الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

المكي ناشيد: وزارة الشباب والرياضة والإصلاح المأزوم

المكي ناشيد: وزارة الشباب والرياضة والإصلاح المأزوم المكي ناشيد

تزامنا مع ما تعرفه المنظومة التعليمية من دينامية في الإصلاح، بل وفي نفس السياق الزمني كانت وزارة الشبيبة والرياضة قد انخرطت في مناقشة إشكالية العمل التربوي في علاقة بفضاءات الوقت الحر ضمن فعاليات المنتدى الوطني للتخييم الذي نظمته الوزارة بتاريخ 18ـ19 دجنبر 2008 بالمركز الدولي محمد السادس للمؤتمرات بالصخيرات.

وقد تم تصدير الوثيقة المرجعية التي خلص إليها المنتدى بالسؤال التالي، المنتدى الوطني للتخييم، "أية استراتيجية وطنية في أفق عام 2020 ؟"( )؛ قضايا للنقاش. و كان من أبرز القضايا التي اقترحت للتداول تحت أنظار المشاركين في المنتدى، هي تلك التي يمكن تلخيص مضامينها في التالي .
ــ تسجل الوثيقة المرجعية للمنتدى مع مدخل بداياتها، أن "المغرب منخرط في ورش التأهيل والإصلاح والتحديث من أجل تحقيق المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي" ( ) وكأن المشاركين في إعدادها يريدون من هذه الوثيقة أن تشكل من جهة، إعلانا بتبني قدر من التكامل والانسجام في المبادئ والأهداف مع روح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،أي؛ التكامل والانسجام بين المؤسسات التربوية الرسمية. وأن تكون من جهة أخرى، أداة للتنبيه إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار" التحديات المطروحة أمام الفاعلين في حقل التربية والتكوين في ظل العولمة والتطور التكنولوجي وما يترتب عن ذلك من أثر عميق على منظومة القيم والعلاقات بين البشر"

وقد اعتمد في منهجية عمل المنتدى على مقاربة تشاركية واسعة عملت على إطلاق نقاش وطني عمومي شارك فيه مختلف المعنيين بموضوع التربية والتعليم، من مهنيين ومثقفين وأساتذة جامعيين من ذوي الاختصاص وخبراء ومتدخلين من بين مكونات المجتمع المدني. وقد تم كل ذلك من خلال تنظيم منتديات إقليمية بلغ عددها 61 لقاء إقليميا، وثلاثة لقاءات كبرى جمعت بين قطاعات عمومية وخاصة وشخصيات مرجعية ومنظمات معنية من المجتمع المدني ، وبذلك وصل العدد الإجمالي للمشاركين إلى 4387 مشاركة ومشارك.

ومن بين الإكراهات التي تم الوقوف عليها من خلال أشغال المنتدى نكتفي بتسجيل؛
ــ على مستوى القوانين؛ أن الوزارة الوصية على القطاع لا تمتلك استراتيجية واضحة في مجال أنشطة العطل والترفيه الموجهة للأطفال. فالترسانة القانونية تعاني من فقر في النصوص القانونية المؤطرة، ومن بين ما تتوفر عليه من نصوص فإن تاريخها يعود إلى سنوات 1941،1942،1952، 1957.( ). ونتيجة لذلك، فليس للوزارة إلى اليوم آليات قانونية تعزز دورها في مراقبة وتتبع مختلف المخيمات التي تنظمها المؤسسات العمومية والقطاع الخاص.

ـ على المستوى التربوي؛ تم تسجيل أن برامج تكوين الأطر التربوية لا تتلاءم مع المستجدات التربوية والإدارية الطارئة في مجال أنشطة العطل والترفيه لفائدة الأطفال. وأن المضامين التربوية والمناهج البيداغوجية المطبقة بالمخيمات لا تواكب الاحتياجات التربوية المتجددة ومتطلبات النمو النفسي لدى الفئات المستفيدة من الأطفال. ومن ذلك أنه تم الوقوف على ضعف مساهمة الأطفال وإشراكهم في وضع البرامج التربوية للمخيم، مع تسجيل عدم مواكبة الموارد المالية لطبيعة واحتياجات المهام التربوية والتأطيرية لأنشطة العطل والترفيه بالمخيمات الصيفية بشكل عام.

ومن أجل تجاوزأوالتخفيف، على الأقل، من هذه الإختلالات وتصحيح الأعطاب التي تم تشخيصها وتحديد طبيعتها في مجال العمل التربوي بالمخيمات الصيفية وأنشطة العطل والترفيه الموجهة لفائدة الأطفال. فإن الوثيقة المرجعية للمنتدى قد سطرت رؤية تستند من خلالها على ضمان حق جميع الأطفال في أنشطة العطل والترفيه وجعلها إحدى الدعامات الأساسية المكونة للمنظومة التربوية في ارتباط وتكامل بين مختلف عوامل التربية الأساسية بالمجتمع المغربي.

وتحقيقا لذلك المسعى، اتجهت نتائج الاشتغال على محاورالمنتدى إلى التشديد على مجموعة من الخلاصات التي ينبغي اعتمادها في أفق تقريرها بصفة رسمية، وتنزيل دعاماتها على أرضية الواقع العملي. ونسجل من بين تلك الخلاصات، أنه ينبغي العمل على؛

ـ ضمان حق جميع الأطفال في الاستفادة من أنشطة العطل والترفيه، بالشكل الذي يجعل هذه الأنشطة تستقطب أكبر عدد ممكن من الأطفال مع توسيع قاعدة المشاركين. وهو ما يتطلب استجابة لذلك، ضرورة الرفع من ميزانية التجهيز والتمويل لتغطية التكاليف، مع مراعاة الحاجة إلى الرفع من عدد المؤطرين، وتوسيع شبكة المراكز على المستوى الوطني.

ـ أن تصبح مراكز العطل والترفيه فضاء لممارسة وتكريس مبادئ حقوق الطفل. ومجالا للتربية على المواطنة والانفتاح على القيم الإنسانية الكونية والمشتركة. وهو ما يجعل من هذه المراكز دعامة من الدعامات الأساسية لمنظومة التربية والتكوين بما هي عليه على مستوى التعليم العمومي بمدارسنا الوطنية. ولتحقيق كل ذلك تقترح خلاصات المنتدى مجموعة من الأفكار نقتطف منها ما يلي؛
ـ ينبغي العمل على تحديث المنهاج التربوي، وتوحيد مضامين البرامج وتجديد محتوياتها حتى تكون منفتحة على العصر، ومستلهمة للقيم الإنسانية المشتركة والخصوصيات الحضارية والثقافية لبلادنا. وموازاة مع ذلك ينبغي تطوير المناهج البيداغوجية بما يجعلها تنفتح على مشاركة الطفل في أنشطة العطل والترفيه، مع ضرورة توفير الوسائل والأدوات والتجهيزات البيداغوجية المواتية للمضامين التربوية المعتمدة.

ـ للحد من بعض مظاهر التسيب، ينبغي وضع قانون تأطيري للمخيمات الصيفية تتمكن الوزارة الوصية بمقتضاه من امتلاك الحق في متابعة ومراقبة السير العام داخل المخيمات الصيفية، وإمكانية التدخل لضبط المخالفات وتحديد المسؤوليات وإنزال العقوبات الزجرية على المخالفين متى تطلب الأمر ذلك.
ـ ينبغي العمل على وضع استراتيجية تربوية تنفتح على مختلف الأطراف المشاركة في الشأن التربوي والتعليمي عملا على توحيد التصورات والرؤى وتقريب الأفكار وتوضيح الأهداف المشتركة بينهم، وذلك سعيا وراء تحقيق قدر من التكامل والتقارب والانسجام بغرض التخفيف من تلك الآثار السلبية السائدة في العمل التربوي نتيجة لما هو سائد بين المؤسسات التربوية وعواملها المختلفة من تعارض وتضارب مضر بالعمل، وناسف لأي مجهود إصلاحي للقطاع من أي طرف أو جهة كانت.
على أنه إذا ما شكلت هده الوثيقة المرجعية للمنتدى الوطني للمخيمات الصيفية مرتكزا مرجعيا يؤسس للعمل على إرساء التصور العام لبداية إعلان المنتدى عن منطلقاته، عن أهدافه القريبة ومراميه البعيدة. فأنه وعلى الرغم من كل ذلك المجهود الذي بذل، والأموال التي رصدت، والنتائج التي تجمعت، وما تلا ذلك من طموح إلى التجديد، وتطلع إلى التغيير... فقد تم إجهاض بل وطمس نتائج كل ذلك العمل، وذلك بدفن معالمه في المهد، والرمي بنتائجه وخلاصاته داخل أدراج الرفوف، ليتم إخفاؤها هناك فتبقى نسيا منسيا. وتبقى الأمور في العمل التربوي على حالها من التأرجح والتذبذب والدوران حول نفسها دون أفق واضح تطمح إلى تحقيقه .

والملاحظة المتفحصة لمجريات المحاولات الإصلاحية لقطاعين تربويين أساسيين، هما وزارة التربية الوطنية، ووزارة الشباب والرياضة، توضح لنا بما لا يدع أي مجال للشك، أنهما معا يشتركان في نفس الأفكار التي تتحكم في التصور الذي يتجه في رؤاه وأفكاره من العمل المؤسساتي الجماعي المشترك، (الميثاق الوطني للتربية والتعليم، المنتدى الوطني للتخييم)، إلى العمل الذي تتمركز نتائجه حول الأشخاص وهو المتمثل في توالي الوزراء حيث يترك كل واحد منهم بصمته الخاصة قبل أن ينسحب تاركا المقعد لغيره، وهكذا دواليك. وبذلك انحسرت نتائج إصلاح المنظومة التربوية في القطاعين معا، ومرة أخرى، ضمن متاهة التفكيك والتجزيء والتشييء والشخصنة .