السبت 20 إبريل 2024
سياسة

للذين يدعون لإسقاط الجنسية عنهم: الجنسية ليست بزة غطس أو بردعة موضوعة بالإكراه على ظهورهم

للذين يدعون لإسقاط الجنسية عنهم: الجنسية ليست بزة غطس أو بردعة موضوعة بالإكراه على ظهورهم التنازل عن الوطن معناه التحيز للعدو

حين يكون الوطن في ورطة ما، يلجأ بعض الأدعياء إلى ذلك التكرار الهاجسي بالدعوة إلى "إسقاط الجنسية"، وكأن الحل هو إزالة الأعمدة التي تدعم المبنى.. وكأن الحل هو تحويل إرادة البناء إلى طاقة لفظية تنتهي بلعن الوطن والاستخفاف به؛ هذا ما اجتمع حوله كمشة من المغاربة الحانقين بهولندا الذين عقدوا ألفة مع الشعار الاصطناعي "الوطن هو الكارثة"!

دعا هؤلاء "الوطنيون"، حسب تعبيرهم، إلى إسقاط الجنسية المغربية عنهم، وكأن الجنسية بزة غطس، أو بردعة موضوعة بالإكراه على ظهورهم؛ والحال أن الانتماء شيء لا يمكن التخلي عنه، ولا المساومة به، ولا تحقيق أي مكاسب من ورائه إلا إذا كان الثمن هو ازدراء الوطن وتحقيره والاستعداد الكلي للغدر به. فالوطن لا يقع خلف أي إرادة عمياء للحرب. ليس هو السلطة، ولا المخزن، ولا الشرطة، ولا العسكر، ولا الوزراء ولا المنتخبين. وبالضرورة لن يتحقق الانتماء الحقيقي إليه بتعريضه لوابل من الإهانات المصورة بالفيديو، ولا بنشر غسيله على سطح العالم. الوطن روح لا تقبل المهاجمات الشرسة كلما ارتفع الإحساس بالنفي أو الطرد، وليس هو الإقامة الغرضية في ترف الانتماء، وليس هو ذلك الشيء غير البريء الذي يدفع إلى ممارسة القص واللصق والتركيب وفق تعدد السياق والمزاج.

إن الدعوة إلى إسقاط الجنسية يكشف على نحو واضح أنه ليس من السهل أن ترسم وطنا على المقاس، وأن "الوطنية" المفترى عليها لا تعني لف "الوطن" بمئزر ملطخ بالدماء. وتبعا لذلك، فالاستمرار في ادعاء أي علاقة معه، بعد إعلان التنازل عنه، ضرب من الإفراط في "حرث المياه"؛ التنازل عن الوطن معناه التورط في "الانتماء إلى وطن آخر"؛ وقد يعني، في الحالة القصوى، التحيز المتعمد إلى العدو.. أي عدو يريد الشر بالمغرب، ويسعى إلى إضعافه.

إن المغاربة الأحرار الصادقين يدركون أنه لا يمكن الثأر بالشر بيد واحدة، كما لا يمكن تحقيق الحرية والديمقراطية بالتخلي عن الجنسية، ويدركون أن ذروة الذل هو اختراع الغول لتبرير الجبن. الجنسية ليست بطاقة تعريف، ولا جواز سفر، ولا شهادة إقامة.. ولا مقدم حومة ولا قائد مقاطعة ولا عامل إقليم ولا والي جهة ولا وزير ولا سفير ولا رئيس بلدية. الجنسية لا يمكن أن تصبح أسلوبا شخصيا في معاقبة الوطن، ولا في "تأديب" الوطنيين. ألم يحاول المخزن، وهو في أوج جبروته، أن ينزع عن المناضل اليساري أبراهام السرفاتي جنسيته المغربية، بعدما نزع عنه حريته لسنوات عديدة، ومع ذلك لم يتزعزع إيمان الرجل بوطنه وعاش حتى رأى كل شيء يتغير؟

إن البحار عندما يستيقظ أثناء العاصفة يندفع بشكل غريزي نحو أشرعته، ولا يختار أن يحرق السفينة لينجو؛ لا يختار إسقاط جنسيته كبحار ليثأر من العاصفة. لهذا، فإن إمعان هؤلاء المغتربين بتلويث الوطن، حتى وإن كان وراءه أي اضطهاد سياسي مفترض ومزعوم، يفضح ورطة هؤلاء الكبيرة، وسوء فهمهم العالي لمعنى الانتماء للوطن الذي من معانيه العميقة "التوق الشديد للعودة إلى البيت"..