الخميس 25 إبريل 2024
اقتصاد

المتوكل: في الحاجة إلى صندوق الزكاة والصدقات من أجل تضامن وتماسك اجتماعي مؤسساتي

المتوكل: في الحاجة إلى صندوق الزكاة والصدقات من أجل تضامن وتماسك اجتماعي مؤسساتي مصطفى المتوكل الساحلي

مع اقتراب مناسبة عيد الفطر يستعد أكثر من 36 مليون مغربي "لإخراج" زكاة الفطر، والتي تقدر ماليا ب 13,00 درهم لكل فرد، أي أن المغاربة "سيخرجون" الملايير بين عشية وضحاها. لإعادة إنتاج نفس مظاهر الفقر، وترسيخ ظاهرة التسول والاستجداء.

في هذا السياق طرحت جريدة " أنفاس بريس"، على الأستاذ مصطفى المتوكل الساحلي سؤال: ( لماذا لا يتم خلق حساب خصوصي بالخزينة ترصد فيه أموال زكاة الفطر لإحداث استثمارات تستهدف محاربة الفقر والهشاشة ، وخلق مناصب شغل؟ ألا تحتاج هذه الأموال الطائلة إلى الاستثمار بطريقة مفيدة تنعكس على واقع الفقراء على جميع المستويات الاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية ؟

ـ احتراف التسول أضحى مظهرا وسلوكا اجتماعيا هيكليا في المجتمع.

الزكاة ركن من أركان الإسلام لا تسقط عن المعني بها حتى بعد وفاته وتستخرج من تركته. ولا يستفيد منها إلا من حددهم الشارع أو من هو في مثل حكمهم. أما الصدقة فهي اختيارية وتطوعية وباب تفعيلها غير محدد لا بعدد أو نصاب أو حول أو زمان أو سقف معين.

قال تعالى : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " سورة التوبة. وقال تعالى : " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " .

فما هدف الدين من إقرارها كركن؟ وهل هي عملية حسابية شكلية بسيطة لاستخراج قدر معلوم من مال معلوم أو كل ما تجب فيه الزكاة ؟ أم أنها فلسفة/حكمة إنسانية اقتصادية للحد من الفوارق الطبقية ومنع كل أشكال الاستغلال؟ وهل هي أمر فردي أم سياسة اقتصادية ومالية للأمة يقوم المعنيون باستخراجها كل حسب فهمه ورغبته وطريقته ؟ وهل إخراجها بكل أنواعها بالطرق التقليدية المتعارف عليها مازالت تحقق القصد الشرعي على أحسن وأفضل وجه ؟

أليس من الأمثل والأفيد أن يفكر العقلاء، ويجتهد الأئمة العاملون، وتعمل الدولة والمجتمع من أجل أن تسترجع روحها وآدابها وأهدافها النبيلة الرامية إلى جعل المحتاج لا يشعر بالفاقة والخصاص والفقر المدقع ليس في أيام العيد أو بعد أي عطاء خاصة، بل كل أيام السنة عامة ؟

قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا). سورة التوبة.

إننا هنا نتحدث في إطار شامل، ولا نقصد فقط زكاة الفطر، بل كل الحقوق الشرعية على الأموال والركاز والمعادن أوالغلال أوالأنعام، الواجبة والمسنونة التي أصبحت تشكل وتمثل حجما ماليا كبيرا لا يستهان به، والتي يتم التعامل معه بوعي أو بدونه بطريقة لا تتماهى بالشكل الفعال مع المقصد الشرعي الذي يسعى إلى القضاء على الفقر بتيسير أوضاع الفقراء والرفع من قدراتهم ليستغنوا عن السعاية والاستجداء لدرجة تمس أحيانا بكرامتهم، أو يتحولون إلى سلع وأدوات توظف من طرف البعض في الانتخابات، والتطرف بكل تجلياته، و الانحراف بكل أنواعه، أو يستغلون بالمتزايديين بالدين لتوظيفهم كأتباع مطيعين يوهمونهم بأنهم يحصلون على رضا الرب بطاعة الذين يقدمون أنفسهم كوسطاء يمتلكون قدرة متوهمة لإدخال الناس للجنة أو النار، والذين ترتب على سلوكات جماعات مشبعة بالشحنات التكفيرية في العديد من الدول والمجتمعات التفريق بين الأزواج، والأبناء ووالديهم وبين الأسر، وبين مكونات المجتمع الواحد، وزرع الحقد والكراهية، وتدمير حضارات دامت لمئات القرون، وسفك الدماء وتفكيك الدول وإضعافها و… يبتغون بذلك التحكم في البشر والعقول، واحتكار الدين وخوصصته لفائدتهم ومن ثم حكم الشعب بالسيطرة على الدولة، و تحويل الترهيب والإرهاب من عمل مجموعات ومنظمات إلى إرهاب للدولة، والتاريخ مليء بأمثلة كانت كارثية على كل المستويات ..

ـ حان الوقت لإدماج الفقراء في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بدل توسيع وتركيز العجز لديهم.

إن طرح هذه التساؤلات والأفكار كرسالة إلى كل من يهمهم الأمر ببلدنا وعلى رأسهم الدولة بمؤسساتها ليفكروا عمليا وتطبيقيا في الموضوع الذي يعتبر مشروعا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا، سيساهم ولاشك في الحد من الفوارق الطبقية وسيلغي المظاهر المشينة المتجلية في احتراف السعاية بكل الأساليب المسكوت عنها ولو أنها مسيئة للجميع مظهرا و سلوكا اجتماعيا أصبح شبه هيكلي في المنظومة المجتمعية ..

