، فقد وضع القانون شروطا قانونية لممارسة الإجهاض، أما السماح بالإجهاض بشكل مطلق فلا يمكن القبول به.
 
وعودة إلى الخرجات الإعلامية الأخيرة لبعض الأصوليين، فأعتقد بأنهم أدركوا أهمية المرأة من أجل الوصول إلى السلطة، وهم يحاولون دغدغة مشاعر النساء في ما يتعلق بالحريات الفردية من أجل الحفاظ على مكانتهم في المجتمع، وبالتالي ضمان استمرارهم في الحكم في المرحلة المقبلة.