كلّ الإيديولوجيات تولد فكرة، فإمّا أن تموت، وإمّا أن تحيا وتتطوّر، ثم تتغوّل فتسود. وقد ولدت أحزاب اليمين المتطرّف كلّها من رحم الأزمات، والنكبات والمصائب. لكن الذي جدّد فيها الدّماء، هو الفراغ الكبير والمهول، الذي خلّفه تقاعسنا وتخاذلنا وتباطؤنا. لقد شاهدنا بأمّهات أعيننا نتائج الانتخابات الأوروبيّة، حين تحركنا وشاركنا بفاعليّة، وها هي النتائج تؤكد من جديد ما نقول في هذا الاستحقاق الدنمركي الجديد.
وهو ما يبدو واضحا أمامنا كحالة الحزب اليمينيّ الشعبيّ المتطرف DF، الذي قض مضاجعنا لسنين، والذي كان قد حصد 21% من الأصوات في انتخابات 2015، ليصبح الحزب الثاني بعد السوسيال ديمقراطي A، بينما تراجع بحمد الله، بل انحسر إلى حد كبير اليوم، حيث فقد 21 مقعدا من أصل 37 مقعدا في البرلمان، ليصبح بـ: 16 كرسيّ فقط. فقد شعبية وبريقه بهذا التراجع المهول والسقوط الدوي. فيما أسقط مشروع stramme kurs كذلك، الحزب النازيّ الناشئ حديثا، على يد منظّره العنصريّ النازيّ "راسموس بالودان"، الذي دعا بكل وقاحة وإجرام وتجبّر، إلى ترحيل كلّ المسلمين، بل إلى إبادتهم على بكرة أبيهم.
وهنا نلمس بوضوح جليّ، أهميّة المشاركة والتنسيق بين الأحزاب المعتدلة والجاليات الإسلاميّة والأجانب بشكل عام، لإسقاط مشروع النازيّين الجدد وأحزاب اليمين المتطرّف، في ربوع المملكة الدنمركيّة وباقي الدول الأوروبيّة.
والسؤال المفصليّ هو التالي: هل تكون هذه النّتائج دافعا كي نظلّ باستمرار متيقّظين، مراقبين لما يدور حولنا، نشارك بفاعليّة فيما يكون سببا لدفع الأذى عنّا؛ أم أنّا سنركن من جديد إلى اللّامبالاة ونجنح إلى الانعزال من جديد!؟ كان المسلمون الأوائل، إذا ما انقضى رمضان ظلّوا بعده ستّة أشهر يسألون الله المغفرة والقبول، ثمّ انطلقوا قبل ستّة أشهر يدعون ربّهم أن يبلّغهم رمضان. كانوا متعلّقين بما يصلحهم وشأنهم ومحيطهم. ولو اتعظنا لظللنا بعد صحوتنا هذه منتبهين متحوّطين، ولوجب علينا أن نبدأ في التحضير وإعداد العدّة للانتخابات المقبلة المنتظرة بحلول عام 2023 منذ اللحظة، حتى نتجنّب المفاجآت غير السارّة، وحتّى لا نقع في أزمات ونكبات ومصائب يصنعها انشغالنا عن واقعٍ، عملت فيه الأحزاب العنصرية المتطرفة، التي رأتنا مجرّد حشرات وطفيليات، على "هرسلتنا" ومضايقنا وإبادتنا دون رحمة!.. علينا بالحركة وملء أوقاتنا بما يعود بالنّفع علينا في بلد أصبحنا جزء لا يتجزأ منه، فإنّ الطبيعة لا تقبل الفراغ، كما خلّد أهل التجربة... والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.