الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عمر بن أعمارة :حينما تصبح الكراهية آلية للقياس والجهل مستنقع للطهارة

عمر بن أعمارة :حينما تصبح الكراهية آلية للقياس والجهل مستنقع للطهارة عمر بن أعمار
هناك كلام (هدي) فائض سائب وأحسن طريقة للرد عليه هي تجاهله وإهماله، لكن حينما يتكرر ويتكرر يتحول إلى سيمفونية مزعجة وصوت نشاز، إذاك لابد من دحضه ليس لإقناع أصحابه فهذا ما لا نعتقد به، لكن لتسليط الضوء عليه وتعريته وللكشف للآخرين عن مستنقعات من السفاهة التي أصبح البعض يسبح فيها. من مزايا الحرية وأساسا حرية التعبير كونها تكشف عن مستوانا الفكري وتعري على جميع اعتقاداتنا وعقدنا. هناك عقول تصحرت ولم تعد تجود حتى بالرمال، فالقارات تزحزحت وهي لا حركة لها إلا التفكير بمنطق”أنا أكره إذن أنا موجود“.الكره لا يمكن أن يكون إلا منتوج العجز والفشل وغياب النظرة الاستشرافية والقدرة على الإبداع والاندماج في الحاضر والانفتاح على المستقبل، كأن الأقوى إيمانا هو الأكثر حقدا وكرها للآخرين المختلفين.على المرء أن يعتصر عقله كي يفهم إلى ما آلت إليه الأمور من كره وحقد، وهذا الكم الهائل من الرداءة والجهل الذي أبى أن لا ينفك منا وأبينا نحن أيضا أن لا نضع مسافة معه وأن لا نفارقه ونتعالى عليه. فما أخطر الجهل والفراغ الفكري حين نَسْعَدُ ونفتخر به ونحوله إلى سلاح لمحاربة كل ما هو علم وفن ومعرفة ونور وحينما نصبح فرسانا لحروب خاسرة ومدمرة تخاض باسم العقيدة أو الهوية والملة.
ها نحن اليوم مع بعض الأصوات الشاذة نعود إلى نفس المعزوفة، معزوفة التضليل والتجهيل ونشر الكراهية والأسئلة الفارغة الملغومة والمغلوطة التي تكشف عن مدى تخلفنا وجهلنا وحقدنا،إذ مع الاحتراق المهول الذي دمر جزء كبيرا من المعلمة الفنية التاريخية لكاتردائية فرنسا "نوتردام باريس" شاهدنا بعض الأصوات الشاذة والحاقدة تبتهج فرحا للدمار الذي أصاب الكاتدرائية، بل هناك من اعتبر فعل الاحتراق تم بأمر وانتقام رباني من الكفر والكفار.وقد لاحظنا قبل ذلك أي لحظة وفاة العالم الكبير ستيفن هوكينغ بعض الأسئلة التي تنم عن الجهل والحقد من نمط: هل ستيفن هوكينغ يستحق أن نترحم عليه أم لا ؟ هل مصيره الجنة أم جهنم ؟. بل هناك من راح بكرهه وحقده وجهله إلى أبعد ما يكون وقال:” أن ستيفن هوكينغ نفق ولم يمت”، دون أن ينتبه إلى أن هذا اللغو لا يمكن أن يصدر إلا من العقول النافقة أصلا . إن دولة الإنجليز آمنت بالعلم ووفرت لعلمائها بل لكل أبنائها كل الإمكانيات كي يتعلموا ويشتغلوا ويفيدوا وطنهم والإنسانية بعملهم وعلمهم – ولو كان العالم الفذ ستيفن هوكينغ في إحدى الدول التي تفتش في ضمائر ومعتقدات مواطنيها ولا تؤمن بالإنسان كأثمن رأس المال و بالعلم كقيمة غير قابلة للتفاوض لكان مصيره التسول على الأرصفة مع مجاورة القطط والكلاب الضالة -.نفس الأسئلة التي تكشف عن جهالة أهلها وحقدهم سمعناها لحظة رحيل المناضل الكبير نيلسون مانديلا رمز النضال ضد الميز العنصري ،إذ ارتفعت أصوات واحتدمت نقاشات على صفحات الأنترنيت وبعض الجرائد الورقية حول إجازة أو عدم إجازة الترحم عليه بل مدى اعتباره مسلما من عدمه .الرجل ناضل وضحى من أجل ما آمن به من مبادئ وقيم بكل ما أوتي من قوة وعزيمة وصبر وإيمان ورحل إلى مثواه الأخير بعد أن حقق رسالته .ونحن انغمسنا في اللغو والثرثرة حول مدى أحقيته دخول الجنة من عدمها كأنما مفاتيح الجنة في يد هؤلاء الجهلة الحقودين على كل ما هو حياة وفن وعلم.
