الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

زين الدين استاتي: اللجوء للتكنقراطي في التعديل الحكومي ليس مفاضلة أو إقصاء للسياسي  

زين الدين استاتي: اللجوء للتكنقراطي في التعديل الحكومي ليس مفاضلة أو إقصاء للسياسي   الملك محمد السادس والأستاذ الحبيب استاتي زين الدين

كان خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة حلول الذكرى الـ 20 لعيد العرش، راصدا وقويا، اشتمل على العديد من التلميحات، التي اعتبرها المحللون معالم لخريطة طريق جديدة.

"أنفاس بريس" اتصلت بالحبيب استاتي زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، وحاورته في بعض هذه التلميحات...

 

+ أشار الخطاب الملكي في تلميح أول إلى التعديل الحكومي؛ في نظرك ما هي دواعي هذا التعديل، إذا استثنينا حالة التنافي التي أصبحت عليها كاتبة الدولة مباركة بوعيدا بعد انتخابها رئيسة لجهة كلميم واد نون؟

- لن أضيف جديدا إذا قلت إن الخطاب بدعوته صراحة رئيس الحكومة، في أفق افتتاح الدورة التشريعية المقبلة، إلى إعداد مقترحات لتولي مناصب المسؤولية الحكومية، هو بمثابة إعلان عن تعديل حكومي مرتقب. السؤال الآن هو: ما الذي ينبغي فعله استجابة لهذه الدعوة أو هذا التكليف الملكي؟ المطلوب، في الأيام القادمة، من السيد سعد الدين العثماني أن يبدأ مشاوراته مع الأحزاب السياسية المشكلة للائتلاف الحكومي بشأن السيناريوهات الممكنة لإدخال نخب وزارية جديدة من الكفاءات التي تمتلك القدرة على تقديم الإضافة النوعية والانخراط الجاد والفعال في الجيل الجديد من المشاريع والأوراش الكبرى التي ستواكب تنزيل تصورات النموذج التنموي القادم. وهو الجيل الذي يستلزم، بدون شك، البحث عن كفاءات من داخل وخارج هذه الأحزاب، مع الحرص على الاستفادة من التجارب الحزبية السابقة في اقتراح الوزراء، وهي تجربة، في نظر العديد من الباحثين والمهتمين، لم تنجح تماما في بلوغ أهدافها.

 

+ يلاحظ تركيز الخطاب على الكفاءات كبديل عن بعض الوزراء والمسؤولين، أليست هذه إشارة إلى إمكانية اللجوء إلى التقنكراط في صياغة السياسات العمومية؟

