الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد العاطي اربيعة : غياب سياسة واضحة في قطاع التعليم هو في حد ذاته سياسة مقصودة

عبد العاطي اربيعة :  غياب سياسة واضحة  في قطاع  التعليم  هو في حد ذاته سياسة مقصودة عبد العاطي اربيعة
 
في سياق طرح القانون الإطار 51.17 الخاص بالتربية والتعليم، والذي تحاول الدولة المغربية تقديمه كوصفة سحرية لإصلاح منظومة التربية والتكوين، وما رافقه من نقاش؛ والذي يبدو مغلوطا في غالب الأحيان،  وهو يهم نقطتين أساسيتين، وهما المجانية ولغة التدريس... دون أن يسبر أغوار النظام التعليمي ككل، نظام عرف مجموعة مما يسمى محاولات (الإصلاح)، والتي باءت جميعها بالفشل أو بالأحرى الإفشال، وهو ما يطرح أكثر من علامات استفهام، وعلى رأسها: هل تمتلك الطغمة الحاكمة سياسة تعليمية؟
في هذا السياق اذن؛ يذهب العديد من المتتبعين لقطاع التعليم إلى أن الدولة المغربية لا تمتلك سياسة تعليمية واضحة، لكن الأمر عكس ذلك، حيث أن غياب سياسة واضحة هو في حد ذاته سياسة، تحقق أهدافها بالنسبة للمخزن ومن يدور في فلكه، وعلى رأسها استدامة اللاوعي لدى فئات واسعة من الناشئة، وبالتالي اعتبار مؤسسة التنشئة هاته كسلاح إيديولوجي يديم الاستبداد.
وقبل أن نخوض في النفطيين التين خلقتا جدلا واسعا، فلا بد أن  نبدي مجموعة من الملاحظات:
1) أغلب الدول المتقدمة تدرس بلغاتها الأم، والعديد منها حصل على استقلاله بعد وطننا الجريح، والعديد أيضا عاش أزمات أخطر مما عشناها، ورغم ذلك استطاع أن يحقق تطورا كبيرا في مختلف المجالات.
2) اللغة المهيمنة اليوم على البحث العلمي ليست الفرنسية التي تحتل مراتب جد متأخرة، وإن كان من المغلوط التحدث اليوم عن لغة للعلم، لأن العلم يمكن تدريسه بجميع اللغات.
3) حين اختار المغرب التعريب،  في إطار المبادئ الأربع، وهي: المغربة، التعريب، التوحيد والتعميم، والتي جاءت في إطار القطع مع التبعية لفرنسا، والتي واكبها مجموعة من الإجراءات الأخرى، كإحداث بنك المغرب، ولاسامير وغيرها من المؤسسات الوطنية، والتي تم إفشالها مباشرة بعد الإطاحة بحكومة عبدالله إبراهيم، وبالتالي ففشل المنظومة التعليمية لن يخرج عن إفشال محاولة استكمال الاستقلال الشكلي واستدامة التبعية لمراكز الاستعمار.
فحين تم تطبيق التعريب لم تواكبه طفرة تقنية وتكوينية وعلمية، حيث أن أغلب الأساتذة والمعلمين كان تكوينهم مفرنسا، ونفس الأمر يتكرر اليوم لأن أغلب أطر التربية والتكوين لا يتقنون اللغة الفرنسية التي يدرسون بها، وفي غالب الأحيان يلجأون إلى العربية أو الدارجة للشرح.

لنعد الآن لموضوع اللغة والمجانية، والتي لا يمكن الفصل بينهما لارتباطهما الجدلي، والذي ينطلق من المساواة بين جميع أبناء المغاربة في تعليم عمومي واستقلال القرار السياسي والاقتصادي للبلاد. حيث أن السياسة المنتهجة في التعليم لا تخرج عن الاختيارات اللاديمقراطية واللاشعبية في مختلف المجالات والمبنية على تكريس الفوارق الاجتماعية، والمؤدية لإغناء الغني وإفقار الفقير.
ولن يحتاج المرء إلى جهد كبير، لينكشف أمامه زيف كل الشعارات البراقة الهادفة إلى تمرير هذا القانون التخريبي، ففرنسة هذه المواد لن يفتاح المجال أمام بنات وأبناء جماهير شعبنا للولوج إلى سوق الشغل والترقي الاجتماعي، في ظل انتشار الفساد الاقتصادي والزبونية والمحسوبية والرشوة، ليبقى السؤال مطروحا حول الهدف المخفي وراء إثارة هذه النقطة، والذي لن يكون غير استدامة التبعية لمراكز القرار العالمية وعلى رأسها الاستعمار الفرنسي الذي خرج من الباب ودخل من النافذة.

ان أية دولة لا يمكنها أن تتقدم إلا في ظل استقلال قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتطوير البحث العلمي، والذي تلعب فيه اللغات الأم دورا رئيسيا، أما الحديث عن ضعف اللغة العربية وعدم مواكبتها للتطورات العلمية فهو حديث مغلوط، لأن (عدم المواكبة هاته) مبنية على غياب بحث علمي في دولنا، والذي من خلاله تتطور اللغة، ومعها تتطور هذه البلدان اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

أما كون أن أغلب الإدارات المغربية والشركات الصناعية تستعمل اللغة الفرنسية في تعاملها، ومحاولة طرح ذلك كمبرر للفرنسة، فهو عذر أقبح من زلة، لأن المعركة الحقيقية هي فرض اللغات الرسمية للدولة على كل التعاملات بالمغرب.
أما فيما يخص اللغات الأجنبية، فيجب تدريسها لكل المغاربة عوض التدريس بها، بما يضمن إتقانها إتقانا جيدا، وبالتالي ستسقط معها كل الشعارات المزيفة التي يتم استعمالها كمسوغات لتبرير استمرار رهن القرار الوطني للخارج، فلا يمكننا اليوم أن نتحدث عن تدريس بلغة ما دون أن يكون المتعلم متقنا لها…

أما مواكبة اللغة العربية للتطورات العلمية، وفي ظل غياب بحث علمي على المستوى الوطني، فإنشاء مؤسسة وطنية لتتبع ذلك، يكون بمقدورها تنقيح القاموس العلمي، وتحديث المناهج الدراسية للمواد العلمية لا يحتاج إلا للإرادة السياسية.

لقد أصبحوا يتقنون قلب المفاهيم بغية تمرير مخططاتهم التصفوية، ويجب أن نكون على وعي بما يحاك ضد مستقبل بنات وأبناء شعب…
ربما قد يمر القانون الإطار اليوم، لكن المعركة يجب أن تستمر من أجل تعليم شعبي، ديمقراطي، مجاني، علمي وموحد، والذي لا يجب أن يخرج عن المبادئ الأربعة.