الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الباحث بنعيسى: الأحزاب السياسية تعيش الركود وزمن الانتظارية ولا تؤثر إلا على 30 % من الكتلة الناخبة

الباحث بنعيسى: الأحزاب السياسية تعيش الركود وزمن الانتظارية ولا تؤثر إلا على 30 %  من الكتلة الناخبة جمال الدين بنعيسى، أستاذ القانون الدستوري وحقوق الإنسان بكلية الحقوق عين الشق بالدار البيضاء

يرى ذ. جمال الدين بنعيسى، أستاذ القانون الدستوري وحقوق الإنسان أن الأغلبية الحكومية تعيش صراعات داخلية مبتذلة، كما يتطرق إلى تغييب النقاش بشأن المحطة الانتخابية المقبلة من طرف الأحزاب السياسية التي تنشغل حاليا في الصراعات والتطاحنات الداخلية التي وصلت حد الصدام الجسدي، مقدما مثال الصراعات التي احتدمت داخل الأحزاب بمناسبة إعادة هيكلة مجلس النواب لأن هذه المناصب تضمن الحصول على تعويضات، علما أن وزراء في عدد من البلدان يتنازلون عن أجورهم وتعويضاتهم، بل ويتنازلون عن سيارة الخدمة الممنوحة لهم من طرف الدولة، مؤكدا أن انهيار الوسائط الإجتماعية فرض على رئيس الدولة التدخل في أكثر من محطة، وضمنها دعوته الولاة والعمال إلى الخروج للشارع لسماع صوت المواطن.

+ كيف تقرأ تغييب النقاش حول محطة الاستحقاقات المقبلة لعام 2021 من طرف الأحزاب السياسية، وانشغالها بالصراعات والتطاحنات الداخلية والتهافت وراء المناصب والمسؤوليات؟

++ للجواب عن هذا السؤال لا بد من الرجوع إلى محور ارتكاز، وهو خطاب الملك محمد السادس الذي توجه به مباشرة بعد تعيين عبد الإله بنكيران وحثه على الإسراع بإخراج حكومة متوازنة ومحاولة الخروج من دائرة الصراعات الضيقة، واعتبار نتائج الانتخابات غنيمة سياسية، والتهافت على الحقائب الوزارية، حيث وجد بنكيران نفسه آنذاك بعد ستة أشهر غير قادر على تشكيل الحكومة، رغم فوزه بأغلب المناصب في البرلمان، وهنا نجد أن هذا التوجيه الدستوري لم يؤخذ بعين الاعتبار، وقام رئيس الدولة بإبعاده بناء على العبارة المؤطرة "دوام الدولة واستمرار المؤسسات الدستورية". ولكن نجد أن الملك محمد السادس عندما طلب من البرلمانيين تشكيل مجلس النواب للمصادقة على المعاهدة التي بمقتضاها كان يسافر صباح ومساء إلى مختلف البلدان الإفريقية لضمان عودة المغرب إلى كرسيه الفارغ في الاتحاد الإفريقي، قامت جميع الأحزاب وبقدرة قادر في أجل لايتعدى 48 ساعة بانتخاب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب، وهيكلة مجلس النواب والمصادقة على المعاهدة، وهنا نقرأ لماذا الأحزاب السياسية الآن لا تقوم بحملة خارج الوقت السياسي، فالأحزاب السياسية تعيش الركود وزمن الانتظارية.

+ وما سبب ذلك في نظرك؟

++ رئيس الدولة كان دائما يحث على إحياء التنظيمات السياسية، وعلى رأسها الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، يعني تشبيب وزرع دماء جديدة داخل الأوردة المحركة للتنظيمات السياسية، لأن الحزب السياسي دوره الأساسي هو تأطير وإقناع المواطنين بإيديولوجية معينة وإعداد برنامج حزبي متكامل على جميع الأصعدة، في حين نجد أن الأحزاب السياسية بالمغرب، والتي وصل عددها إلى 33 حزبا تركن دائما إلى زمن الانتظارية. ففي عام 2015 حضر رئيس الدولة حفل توقيع 16 اتفاقية تهم جهة طنجة- تطوان- الحسمية، بالمقابل نجد أن الأحزاب السياسية التي كانت ممثلة في الحكومة لم تقم بتقييم السياسات العمومية أو مراقبة عمل الحكومة أو محاولة الدفع بإخراج هاتف المشاريع، وحتى رئيس الحكومة لم يجرؤ على إقالة الوزراء الذين ثبتت في حقهم بناء على تقرير المفتشية العامة على ضوء تعليمات وزير الداخلية بالتحقيق في تلك المشاريع، بل ظل ينتظر إلى أن تدخل رئيس الدولة حسب الفصل 47 من الدستور، وقام بتنحية هؤلاء الوزراء. وعودة إلى سؤالك بخصوص غياب أي نقاش بشأن المحطة الانتخابية المقبلة التي لا تفصلنا عنها سوى سنتين، فلأنها لا تملك أصلا برنامجا متكاملا، فالملك كرئيس للدولة وكضامن لدوام الدولة والمؤسسات وكضامن لممارسة الحقوق والحريات طلب من جميع الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها، بما فيها فرق المعارضة، إعداد برنامج تنموي للبلاد، ولم يستطيعوا منح رئيس الدولة برنامجا متكاملا، فبالأحرى أن تطرح برنامجا انتخابيا لكسب ثقة المواطنين.

