الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد شخمان: منع مؤتمر الجبهة العربية التقدمية بطنجة ساهم في عرقلة المد التقدمي

محمد شخمان: منع مؤتمر الجبهة العربية التقدمية بطنجة ساهم في عرقلة المد التقدمي محمد شخمان

 ذات زمن في 20 فبراير 2011 كان المغرب على صفيح ساخن، و كان الشارع العربي مشتعلا، جل الأنظمة العربية يومها تعاملت بالحديد والنار مع تظاهرات الشارع السلمية، و كانت النتائج متفاوتة حسب الأقطار، ففي الخليج انتصرت السلطة، و في مصر و تونس و ليبيا و اليمن كانت النتيجة إزالة رأس السلطة، و في دول أخرى كالجزائر و السودان و الأردن استمر الاحتقان الداخلي الذي تفجر بقوة أكثر مؤخرا.

ما العبرة ؟

 

العبرة أن الأقطارالغنية تستطيع فيها السلطة لحد الآن أن تلتف على انتفاضات شعوبها، في حين يكون مجال المناورة ضيقا في الأقطار التي لها كثافة سكانية مرتفعة  و نسيج مدني و سياسي له خبرة  تمتد لعقود.

 

بالمغرب تسرب في ما بعد أن جل التقارير التي رفعت للملك كانت تقترح حلا أمنيا غير أنه فاجأ محيطه، ووضع صقوره في الثلاجة، وخرج بخطاب 9 مارس الثوري الذي كان سيؤسس لملكية ثانية من نوع أكثر حداثة و أكثر ديموقراطية.

 

لا شك أن فرنسا نصحت صديقها المغرب نصحا سديدا، فانحنت السلطة للعاصفة، ولبت الكثير من المطالب و قامت بالعديد من الإجراءات الإيجابية، و في النهاية جاء دستور 2011 الذي كان بالنسبة للشارع نصف انتصار، وكان بالنسبة للسلطة نصف هزيمة.

 

رغبة أمريكا أن يتولى السلطة (الإسلاميون المعتدلين) تحققت، و قد لعب الداهية عبد الإله ابن كيران دوره في المرحلة . لقد منع أعضاء حزبه من المشاركة في تظاهرات 20 فبراير، استغل الظروف جيدا، و طرح حزبه كصمام أمان، لكن قايظ خدمات حزبه لتثبيت السلم الاجتماعي بوضع بصمته الرجعية على الدستور.

 

و رغم كل شيء اعتقدنا أننا وضعنا اللبنة الأولى لبناء صرح الدولة الحديثة و عشنا شهورا طويلة على إيقاع الإحساس يتبدل الأحوال، لقد أصبح للمواطن قيمة أكثر، و أصبح رجل السلطة أكثر لطفا و كياسة مع المواطن، و أصبحت الإدارة تحاول تجاوز بيروقراطيتها و عنجهيتها، غير ان دار المخزن لم ترضى بتبدل الأحوال، وسرعان ما بات يضعف صوت حمائم رجالات الدولة لحساب الصقور.

 

 مرة أخرى الذين عادوا لمواقعهم و بدؤوا يعملون على تقويض دستور 2011 اعتقادا منهم أن الحكمة و التبصر الذي تعاملت به السلطة حينها كان خطأ، و أنها لم تكن بحاجة إلى تلك التنازلات و أن  (الهيبة) يجب ان تعود لأركان السلطة.

 

فيما نعتقد نحن اليوم في اللحظات الختامية لإغلاق قوس 2011 ، والمناسبة التي جعلتني أفكر هكذا تفكير عديدة و منها :

 

- التضييق على طول خريطة الوطن على عدد من الجمعيات و الأحزاب الجادة و حرمانها من تراخيص الحياة و تراخيص النشاط و منعها من القاعات و الإعلام و الدعم.

 

- التعامل الأمني، غير الاستراتيجي و غير الحضاري مع ملف الأساتذة المتعاقدين.