إن "حرفة" التسول تسببت في ظهور لوبيات متخصصة في تكوين جماعات ممتهنة لسلوك غير مقبول لا عقلا ولا شرعا ولا حقوقيا في القرن 21 ، تمارس استعبادا وابتزازا بشعا مهينا للإنسانية ولكل من سقط في مصيدتهم الإسترقاقية أو اضطر لذلك أو تعمده . حيث يستغل الأطفال وذووا الاحتياجات الخاصة والعجزة و..

إن للتسول مظاهر مختلفة يقدم بها نفسه استجداء للصدقات ، من البحث عن مبالغ مالية لشراء الأدوية إلى عدم القدرة على أداء فاتورة الماء أو الحافلة للعودة إلى بلد الإقامة، إلى التخفي وراء بيع المناديل الورقية بالمدارات، إلى الاختفاء وراء ادعاء دعم أسر فقيرة وهمية ... ولم يسلم أي فضاء أو إنسان منهم أمام المساجد والمحلات التجارية والأسواق وبمحيط المستشفياتلهذا تحضر بقوة هذه الظاهرة السلبية في بعدها الاقتصادي والاجتماعي والتي لا يقبل بها الجميع، حيث عمد الشرع في التعامل معها إلى الكراهة و المنع و التحريم، كما عمد المشرع الوضعي إلى تخصيص بعض المواد تمنع وتعاقب عليها ... كما أصبح الناس لا يستطيعون بين الفقير والمنتحلين للفقر .

قال النبي (ص) في هذا الباب : " إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، ورجل أصابته فاقة فقال ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش. "

وقال أبو حامد الغزالي في  إحياء علوم الدين  :" الأصل في السؤال التحريم لثلاثة أسباب :

ـ الأول : شكوى الله على الخلق : إذ إن السؤال إظهار للفقر ، وإن نعمة الله قصرت عنه ، وذلك عين الشكوى . ـ الثاني : أن السائل يذل نفسه لغير الله تعالى ، وليس للمسلم أن يذل نفسه إلا لله ، وفي السؤال ذل للسائل ، بالإضافة إلى إيذاء المسؤول . ـ الثالث : في السؤال إحراج للمسئول وإيذاء له ، فهو إما أن يعطيه حياءً أو رياءً ، وبهذا يحرم على الآخذ والمعطي "

إن الدعوة بكل مسؤولية ووضوح أمر بالغ الأهمية من أجل إحداث صندوق وطني للزكاة والتضامن كمؤسسة يعهد بإدارتها وتثمينها إلى ممثلين للدولة وعلماء ورجال أعمال واقتصاديين ومجتمع مدني تحت مراقبة وإشراف ورعاية مؤسسة إمارة المؤمنين. وأن تكون مستقلة عن العمل الحكومي، وتخضع للرقابة الإدارية والمالية لمؤسسات الدولة المتخصصة، من أجل توظيفها في برامج تنموية واستثمارية ذات صلة بمحاربة الفقر بخلق مشاريع وشركات صغرى ومتوسطة موجهة ومجتهدة تعمل من أجل إدماج الفقراء في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بدل توسيع وتركيز العجز لديهم. بما في ذلك إحداث قنوات للتكامل والتآزر بين الجهات والأقاليم والجماعات. وهذا يتطلب بطبيعة الحال تدقيق الإحصاء الرسمي لتحديد الأشخاص المعنيين بالدعم الكامل أو المحتاجين لدعم تكميلي أو لدعم مع رعاية إنسانية واجتماعية ونفسية أو لتكفل كامل مادي ومعنوي ورعاية صحية واجتماعية “مثلا العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة “... وهذا لن يتم إلا بسن تشريعات وضوابط علمية تأخذ بعين الاعتبار عدد أفراد الأسرة ومعطيات ذات صلة بأوضاعهم تحدد انطلاقا من معطيات إحصائية دقيقة، تحدث وتقر للمعنيين والمعنيات الاستفادة من عائدات الزكاة والصدقات "بحوالات" شهرية أو دورية تحول إلى حسابات خاصة تفتح لفائدتهم.

فلو قمنا بحساب كل مصادر الزكاة بكل أنواعها وكل أشكال الإحسان والصدقات، وكل أنواع الدعم الموجهة للمعوزين بما يبرمج في ميزانيات الجماعات التربية المحلية والإقليمية والجهوية والقطاعات الحكومية للقطع مع التسييس الحزبي لأوجه الإحسان ، مع استصدار بطاقات تذكارية و طوابع بريدية مختلفة الثمن من درهم فما فوق تقتنى من المؤسسات المالية المختلفة وكل من ترى الدولة مصلحة في تفعيل هذه المبادرة الشرعية الأخلاقية والإنسانية فستكون لدينا ثروة مهمة متنامية صافية لا رياء فيها ولا سمعة ولا ابتزاز ولا استغلال من أي نوع كان، إنها ستؤسس لمجتمع متماسك يسند بعضه بعضا، ويكون مضمون الحديث الشريف محققا على الوجه الأفضل : " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا "، وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ـ  وقوله (ص): " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى".

إننا نستطيع أن نصل بحول الله بالخبرات المتوفرة ببلادنا كما حصل في زمن العمرين رضوان الله عليهما إلى مرحلة لا نجد فيها من هو في حاجة لمد اليد لمن هب ودب من البشر، لاستجداء الحصول على دريهمات أو ما فضل من الطعام والألبسة .

قال الرسول الكريم (ص): (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) أخرجه الترمذي.