الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

غانمي: التحالف الظلامي النيوليبرالي المتوحش تآمر لإضعاف الدولة وتفقير المجتمع ورهن مستقبل الأجيال

غانمي: التحالف الظلامي النيوليبرالي المتوحش تآمر لإضعاف الدولة وتفقير المجتمع ورهن مستقبل الأجيال إيمان غانمي : رئيسة منظمة فضاء المواطنة والتضامن..

في زمن الرداءة وأفول المنطق وخطاب العقل واجتياح موجات النيوليبرالية الظلامية، اعتلت منابر"السياسة" وتدبير الشأن العام كائنات مقنعة بكل أصناف الدجل والمكر والخديعة، وفقا لمخططات تم الإعداد لها منذ سنين، بتنسيق وتوجيه من دوائر القرار الدولي (البنك الدولي وصندوق النقد والقوى الاستعمارية الجديدة)، بغية تحريف مجمل مسارات التحول الذي أعلنت عنه الحركات الاحتجاجية في بدايات "مشروع الانتقال الديمقراطي" بصيغة ربيع للديمقراطية، ليغوص محيطنا الإقليمي في وحل القوى الظلامية المتربصة بشعوب المنطقة منذ عقود، في أكبر هجمة على مقدرات وثروات ومؤسسات الدول لإضعافها اقتصاديا واختراقها سياسيا وايديولوجيا، بالتالي الاستحواذ عليها نهائيا لجعلها رهن إشارة الامبريالية الجديدة. وهكذا تم تحويل "الربيع " الذي كان يبشر بالديمقراطية إلى خريف وشتاء دامس، أتى على الأخضرواليابس. ولعل تميز الحالة المغربية ضمن هذا المشهد البئيس، راجع بالأساس إلى رسوخ أسس الدولة المغربية، وثوابت الأمة المغربية الضاربة في التاريخ لقرون.

إن تجربة حكم الإخوان بالمغرب من خلال نسختين حكوميتين، قد أثمرت بكل أسى تراجعات هائلة وفي كل المجالات:

الحياة الاقتصادية: (المديونية العمومية وصلت 81 بالمئة من الناتج الداخلي الخام) اغناء الأغنياء و تفقير الفقراء والقضاء نهائيا على الطبقة الوسطى حاملة مشروع التغيير والتنوير، وحماية الفساد والمفسدين وهو شعار مرحلتهم "عفا الله عما سلف"...

الحياة السياسية: نزلوا بها إلى الدرك الأسفل من حيث تبخيس العقل وقيم الحرية والحداثة والديمقراطية والعدالة والمساواة والعودة بالمجتمع إلى غياهب الدجل والتجهيل والسفه و"الرقية الشرعية" ناهيك عن الفضائح المرتبطة بالذمم المالية والأخلاقية وانحطاط الخطاب السياسي إلى الدرجة صفر من الشعبوية مما أدى إلى ارتفاع منسوب الاصطفاف والانتقائية والتمييز والحقد الاجتماعي الذي بلغ مداه لدى كتائب الإخوان حد الاحتفاء بالاغتيالات السياسية بل والدعوة إلى قطع رؤوس من يخالفهم الرأي وتعليقها في الأماكن العامة، في تماه صارخ مع الداعشية

أما على المستوى الاجتماعي، فقد تعممت ثقافة التسول وتمأسس الريع والزبونية ونصرة الجماعة وأهل الجماعة ومعاداة واقصاء وتهميش من خالفها.

ولعل الارتفاع الصاروخي لكلفة الحياة وقفة عيش المواطنين والمحروقات والتضريب المهول والاقتطاعات وضرب وتهميش الكفاءات، والارتفاع المهول لوتائر هجرة الأدمغة وهجرة "الحريك" ...كلها حقائق ثابثة ومؤشرات دالة على إفلاس شؤون البلاد والعباد في ظل عهد تحكم الإخوان.

إن إشكالية الأساتذة الذين فرض عليهم(هن) التعاقد ما هي في الأساس سوى إحدى تجليات التخبط العشوائي تحت يافطات اللامركزية والجهوية وإصلاح الوظيفة العمومية "، وبالتالي فإن المسألة في عمقها وغايتها ما هي إلا تكملة للمخطط الجهنمي في جانبه المتصل بالتخلص تدريجيا من الوظيفة العمومية في الأفق المنظور تماشيا وتوجيهات "كريستين لاجارد" صاحبة القول والفضل على جماعة الإخوان ومن والاهم ويسير في ركبهم. فما ينطبق على الأساتذة ضحايا التعاقد يمس ويشمل باقي المكونات والفئات الأخرى من ممرضين ومتصرفين وموظفين... في واحد من أشد وأسوأ هجوم لحكومة على شعبها في التاريخ، فهي تلاحقه في كل مناحي حياته العامة والخاصة، بالتضييق على حرياته السياسية والنقابية، والاقتطاع من أجره وقوت أبنائه، وتفرض عليه كل أشكال الحكرة وفرض الأمر الواقع من أجل إخضاعه وإذلاله ليسهل التحكم فيه وضمان التمكين للإخوان وللنيوليبرالية المتوحشة المتحالفة معهم.

ومن هنا فان الملحمة النضالية الرائعة لأبناء هذا الشعب العظيم من أساتذة ومتصرفين(ات) ومكفوفين (ات) تشكل الملاذ الأخير لكل القوى والضمائر الحية التواقة والمؤمنة ببناء مجتمع التوزيع العادل للثروة، وإقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية لكل أبناء الوطن كما هو منصوص عليها في دستور المملكة، في مواجهة المد الأهوج لقوى الفساد والريع والهيمنة واستغلال المعتقد والمتاجرة بقيم المجتمع خدمة للاستعمار الجديد.

إن دينامية الحركات الاحتجاجية سواء منها القطاعية أو المجتمعية لتفند كل أطروحات التحالف الظلامي-النيوليبرالي المتوحش الذي تآمر ولا يزال يستهدف إضعاف الدولة وتفقير المجتمع ورهن مستقبل الأجيال القادمة لمؤسسات صندوق النقد والبنك الدولي، وبالتالي انسداد الأفق أمام كل فئات المجتمع، بحيث يصبح الهدف هو تبخيس كل عمل سياسي أو نقابي أو مدني أو ثقافي أو علمي في مقابل تمجيد رأس المال والريع والفساد والرداءة. باختصار شديد يمكن اعتبار مختلف هذه الحركات الاحتجاجية اليقظة والحية، وفي مقدمتها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بمثابة " قافلة النور" في عتمات مشهدنا السياسي الحالك البؤس.

ولو كان الوضع غير الوضع، لهبت فئات كبيرة من أبناء الوطن في حراك اجتماعي آخر، محتجين ومطالبين بمحاسبة ومحاكمة كل الذين خانوا الأمانة وخانوا الشعب وطيبته وصدق طويته وإيمانه بمعتقداته، ليمتطوا ظهره ويسوموه سوء العذاب، ولكان مطلب هذا الحراك الأساسي محاكمة شعبية لرمز وكبير سدنة الريع المدعو "بنزيدان" الذي دمر تقاعد الموظفين بدعوى المساهمة في تحمل تكاليف الأزمة، في حين تمكن من الحصول لنفسه على تقاعد يفوق راتب رئيس جمهورية الصين الشعبية دون أن يساهم فيه بدرهم واحد.