+ ما هو انعكاس هذا الوضع على المشاركة السياسية في المحطة المقبلة؟

++ إذا قرأنا نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة، فهناك من يتحدث عن 27 أو 30 في المائة، إلى 35 في المائة، علما أن الفصل الدستوري ينص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة مباشرة عن طريق الإستفتاء وبطريقة غير مباشرة عن طريق ممثليها، لكن الأحزاب السياسية لم تستطع التأثير سوى 30 في المائة من الكتلة الناخبة، وبالتالي فالحكومة الحالية هي نتاج انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 30 في المائة. والسؤال الذي يخيفني في مجال القانون الدستوري والعلوم السياسية هو ما هو موقف 60 في المائة؟ وكيف انعكست على تخريب على العمل السياسي داخل المنظومة الدستورية؟ فالحراك الذي وقع بالحسيمة أو الحركات الاحتجاجية في جرادة وزاكورة وفي مجموعة من المناطق المغربية، كانت تفتقد للوسائط الإجتماعية..

+ في هذا الإطار، ماهي آثار غياب الوسائط الاجتماعية على الاستقرار والتنمية في بعدها الشمولي، إذا استحضرنا وجود العديد من الحراكات الإجتماعية والتي لم تتلق الحلول المطلوبة من طرف الأغلبية الحاكمة؟

++ الأغلبية الحكومية تعيش صراعات داخلية مبتذلة، والحمد لله أننا ننعم في هذا البلد بدستور متطور، وإن كنا نفتقد للآليات الدستورية والسياسية والمجتمعية لتفعيله وليس تنزيله، وأعتقد أن غياب الوسائط الاجتماعية يهدد السلم الإجتماعي والنظام العام.

+ ألا ترى أن غياب تداول النخب يفرض تعديل قانون الأحزاب السياسية بشكل يضمن وجود تداول فعلي للنخب داخل الأحزاب السياسية؟

++ تماما.. الأحزاب السياسية وجدت نفسها تدور في فلك بعض الزعامات، أو "الكاريزمات"، ولابد لها من تقييم للوضع، علما أن هذه الأحزاب تعيش صراعات داخلية، فمثلا الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حكيم بنشماس مهدد بإسقاطه بسبب الصراعات بين تيارات هذا الحزب، والاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والإشتراكية يعيشان الوضع نفسه، والإتحاد الدستور اندمج مع التجمع الوطني للأحرار لتشكيل فريق برلماني.. لابد من إعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية، فلا يمكن الحديث عن ملكية دستورية ديمقراطية، برلمانية واجتماعية مع وجود 33 حزبا سياسيا. ليس لدينا في المغرب الآن أحزاب ايديولوجية، فنحن لا نفرق مابين اليساري أو التقدمي أو اليميني أو الإسلامي، فجميع البرامج الحزبية تكاد تكون متشابهة وتركز أساسا على نقاط ثلاث: الصحة، الشغل، التعليم.. وأعتقد أن المشرع الدستوري كان يدرك الأزمة التي ستطرح في عام 2021، حيث تم خلق مؤسسات الحكامة، فمثلا بجهة الدار البيضاء- سطات جميع المشاريع توقع بحضور الملك محمد السادس أو شركات التنمية المحلية، فحتى الجماعات الحضرية والقروية لم تعد تساهم في مفهوم التنمية لأننا مازلنا نؤمن بمفهوم الديمقراطية التمثيلية، علما أن الوثيقة الدستورية تؤكد على أهمية الديمقراطية التشاركية والخيار الديمقراطي، ولما طلب الملك من الولاة والعمال الخروج للشارع لسماع صوت المواطن، فذلك ناتج عن غياب المؤسسات الموازية، وهي الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني، وأعطي مثال آخر، وهو لما استقال الخبير في "علم النقابات" نوبير الأموي من عوضه؟ عوضه شخص يتجاوز 70 سنة. بمعنى أن الأموي ورغم غيابه سيظل هو المتحكم.. وكخلاصة في ما يخص تداعيات هذا الوضع، فنحن نعيشها أصلا، فما وقع بالحسيمة يعد نتاج غياب الأحزاب التي تعتبر في هذه المنطقة مجرد "دكاكين سياسية" حيث لا تحل بالمنطقة إلا مع اقتراب المحطات الإنتخابية، وما نعيشه الآن من الصراع والصدام داخل الأحزاب السياسية بما فيه حتى الصدام الجسدي مابين أعضاء وازين في هذه الأحزاب من أجل مناصب ضمن هيكلة مجلس النواب يكشف حجم الأزمة، لأن هذه المناصب تضمن الحصول على تعويضات، علما أن وزراء في عدد من البلدان يتنازلون عن أجورهم وتعويضاتهم، بل ويتنازلون عن سيارة الخدمة الممنوحة لهم من طرف الدولة، والنموذج مثلا في هولندا، حيث نجد أن وزراء يتنقلون عبر دراجات هوائية، لطمأنة المواطن بأن حقوقه مضمونة، وللتأكيد على أن الوزير في خدمة المواطن وليس وزير يسعى الى تحقيق الإغتناء والثراء غير المشروع أو ترضية الخواطر.