الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الفهري :مجلس "جوج طرابش وثلاثة د ماطيشات" وأيديولوجية السيد عزيمان

الفهري :مجلس "جوج طرابش وثلاثة د ماطيشات" وأيديولوجية السيد عزيمان عبد القادر الفاسي الفهري
ذكرتني خرجة السيد عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتعليم، التي انتقد فيها بشدة من يقفون ضد المصادقة على القانون الإطار للتعليم بأنهم ضد "التحديث" و"التقدم" وضد "مدرسة النجاح"، وأنهم أصحاب "أيديولوجية"، الخ، بعبارة اليسارالقديم هم "رجعيون متخلفون"، لأن يعارضون 'فرنسة' التعليم، ولأنهم أرادوا أن يفهموا ما معنى "التناوب اللغوي"، الذي "فرعوا" رؤوسنا به، والذي لم يفهمه أحد (حتى مجلس السيد عزيمان نفسه)، وقد أردفت الصحافة الفرنكوفونية شرحا لكلام السيد عزيمان بأن المقصود بالرمي هم "الإسلاميون الظلاميون"، الذين لا يتكلمون 'لغة واحدة'، أو 'نفس الغة'، كما قال السيد كمال لحلو في أحد افتتاحياته (يقصد أن على المغاربة كلهم أن يتكلموا بلغة موليير في مآربهم العامة والخاصة)، والتي تجنَّدَ قوم من أجل أن يحرومونا مما 'أنعم الله علينا به' (غنيمة الحرب في 'الزمن الفرنسي' الخالد)، وتميزنا فيها تميزا لم تعد تحلم به حتى فرنسا التي تخلت عنها (نسبيا)، كما صرخ بذلك بعض مثقفيها، ذكرتني الخرجة بطريقة "ماطيشة وطربوش"، التي كانت قد ابتدعتها السيدة روث كروريشار، التي سبق وأن جربت حظها في تسويقها في مدارس البعثات الفرنسية في التسعينات، ولكنها لم تفلح في ذلك. وكان في ذلك الوقت من يدعو إلى تبنيها في التعليم المغربي. وبما أنني رجل أكاديمي، فإنني أنسب السبق إلى السيدة روث، وهي منسجمة في دفاعها عن مشروعها الدارجوفوني قبل 'عيوشنا' المحترم (هداه الله) بسنوات. وأشهد للسيدة روث بأنها فضحت في أحد مقالاتها ما كان يطبخه وزير التعليم السيد بلمختار (وما شرع فيه دون استشارة أحد) من فرنسة أحادية لتدريس المواد العلمية، منذ سنة 2013 (وليس السيد أمزازي إلا "خير خلف لخير سلف" فيما يخص هذه الخطة)، وبينت أن الفرنسة لا تكفي في إصلاح تعليم يعاني من مطبات عديدة.
 
وأنا أستغرب في منطق السيد عزيمان شيأين أساسيين (علاوة على ما أؤاخذه على كثير من سمات عدم الانسجام في خطته): الشيء الأول هو وصف التعبير عن رفض مشروعه الفرنكوفوني الأحادي بأنه "أيديولوجي"، والشيء الثاني هو وصف مشروعه بأنه مشروع "التقدم والتحديث"، مقابل مشروع غيره "المتخلف الرجعي". وأنا لا أريد التفيهق والتعمق في مفهوم "الأيديولوجيا"، ولكن الموضوعية تقتضي بأن نسلم جميعا بأن كل مشروع له أيديولوجيته. وإذا كان المقصود هنا هو أن المشروع المضاد موغل في الأيديولوجيا، وليس له محتوى موضوعي، فبالله عليكم اشرحوا ما هو الأكثر أيديولوجية، هل هو المشروع الفرنكوفوني الأحادي، أم المشروع الذي يقر بالتعددية، وبضرورة مراعاة فرص اللغة الوطنية (العربية)، واللغة العالمية (الإنجليزية)، واللغة الأجنبية الأكثر استعمالا في المغرب (الفرنسية)، في تدريس العلوم، الخ؟ إن حجج المفرنسين الأحاديين موغلة في الاستهتار بعقول المغاربة، حين تقدم الفرنسية بأنها لغة العلم التي تتيح الفرص، وغير ذلك من الأساطير، التي لا يمكن أن يقبلها أي عقل سليم. ولا يُفْهم هذا التطرف في "الفَرْنكة"، التي لا نجده في فرنسا نفسها، وهي التي انفتحت على لغة شكسبير (بل بالغت في انفتاحها). ثم أين هي "الرؤية" التي يتحدث عنها في كل هذا؟ فإذا كان المغرب يتوق إلى أن يصبح بلدا تعدديا في لغاته الأجنبية، فأين التعدد في كل هذا؟ وأين التناوب اللغوي" في تعليم سيكون أحاديا؟ هل الفرنسية "تتناوب" مع نفسها في تدريس العلوم؟
ثم أين "العصرية" و"التحديث" في كل هذا؟ لا نعرف دولة عصرية نبذت لغتها، وحكمت عليها قطعيا بأنها غير صالحة لشيء. ليس المدافعون عن اللغة الوطنية من طيف سياسي واحد. وفيهم الكثير من المجددين والحداثيين والتعددين والفلاسفة والعلماء. أليس إلصاق تهم رخيصة بالعربية قمة الإيغال في الأيديولوجيا؟ ثم أين دور الإنجليزية المعترف به دوليا في تحديث وتدويل تدريس المضامين؟، إلخ.
وأخيرا، وليس آخرا، فإني وصفت مجلس التعليم بأنه بجوج طرابش وثلاثة د ماطيشات. فرئيسه له مهمتان. واحدة هي رئاسة مجلس دستوري استشاري، وبهذه الصفة كان عليه أن يلازم الحياد، وألا يضغط من أجل استصدار قوانين لم يقتنع بها أحد، خاصة وأننا أمام نصوص غامضة لا يفهمها حتى من كتبوها (فيما يخيل إلي). والمهمة الثانية هي أنه مستشار جلالة الملك، وهذه الصفة تجعل 'خرجاته' ملتبسة. فأنا من الذين يفضلون أن يكون لرؤساء هذه المجالس طربوش واحد، حفاظا على مبدأ فصل السلط في الدولة العصرية. وأما الماطيشات الثلاث التي يثقل بها المجلس المسكين كاهله، فهي الممثلون لثلاث أيديولوجيات تؤطر المجلس: أيديولوجية كبرى هي الفرنكوفونية، وأيديولوجيتين 'أرنبيتين' صغيرتين هما الأمزوغية النزاعية والدارجوفونية غير المنتجة (ولا أقصد "المزوغة" التي هي ملك لجميع المغاربة سواء). ونسأل الله أن يهدينا إلى الرشد في إيجاد النموذج التنموي  الفناجع الذي سيرقى بالعباد والبلاد، واسألوا فيتنام ورواندا، من بين الصاعدين، كيف رسموا سياستهم اللغوية الجديدة. فلعل بعد العتمة الضوء.