الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد العزيز عليلي: ثقافة الإعلام التافه إفساد للعقول مع سبق الإصرار والترصد

عبد العزيز عليلي: ثقافة الإعلام التافه إفساد للعقول مع سبق الإصرار والترصد عبد العزيز عليلي

من المعروف أن الإعلام خصوصا المصور منه له تأثير مباشر في توجيه الرأي العام، كما يؤثر أيضا في السلوك والأفكار، مما يؤدي إلى تشكيل أنماط حياة معينة. وبما أن مجتمعنا المغربي لا ينعم بالحد الأدنى من الوعي الثقافي والسياسي، والذي يعد سياجا يحميه ويصونه من الاستلاب والتبعية الثقافية، فإنه صار عرضة لإعلام موجه ينشر الوهم والتسطيح الفكري ويروج للتفاهة.

 

وأضحت التفاهة في إعلامنا العمومي ثقافة عامة رائجة وبامتياز، تساهم وبشكل كبير في بث السموم القاتلة في عقول المتلقين الذين ألفوا استهلاك هذا النوع من التفاهة وأصبحوا يتماهون معها حتى الاصهار. سموم خربت وبشكل ممنهج مفاهيمنا الصحيحة وأثرت بشكل سلبي على قيمنا وأخلاقنا وتساهم في غرس عادات هدامة ودخيلة. المؤامرة واضحة ومقصودة، بما أن هناك سيطرة من جهة واحدة وهي الجهة الموكول إليها بث الاستخفاف الغبي، الإسفاف، الجهل... لدى فئات عريضة من المجتمع مغلوب على أمرها طبعا. يبيعوننا بضاعة فاسدة عديمة الصلاحية تغسل أدمغتنا وتشيع الانحلال والجهل. وسائل إعلام توظف لإنشاء جيل أجوف، لا هي بملذات الحياة وشكلياتها.

 

الأمثلة كثيرة جدا كتلك البرامج الغثة، الأفلام البليدة، المسلسلات المدبلجة التافهة. أستحضر هنا المسلسل التركي المدبلج للدارجة المغربية ''سامحيني'' ذو الألف وسبع مائة وثمانية وعشرون (1728) حلقة، والذي أسدل عليه الستار الأسبوع المنصرم على القناة الثانية. مسلسل تافه بمضمون وجودة أتفه، امتد عرضه لثماني سنوات متوالية. عند بثه، تتوقف الحياة عند بعضهم إلى أن ينتهي. وأصبح من يوميات المغاربة والطقوس الأسرية الرئيسية. كما أصبح هذا المسلسل وشخصياته يحتلان حيزا مهما من الحديث العمومي. ناهيك عن الكلفة المالية الباهظة لشرائه وترجمته إلى الدارجة المغربية.

 

السؤال المطروح الآن، ماذا استفاد المغاربة من هذا المسلسل؟ لنضع السؤال بطريقة أخرى. ماذا خسر المغاربة أثناء تتبعهم لهذا المسلسل؟ في اعتقادي الخسارة كبيرة وبادية على مستويات عدة وتتجلى في: الإلهاء، غسل الأدمغة، غرس عادات دخيلة وأحيانا هدامة، تعزيز الجهل والبلادة، كما رسخت وعززت مجموعة من السلوكيات كالرياء، الشكوى، المكر، الخيانة... بالإضافة إلى أنها ساهمت في نقل انفعالات، تصرفات وأفعال تكون في البداية محل انبهار لتتحول فيما بعد إلى ثقافة بعد ذلك إلى نمط عيش، لكنه وللأسف ممسوخ ومزيف.

 

 نعي ونعرف ما يتيحه الإعلام، خصوصا المرئي منه، من إعادة تشكيل البِنية الفكرية والثقافية ومجموعة العادات السلوكية فيرسخها في اللاوعي الجمعي؛ لتطفو تدريجيًّا على الوعي والسلوك، وتصبح عاداتٍ متأصلةً. فهو يدعو إلى المحاكات والتماهي. لهذا كان جديرا بالقناة الثانية أن تضع مثلنا وقيمنا وأصالتنا محط اهتمام؛ وكان الأجدر بها استثمار تلك الأموال الطائلة التي صرفت على اقتناء المسلسل التركي ودبلجته إلى العربية في إنتاج مسلسلات مغربية تلامس الواقع المغربي المعيش وتعالج انشغالاته وهمومه.

 

المفروض في إعلامنا أن يضطلع بدور لائق ومفيد؛ يبث بيننا مكارم الأخلاق، القيم النبيلة، احترام المرأة، نبذ العنف والكراهية، وأن يبرز أصالتنا، عاداتنا وموروثنا الثقافي وإشاعة فكر عقلاني متفتح ومتسامح وناقذ، بدل نشر ثقافة البذاءة الرخيصة، الفن الهابط والانحلال والعادات الهدامة... وجب عليه أولا وأخيرا أن يحترم ذكاء وعقلية المغاربة.

 

- عبد العزيز عليلي، الكاتب العام لجمعية درعة الكبرى