هناك خواء فكري ينتشي بالخرافات والأوهام، هناك عقول تعج بكل الفراغات ،هناك مساحات شاسعة من العقم داخل هذه العقول التي تجدف عكس تيارات العلم والمعرفة والحياة،لقد استشرى فكر الكآبة والفزع، فكر لا ينشط إلا في أعتاب الرداءة ولا ينمو إلا في حقول الأحقاد والضحالة .أمم تعمل وتجتهد وتبدع ثم تنجح ونحن نتكاسل ، ننام ، نثرثر، ونردد ونتشبث بكل ما هو خرافي وعقيم ونتقهقر. بدلا من تنقية دواخلنا ،بدلا من تشطيب أوساخنا و أمام أبواب بيوتنا، راح البعض منا يعلن عن امتلاكه لمفاتيح الجنة والنار وراح يفرز أصحاب الجنة من أصحاب جهنم كما لو أنه مفوض من السماء.متى أصبح هؤلاء يكشفون عن الغيب ونوابا عن السماء ؟ يا ذوي العقول الرثة والمتحجرة ،إلعبوا في الأرض ودعوا السماء بعيدة عن ترهاتكم، عن غبائكم وأوهامكم وتطفلكم وعجرفتكم وعجزكم وأحقادكم وجهلكم. أي إيمان هذا الذي لا يكون إلا بنهش لحم الآخر الحي أو الميت المختلف معنا ؟ أي دين هذا الذي لا يستقيم إلا بإقصاء الآخر الذي لا يعلن اصطفافه لجنبنا ؟ أي ملة هذه التي لا تقوم إلا على رفض الآخر الذي لا ينتمي لملتنا ؟ أي أخلاق هذه التي لا تسمو إلا بِذَمِّ أخلاق الآخر الذي لا يتقاسم معنا عاداتنا وتقاليدنا ؟ أي عقل هذا الذي لا يفكر إلا ضد كل ما أتى به الآخر المختلف وإن كانت حقائق ومعارف علمية صالحة للبشرية جمعاء ؟. الحمد لله أن ابن رشد دفن بعيدا عنا وإلا لتم نبش قبره وإحراق رفاته ونفي ما تبقى من رميمه. سيزيف كَلَّ وتَعِبَ وأنتم لازلتم ترددون نفس الأسطوانة : ” داروين مسيحي ملحد، ماركس يهودي ملحد، فرويد يهودي ملحد، اينشتين يهودي ملحد،نوبل يهودي ملحد، ستيفن هوكينغ ملحد….واللائحة طويلة .
وأنتم ماذا فعلتم بإيمانكم وبماذا أفدتمونا نحن قبل أن تفيدوا الإنسانية وماذا قدمتم لأوطانكم ؟ سماء مرصعة بالنجوم وأوطاننا تُنْبِتُ ثقوبا سوداء. لماذا تفضلون دائما الارتماء في أحضان المستنقعات بعيدا عن الأنهار الجارية ؟ ما هذا الحضيض الذي وصلنا إليه ؟ ما هذه الضحالة التي ننعم بها ؟ متى نتحرر من وهم وسراب الماضي الذي حولتموه إلى قيود وأغلال ؟ من يسيء لهذا الدين ولهذه الملة غير أصحاب هذا المنطق؟. واهم ومخطئ من يظن ويعتقد أنه يدافع عن إله جبار،عظيم ،غيور ومتكبر خالق الكون (الله غني عن العالمين) وعن دين متجذر في التاريخ وساكن في نفوس وقلوب الملايين من البشر.
وتذكروا دائما أن الكبار لا يموتون والضحالة مصيرها مطارح النفايات غير الصالحة حتى لإعادة التدوير le recyclage.