الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الكريم لمباركي: قلق الموت والوعي بها

عبد الكريم لمباركي: قلق الموت والوعي بها عبد الكريم لمباركي
إن الفلسفة في القرن الماضي تميزت بطابع التركيز حول فاعلية الذات الإنسانية، فقد قامت بقفزة كبيرة على صعيد الأنطولوجيا البشرية، فكانت النتيجة هي إعطاء الإنسان إرتقاء كبير على باقي الكائنات الحية، فهو لم يعد سيدا على الطبيعة لأنه مفكرا فحسب، كما أتبث ذلك التصور الديكارتي، إذ أخص الإنسان وحده بمفهوم النفس لكونه الكائن الوحيد الذي يفكر، وهذا التصور كان بمثابة هجمة قوية على الصرح الأرسطي، وتصره لمفهوم النفس، بل أضحى يحتل إلى حد كبير مكانة الإله الوثني الجوهري،كما إشتهر في عهد الأساطير.
وضمن هذا السياق ,وبإعتبار الذات الإنسانية ذاتا أخلاقية كان لابد لها ,بل من البديهي أن تحتل مكان الواجهة في أولويات التفكير الفلسفي وبحثه.فأصبح الإنسان مشرعا في الأرض ,مقابل الإله الذي يحكم الكون ,هذا ما أذى بالكائن البشري إلى أن يغدو لغزا لا بد من صبر أغواره.
وفي خضم صراعات ومتاهات هذا العصر,وقفت الفلسفة كعادتها متأملة في الذات الإنسانية محاولة التغلغل في دواخلها لتعرف حدة معاناتها، ومدى تصديقها بعدم جدوى الحياة وعبتيثها ,وفي أعماق هذه الأنطولوجيا،أصبح الموت جحيم يفور باليأس، ويفعل مفعوله بالذات الإنسانية,مما جعل الحلم بالحياة مستحيلا، وأضحى الإنسان مرهون بفكرة الإنتهاء والخلاص في كل لحظة.
وهنا نلاحظ أن الموت يقترن بالحرية وهذه الأخيرة مليئة بالخوف والقلق، وهنا يحضرني قول الفيلسوف "مارتن هايدغر"[إن الموت هو الإمكان الوحيد ]والإمكان حسب "هيدغر "هو ضرب من الوجود يستطيع الإنسان أن يختاره وأن يسقط فيه ذاته، وأغلب الظن أن المرء في حالة الإنتحار يختار الموت بوصفه إمكانا يمكن أن يتحقق.
وفعل الإنتحار حسب الفيلسوف "جون بول سارتر "ذاته ،أن من يقوم به ظنا منه أنه منتهى الحياة، ذلك لكون فعل الإنتحار هو فعل صادر من الذات ,وكل ما هو فعل يتجسد معناه في المستقبل، وهذا الأخير حسب سارتر هو الذي يضفي على الإنتحار دلالة.يقول "إن الإنتحار شيء منتفي المعنى لأنه يمنع المستقبل، والمستقبل وحده هو الذي يضفي على الحياتي ومساري معناها".
إذن فالموت أصبح يشكل قلق وجودي بالنسبة للإنسان، وذلك يتجسد في كيفية إدراك الوجود البشري، فإذا كانت طبيعة الوجود البشري هي أن يخرج من وجوده الراهن إلى وجود أخر إذ يكون كل وهلة غير مكتمل، ويبحث في طريقه إلى وجود جديد ,وبالتالي إمكان جديد، ألا يستحيل في مثل هذه الحالة أن نرى الإنسان في شموليته ألا يمكن القول بأن الموت هو يجعل من الوجود البشري منظورا إليه في شموليته لأنه يجعله محدودا؟
إن الموت هي التي تجعل من الموجود البشري منتهيا ,إذ يصير عدما ,اي انه لا يحضى بوجود جديد ,وهذا ما يجعل من الوجود البشري مستحيل الإدراك.
ومن هذا المنطلق حاولت الفلسفة الوجودية أن تجعلنا نعي بالموت كواقعة بإمكاننا ملاحظتها ,بكونها الإنقطاع العنيف مع الحياة,إلى الوعي الداخلي للموجود البشري بأن وجوده يقترب من الموت خطوة تلو الأخرى ,ومن اليقين أن يستشعر بالموت، هذا الإحساس يتضح له بصورة حتمية في "وجدانية القلق".فالقلق حيال الموت ,هو القلق إزاء امكانيات الذات التي تجردت من كل علاقة ,واصبحت نجاتها مستحيلة ,وبهذا فإن القلق من الموت هو احساس وجداني وليس بضعف.