- لا أخفيك أن هذا السؤال كان ولا يزال موضوعا لنقاش متعدد الأوجه والأطراف، لاعتبارات وحمولات كثيرة لا يسع المقام للتفصيل فيها. وللإشارة، ليست هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الملك محمد السادس عن ضرورة الاستعانة بذوي الخبرة والكفاءة العالية المستوى لتجويد العمل الحكومي. أخذا بعين الاعتبار هذا التواتر، اسمح لي أن أحيط القارئ الكريم علما، قبل الجواب عن هذا السؤال الجديد/ القديم، بأن الحديث عن الكفاءة في السياق المغربي ظل محصورا، لمدة طويلة، في "زوج "السياسة والإدارة، مع ما ترتب عن هذا الحصر من تساؤل حول طبيعة العلاقة وسلم الأولويات والأثر والحدود، وهو تساؤل، كما هو معلوم، ليس وليد اليوم، لأن العلاقة بين الإداري والسياسي، كإشكالية سابقة بكثير عن لحظة بروز أطروحات تحليل السياسات العمومية -وخير شاهد على ذلك أعمال يورغن هابرماس مثلا-. لذلك تعد، اليوم، ظواهر مثل التقنقراطية من الإشكاليات التقليدية بالنسبة لعلم الاجتماع السياسي، من خلال بحثه المكثف في مسببات وأبعاد وآثار انتقال السلطة من مجال السياسة إلى الكفاءات التقنقراطية التي تستعمل مؤهلاتها التقنية لممارسة السلطة السياسية والتأثير على القرار السياسي. وما زاد هذا البحث أهمية هو عندما صار لفظ "التقنقراط" يؤشر على ضعف العمل السياسي (كما هو الحال في المغرب). وارتباطا بالسؤال، وحتى لا أطيل الحديث في هذه النقطة، يكفي أن أشير، مثلا، إلى أن الدارس للعمل السياسي والحزبي في بلادنا يدرك أن جوهر الحوار السياسي العمومي ظل يرتبط، بشكل كبير، بالسياسة كمواقف اتجاه الدولة، كمواقف ظرفية، كردود فعل يومية، ولا يرتبط بالسياسة كسياسات عمومية وكأجوبة على أسئلة المجتمع وحاجاته الملحة. هنا بالضبط ربما يتجدد، عادة، سؤال اللجوء إلى التقنقراط. غير أن الجدير بالذكر أن التجربة تؤكد أن هذا اللجوء لا يُقرأ بالضرورة من زاوية المفاضلة أو الإقصاء -كما قد يتوهم البعض- أو التعويل على الإداري أكثر من السياسي فحسب، بل أيضا من جانب اختيار خلق نوع من التكامل أو التأثير المتبادل أو بالتعبير الملكي ضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة في أفق تغيير وتحديث أساليب العمل، والتحلي بالاجتهاد والابتكار في التدبير العمومي، وهو ما انتبه إليه الخطاب الملكي بتأكيده على أن تكليف رئيس الحكومة بتقديم مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، لا يعني أن الحكومة الحالية والمرافق العمومية، لا تتوفر على بعض الكفاءات. ولكننا نريد أن نوفر أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء بمستوى العمل، وعلى تحقيق التحول الجوهري المرغوب فيه.

 

+ البيعة المتبادلة التي ذكرت في ثنايا الخطاب الملكي، هل لهذا التلميح الثالث من تفسير في إطار الحديث عن المسؤولية والكفاءة؟

- ملاحظة مهمة جدا. لأول مرة يرد هذا "الزوج المفهومي" في الخطاب الملكي منذ عشرين سنة. لقد قال الملك بالحرف في خطاب العرش الأخير: "إننا نحمده سبحانه على ما مَنَّ علينا به من نعمة الوحدة والتلاحم، والبيعة المتبادلة بين العرش والشعب". ما دلالات ذلك؟ هي، في تقديري، إشارة إلى أن التراكمات الحاصلة ولدت الوعي بضرورة أن تخضع المؤسسة الملكية نفسها للتحول للتأقلم مع المتغيرات المتلاحقة. الزمن كفيل بتأكيد هذا الوعي. ليس من اليسير التنبؤ بالوقت المناسب أو الطريقة المثلى لتجسيد ذلك، والأهم هو وجود إرادة لبلوغ ذلك تكريسا للتميز المغربي ضمن الاستمرارية. وربما هذا ما ألمح إليه مستشارا الملك قبل أيام من عيد العرش في حوار غير مسبوق، نشرته وكالة "فرانس بريس"، يحتاج، في هذا السياق، إلى وقفة تفكير وتأمل؛ باستحضار مضامين الوثيقة الدستورية التي أتت في سياق خاص، قال السيد عزيمان إن هناك تغييرا جوهريا، فبينما كانت مكانة الملك في الدستور القديم غير محددة في نطاق معين، أصبح مجالها محدد المعالم في الدستور الجديد. الفرق كبير بين الوضعيتين. وفي محاولة لاستشراف المستقبل، مستقبل النظام السياسي في قلبه الملكية بالمغرب، صرح السيد المنوني بأن المغرب يتجه نحو الملكية البرلمانية، وأن الأمر يتطلب بعض الإصلاحات، وأن ثمة مقتضيات يلزم تجويدها.  لنمدد نظرنا، إذن، إلى المستقبل، ودون تردد، والمغرب يفكر هذه المرة بصوت عال في معالم نموذج تنموي جديد: "النجاح وارد". القول بهذا رضوخ لحركية الزمن، الإنكار مكابرة وتعام.