الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

سفيان الحتاش:في فرادة الحراك الجزائري واستثنائيته  

سفيان الحتاش:في فرادة الحراك الجزائري واستثنائيته   د.سفيان الحتاش
في خصوصية قل نظيرها في المنطقة العربية والمغاربية التي شهدت بلدانها انتفاضات وحراكات شعبية تحت عنوان التغيير السياسي فشلت محاولات أخذها نحو الفوضى السياسية والأمنية لعب الجيش الجزائري دور صمام الأمان وضابط الإيقاع وبيضة القبان في هذا الحراك السلمي، دون أن يقوم بتولي السلطة مباشرة ودون أن يكون سندا للسلطة بوجه الحراك الشعبي المنطلق من عبثية واستفزاز التمديد والتجديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة وهو في حال صحية تصعب معها عليه ممارسة السلطة، ودون كذلك ان يستقيل من المسؤولية القيادية تاركا لتوازن الشارع واللاعبين المستترين الداخليين والخارجيين التحكم بمسار الاحداث. نجح الجيش الجزائري كمؤسسة وطنية في فرض استجابة الرئيس بوتفليقة ومساعديه والفريق المساند لبقائه والمستفيد من هذا البقاء، لسقوف وطنية للحراك الشعبي، عنوانها حفظ المكانة الوطنية للرئيس بوتفليقة، وقطع الطريق على الحاشية الفاسدة والمستفيدة من استغلال التمديد والتجديد لولايته الرئاسية لفرض هيمنتها على المشهد الجزائري، كما نجح بربط الحراك الشعبي بعناوين مفتوحة على سلوك الطرق الدستورية للتغيير، رغم محاولات بعض المعارضة وقادتها دفع الحراك نحو شعارات عبثية وغوغائية من نوع الدعوة لرحيل النظام والرئيس بلا بدائل دستورية تلتزم الانتقال السلمي للسلطة، فقطع الطريق على الفوضى التي تبدأ سياسية وسرعان ما تتحول وتنتهي فوضى امنية تفتح الباب لمشاريع التفتيت والتقسيم وحضور العصبيات وطغيانها على الحالة الوطنية. رفض الجيش الوقوع في إغراء وضع اليد على السلطة، وما كان سيرتبه ذلك من جعله هدفا مباشرا لمواجهة تحاول تحريك الشارع بوجهه، كما كان مرسوما لو تبنى الدفاع الأعمى عن موقف المحيطين بالرئيس، فشكل ترفعه وتميزه معا ضمانا لبقائه معصوما بنظر الشارع عن الخطيئة التي تبعده عن صفة الوطنية ومكانة الشرف التي يتبوأها في الوجدان العام للجزائريين، فمكنه ذلك من حماية الوحدة الوطنية كواحدة من الثوابت، ومن تحصين فكرة الدولة ومؤسساتها الدستورية بوجه خطر الانحلال الذي يحضر بقوة في مثل هذه الحالات، ونجح بتشكيل عمود فقري لعمل أمني كبير حمى المتظاهرين وحفظ سلمية الحراك، وسيطر على كل التحركات الجارية تحت الطاولة لفرض مشاريع أمنية تراهن على تعميم الفوضى.
الجزائر تسير بخطوات متسارعة نحو الأمن والاستقرار، وقطع دابر الفساد والمحسوبيية والحكم الشمولي، ووضع حد لحالة غريبة عنها، ولا تليق بها، أي أن يحكمها رئيس مريض على كرسي متحرك لا يستطيع مخاطبة شعبه، ويسلم السلطة لمجموعة ليس لها أي وضع دستوري. إدارة حكماء الجزائر لهذه الأزمة كانت على درجة عالية من الرقي، فرضها عليها انضباط الشارع الجزائري التي كانت ثورته سلمية حافظت على هياكل الدولة ومؤسساتها، والرئيس وكرامته، الأمر الذي جعل راياتها ناصعة البياض لم تلوثها نقطة دم واحدة، ولم تعرض فيها الممتلكات الخاصة أو العامة لأي أعمال تخريب أو نهب.
شكرا للجزائر التي قدمت لنا هذا النموذج المشرف في الحرص على الوطن ومؤسساته والاحتكام للدستور، والتمسك بالديمقراطية والدولة المدنية، والتعايش بين كل المكونات الشعبية على أُسس المساواة والمشاركة الفعلية في الحكم.
في ثلاث مراحل تاريخية لعبت الجزائر دور النموذج، فكانت الجزائر التي قدمت المدرسة المثالية المتقدمة لمناهضة الاستعمار، وكانت الجزائر أول من أحبط في التسعينيات مشاريع الفوضى الأهلية قبل نماذج الربيع العربي الجديدة، وها هي اليوم الجزائر تتقدم مسار الانتقال السلمي والدستوري في ظل حراك شعبي مليوني لثورة بيضاء يحميها الجيش ويمنع الاستيلاء عليها وتوظيفها في مشاريع داخلية وخارجية مشبوهة، ويفرض كضابط إيقاع وبيضة قبان سقفا يبقي للسياسة والتغيير مرادفا هو المصلحة الوطنية العليا.
نتمنى ان ينجح التغيير في الجزائر في ارساء الامن والاستقرار والديمقراطية في هذا البلد وان يفتح هذا التغيير الباب لبناء الاتحاد المغاربي الذي طال انتظاره وذلك بأن تعيد القيادة الجديدة في الجزائر النظر في مقاربتها لقضية الوحدة الترابية للمغرب وان تتوقف عن دعم المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية لأنه وفي جميع الاحوال لا يمكن ان تكون لتصفيات الحسابات السياسية بين الانظمة على حساب الاوطان ووحدتها واواصر التآخي والمحبة الموجودة بين الشعبين الجزائري والمغربي، مهما بلغ درجة الاختلاف والخلاف في السياسية بين الدولة المغربية والجزائرية.