الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

محمد اكويندي يكتب عن "حين تكلم البحر" للقاص حسن برما

محمد اكويندي يكتب عن "حين تكلم البحر" للقاص حسن برما القاص حسن برما، و في إطار الصورة مؤلفه
صدر للقاص والروائي حسن برما، أضمومة قصصية جديدة، عن دار سليكي أخوين، في طبعتها الأولى لسنة (2019). 
اجترح لها عنوانا دالا (حين تكلم البحر) وتضم بين طياتها، ثلاثة وعشرون نصا. هي كالآتي: (سهم القوس، تلك الحسناء، أضغاث غياب، عناوين ساقطة، حياة، قليل من التفاصيل ، حين تكلم البحر، السهل والجبل، خيبات عشيرة وظلال، قمر ونجمتان، في الغابة ضاعت الأسماء، عشيرة الزنزانة، ثلجيات، اعترافات مرآة، رعشة العناد، قبلة النجاة، مرثية لشدو اليمام، تيه موعود، أفعى السراب، كهف الأحقاد، بحر الظلمات  آيات الرحلة الأخيرة، دون عنوان.)
في مستهل هذه الأضمومة،التي تبدأ بقصة "سهم القوس"و تليها باقي القصص الأخرى. نعم، لقد  تم إختيارها عن قصد ،في مقدمة الترتيب دون  باقي القصص الأخرى، والتي جاءت، ك" بيان كتابي"، أو إدانة صريحة، عن  ظاهرة  نكوص الكتابة الابداعية، وضمور مواهب فذة،في مجالي الإبداع : القصة، والشعر، وكذلك تلك التي تزعم لنفسها الكمال و الريادة، إلى حد التنظير في الكتابة الإبداعية، في المجالين،من طرف أصحابها!
نعم، هذه الإدانة،أو الصرخة،في وجه المألوف والسائدة،والتي تدين بدون مواربة،على حد تعبير لسان كاتبها الضمني : 
" يتجاهل لغو التعابير الجاهزة ويبقى عنيدا شقيا محاربا لحقارات الإنشاءات الاستخباراتية الركيكة المشاع.." في هذه الصرخة نجد الكاتب تنازعه روحان،روح الشاعر، وروح القاص معا، يتظافران  في تشييد بناء النص/ الصرخة،بل في صرح هذه الأضمومة ككل، ورغم بوح الكاتب العالي جدا،  نستشف منه صوتان، صوت الشاعر ، و صوت القاص، لنستمع لهذا المقتطف:"  والحق يقال،الشاعر والقاص وجهان  لعملة واحدة،يتعايشان في نفس الحيز ولايلتقيان،الأول يطاوع جنون الفكرة، يصارع متاهات الكلام، يسبح في بحر البوح المتلاطم الأمواج والفضح الغاضب، والثاني يطارد جُرح الفكرة، يرصد أضغاث الأحلام، والانشاءات الاستخباراتية الركيكة المشاع.
ولاغرابة في الأمر،يسرق القاص من يومياته "العصرية"  نعيقا بشعا وسربا من غربان السواد الموروث،يطوف بين القبائل،يتباهى بما يكتبه المريدون والمريدات، ودون حياء ،ينبح ويُنظّر لمخاض الكتابة والأساليب " الناجحة"المؤثرة في الحضور المصدوم." 
هذا الرصد المؤجل، لهذه الصرخة، يضمره عنوان المجموعة، (حين تكلم البحر) نعم، نجد "حين"في اللغة،هي : وقتٌ من الدهر المبهم، طال أو قصر، وهو مايكشف عنه طي الكتاب، منذ سنة 2001، لم ينشر الكاتب  شيئا، إلى حدود نشر هذه الأضمومة، سنة 2019، هذا ما تضمره ( حين)  والتي تفيد سنين أو بضعة أشهر، أو أسابيع،إلخ
.تكلم البحر، وهو فعل إنساني تم إسقاطه على البحر،لأن الكلام فعل إنساني، وفي عنوان القصة الإدانة، نجد ما يفيد في الإستغراب  كالظاهرة المرصودة، والمتصدي ، لها بكلمة ( سهم) ونعني بذلك ( سهم ) زينون الإيلي، في تعجيزه لقياس المسافات! كظاهرة، شغلت الكثير من المفكرين والفلاسفة، بأن البطيء يسبق السريع، هذا البطء المتجلي في التريت الإبداعي، المومأ له في (حين) وللسهم قرينة رمزية أخرى، الذي أطلقه الكاتب  ليصيب به مقتل الظاهرة،في مفصلها، تبقى هذه الصرخة/ النصوص، قابلة لقراءات وتأويلات أخرى، مع تساؤلات، تطرح نفسها بإلحاح ،داخل هذا السياق الثقافي العام في انحداره ، هل هو ظاهرة مقصودة في حد ذاتها، أم هو ظاهرة عفوية وطبيعية تنطوي في داخلها على  فوران وحماس الشباب في حب الظهور، وتحقيق الذات؟ 
أكيد، أن مثل هذه الظواهر صحية،تكون في كل مجتمعات الدنيا، مع تفاوتها ، من مجتمع لآخر، بحيث الكل يريد أن يعبر عن لواعجه وأوجاعه، وأماله وأحلامه. في شتى المجالات .
وإن كان لكل فن ضوابطه وخصائصه،التي تحققه و تسمو به إلى مصاف الإبداع الحق و الأصيل.