عودة الاعتقال السياسي بقوة و توظيف القضاء لتوزيع الأحكام الجائرة في حق المحتجين و المخالفين.

 

- التعامل الظالم و البليد مع مشروع انعقاد مؤتمر الجبهة العربية التقدمية بطنجة.

 

الجبهة العربية التقدمية تجمع حزبي  يجمع عددا من الأحزاب التقدمية بالوطن العربي، هو تجمع نشيط يجمع أحزاب قوية و فاعلة في مجتمعاتها، و حزب الطليعة المغربي حزب نشيط و فاعل في هذه المجموعة التي هي في لحظة بناء هياكلها و انعقاد مؤتمرها التأسيسي.

فماذا كانت ستستفيد الدولة المغربية من انعقاد المؤتمر ؟ و ماذا كانت ستخسر؟ 

 

لو أعطت الخارجية المغربية تأشيرات دخول الوفود في الوقت المناسب لانعقد المؤتمر و ربحت الدولة سمعة تعطي الانطباع على أنها دولة الحقوق و الحريات و النقاش العمومي المفتوح و دولة التعددية الحزبية و البلد الحاضن للمؤتمرات الشعبية و المدنية، كما سيربح المغرب سياحيا، و حتى من ناحية الأمن السياسي المجتمعي بالمغرب و العالم العربي، سيكون المغرب قد احتضن مؤتمرا لتنظيمات تنادي بالسلمية و بالدولة المدنية و باستقرار الدول و سيادتها السياسية و الاقتصادية و الترابية، و سيحدث هذا التجمع نوع من التوازن داخل المجتمع العربي الذي اختل فيه الميزان لصالح الجماعات الأصولية و الإسلام السياسي

 

ماذا خسر المغرب ؟

 

أكد أنه ليس استثناءا في الانفتاح و الديموقراطية بالوطن العربي، و أضاف لسجله خرقا آخر من خروقات حقوق الانسان المرتبطة بحرية التنقل و التنظيم، و حرمان حساسية قوية من التعبير عن رأيها في القضايا الجيوستراتيجية على طول خريطة البلاد العربية و شمال افريقيا، وساهم في عرقلة المد التقدمي و الحداثي لتخلو الساحة للإسلام السياسي.

 

كان من ضمن القضايا الكبرى التي ستناقش في المؤتمر، قضية فلسطين و المغرب يرأس لجنة القدس و هو محاصر من قبل السعودية لتدبير هذا الملف، و قد كان حزب الطليعة الحزب المضيف سيطرح موضوع حق الشعوب و الدول في وحدة أراضيها، و بالتأكيد كان يدافع عن شرعية سيادة المغرب على أراضيه الجنوبية، كما فعل في كل المحافل الدولية التي حضرها و آخرها لبنان، و قبلها البرتغال حين وقع أربعة عشر حزبا اشتراكيا على بيان مساند لمغربية الصحراء.

 

غالبا أن الإشعاع الدولي الذي أصبح لحزب الطليعة بدأ يزعج صقور دار المخزن مع أن الحكمة و المصلحة الوطنية تقتضي العكس، و أظن أن هؤلاء الصقور يريدون سوءا بفيدرالية اليسار الديموقراطي المقبلة على الوحدة، و لا يريدون لها وحدة الأقوياء لأجل الإصلاح بل وحدة الضعفاء لتقبل الواقع كما هو، و لذلك أعتقد أنه بدأ الاشتغال عليها كما اشتغل أيام زمان على الاتحاد الاشتراكي.

 

حذاري إنكم تلعبون بالنار، فقوة الدولة من قوة أحزابها، و قوة نسيجها المدني و المجتمعي.

حذاري أن تضعوا الدولة بين كماشتي الجماعات الأصولية وطنيا و جهويا.

أن إفراغ الساحة من القوى الحية يشكل خطرا أمنيا على الدولة، و حينها لن يفيدكم أخنوش في 2021 كما لم يفدكم الياس العماري سنة 2011.

 

 عضو اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي