السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

فاطمة رومات: من أجل قانون أسرة يضمن التمكين الاقتصادي للنساء

فاطمة رومات: من أجل قانون أسرة يضمن التمكين الاقتصادي للنساء فاطمة رومات رئيسة المعهد الدولي للبحث العلمي
 

إن قانون أسرة يضمن التمكين الاقتصادي للنساء يجب أن يبنى على أساس الرؤية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة كمؤسسة لتجاوز مجموعة من الاخطاء التشريعية التي تعرقل التمكين الاقتصادي للنساء والتنمية بشكل عام. و ذلك بالأخذ بعين الاعتبار تأثير بعض القواعد القانونية على سلوك الأفراد.

مثلا اقتسام الممتلكات بعد الطلاق يجب ان يكون إلزامي و أن لا يترك لإرادة الافراد كما هو الأمر في العديد من الأنظمة القانونية المقارنة التي تفرض اقتسام الممتلكات إما مرة واحدة او الالتزام بدعم طويل الأمد. و هذه الأنظمة تقوم على فرضية مفادها أن العمل المنزلي الذي تعتبر النساء متخصصات فيه هو عمل غير مؤدى عنه و لا تترتب عنه أية أثار مثل الضمان الاجتماعي إضافة إلى أنه غالبا ما تكون حضانة الأطفال من حق المطلقة و هذا معناه واجبات مادية اكثر واستثمار للوقت اكتر. و بما أن العمل المنزلي غير مؤدى عنه و يعتبر بمنطق الاقتصاد استثمار في الرأسمال البشري و يصعب تقييمه ماديا فان اقتسام الممتلكات بعد الطلاق يصبح ضرورة يجب تأطيره قانونيا وعدم تركه للأفراد الدين ينظرون للعلاقات الأسرية بمنطق العاطفة لا بمنطق الاقتصاد.

الأخذ بالمقاربة الاقتصادية عند وضع قانون الأسرة او مراجعته يساعد على الانتقال من العمل الغير مؤدى عنه إلى عمل مؤدى عنه يضمن التوزيع المتساوي والعادل للدخل العائلي بين أفراد الأسرة.

وهذا لايعني تطبيق القواعد والمبادئ الاقتصادية على الأسرة و إخضاعها لقانون السوق ذلك ان اعتبارها مؤسسة اقتصادية لا يعني بأنها تنتج و تسوق منتوجاتها ولكن فقط عدم الأخذ بالعواطف الغير مشروطة التي يمكن أن تضيع معها حقوق البعض لصالح البعض الاخر والأهم لكي لا تعيق التمكين الاقتصادي والتنمية بدل أن تكون محفزا لها.

وهناك امكانية التأمين على الطلاق لتغطية مخاطر ما بعد الطلاق  اعتباره مثل التأمين على الخسارة.  ومن بين الاقتراحات في هذا الباب اعتبار هذا التامين إلزامي مثل التأمين على الحياة والخطط المعمول بها لضمان المعاشات والتقاعد..

مدونة أسرة تضمن التمكين الاقتصادي للنساء ووصولهن الى حقوقهن الاقتصادية بما يقتضيه الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها يستلزم مراجعة شاملة لمنظومة الإرث.

ولا يمكن تخيل أية استراتيجية تهدف الى تحقيق التمكين الاقتصادي للنساء دون  تعزيز مركز المرأة القانوني في مدونة الأسرة وحقوق الميراث و إنفاذ حقوق الملكية.

 وأذكر هنا بان الواجب الأول للدولة تجاه مواطنيها، بمقتضى نظرية العقد الاجتماعي، هو  تحقيق الأمن لكن هذا المفهوم يقتصر في البلدان العربية.

 حسب مجموعة من الباحثين الفنلندين قاموا بدراسة حول القرار 1325لمجلس الأمن و الدي يحمل عنوان المرأة السلام والأمن، يقتصر هدا المفهوم على المجال العسكري و المستوى الدولي  في حين من المفروض أن يمتد الى جميع مناحي الحياة و يبدأ ضمانه من قانون الأسرة.

فقوانين الاسرة لا يجب التعامل معها على أنها قوانين تنظم العلاقات بين افراد الاسرة فحسب و لكن يجب الاخذ بعين الاعتبار انها آلية من الأليات القانونية التي من المفروض أن تضمن الحقوق الاقتصادية للنساء و هذا يقتضي بالضرورة ملائمتها  مع المواثيق الدولية المصادق عليها.

في نفس الاطار يتعين ملائمة المدونة مع روح الدستور  المغربي  بحيث يجب أن تضمن المدونة و أن تسهل و تساعد على تحقيق المناصفة وهذا يستلزم على سبيل المثال مراجعة المادة 49 و التحديد الدقيق لمصطلح رعاية الابناء.

إضافة إلى أن مدونة الاسرة لا يجب التعامل معها على أنها قانون خاص بالأسرة  فقط ذلك أن العلاقة التراتبية التي تنتج عن تطبيق هذه القوانين تمتد من الفضاء الخاص الى الفضاء العام (المؤسسات العامة و الخاصة، السياسية و التشريعية و الاجتماعية و الاقتصادية) و هذا ما يفسر مجموعة من الظواهر السلبية في المجتمع مثل العنف و التمييز و التحرش....

مراجعة مدونة الأسرة هي ضرورة و ليست اختيار تفرضها التحديات التي تطرحها ما يعرف الان بالثورة الصناعية الرابعة والتي تتميز بالسباق نحو الذكاء الصناعي مما يعني ان المغرب و باعتبار علاقاته الاقتصادية مع قوى اقتصادية كبرى تجاوزت العمل بالامتيازات المقارنة التقليدية التي تعتمد على اليد العاملة البسيطة و أهمها عامل الوقت الذي يستنزف في الاعمال المنزلية الى الاستثمار في الكفاءات العالية لتحقيق التنافسية في اطار هذا السباق نحو الدكاء الصناعي، وحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول تسريع المناصفة خلال الثورة الصناعية الرابعة الصادر في 27 يوليوز 2017  والذي أكد على ضرورة تبني الدول لاستراتيجية  تغيير نظامي تضمن  تحقيق المناصفة في كافة المجالات مع التركيز على المجالات التكنولوجية و اكد على ان احد ركائز هذه الاستراتيجيات هي وضع سياسات عمومية تضمن ولوج النساء و مشاركتهن في مجالات مازالت حكرا على الرجال مثل الهندسة الالكترونية و كل ما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة. بما تقتضيه هذه السياسات من مراجعة للتشريعات الداخلية بما يسمح بتسريع تحقيق المناصفة و قد نص التقرير على اهمية هذه القوانين الداخلية و بالخصوص قوانين الاسرة التي تعتبر معظمها في دول الشرق الوسط و شمال افريقيا بعيدة و غير قادرة على ضمان تحقيق المناصفة.

و قد نص هذا التقرير على ان هذه الاستراتيجية يجب ان ترافقها اربعة تدابير اساسية  جعلت أهمها:

-1  دور الإعلام و الفنون السمعية البصرية (السينما و المسرح و الغناء ، و الإشهار...) و التي تلعب دورا كبيرا في ملائمة الوعي المجتمعي مع مضمون القوانين و تساهم بشكل كبير في ضمان حسن تطبيقها.

-2 ثم جعل في المرتبة الثانية إعادة النظر في السياسة العامة المتعلقة بالأسر واليات الضمان الاجتماعي و وضع الحكومات لمعايير تضمن المساواة و المناصفة بين الجنسين في كافة القطاعات.

وقد أثبتت، حسب هذا التقرير، إجازات الأمومة والأبوة التي تفرضها معظم  الحكومات، فضلاً عن البنية التحتية الأساسية لرعاية الأطفال والمسنين، أنها استثمارات فعالة في معظم البلدان من أجل تعزيز التكافؤ بين الجنسين فضلاً عن تعزيز التضامن و التماسك المجتمعي. ومع اعتبار التطور التكنولوجي الدي يطبع حاليا أسواق العمل، يصبح لزاما على الحكومات ان تضع اليات ضمان اجتماعي جديدة تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين الجنسين و تستثمر هذه التحولات لضمان إعادة بناء العلاقات بين الجنسين في الفضاء الخاص و العام على المساواة بدل التمييز.

لهذا من الضروري الحرص عند مراجعة مدونة الاسرة على ملائمتها بالتشريعات الداخلية و الدستور والمواثيق الدولية  مثال مسالة المساواة في رعاية الأبناء التي تتحدث عنها مدونة الاسرة الحالية و التي كما أشرت إلى ذلك سابقا  غير محددة  ذلك ان تحقق هذا الهدف رهين بتعديل مدونة الشغل التي يجب أن تشمل بالإضافة الى إجازة الامومة إجازة الأبوة.

-3 تشجيع الممارسات التجارية التي تعزز المساواة بين الجنسين على نطاق واسع
وبغض النظر عن القطاع ،
فالتجربة اثبتت حسب نفس التقرير ان الشركات التي تعتمد مقاربة النوع الاجتماعي و المساواة بين الجنسين تحقق اهدافها بشكل اسرع و افضل من غيرها.

4- تقديم القطاع العام كنموذج يحتذى به في تغيير المعايير الواجب اعتمادها في تحقيق المساواة و المناصفة ورغم ان هذا الهدف يجب ان يكون اولوية في جميع القطاعات ، لكن يمكن للقطاع العام أن يلعب دوراً مهماً في المساعدة على تغيير المعايير. لهذا يجب إشراك بعض الاشخاص المتواجدين في مراكز القرار و الدين لديهم القدرة على التأثير  و إحداث التغيير.

أختم بالقول بان مدونة الاسرة هي بمثابة استفتاء حول دور الدين في السياسة و نظام الحكم وإضفاء الشرعية على الطبيعة الدينية للتشريعات. كما أن دعم قوانين الأسرة البطريركية او الأبيسية هو دفاع عن دور الدين. و بالتالي فان المطالبة بتعديلات قانونية تهدف تحقيق المساواة يعتبر تحديا للعلاقة التاريخية بين الدين و الدولة و كلما زادت مأسسة الدين السياسي كلما كان تحدي اجراء تعديلات تضمن المساواة صعبا مع أنه ليس اختيار بل ضرورة تفرضها التحديات المطروحة على المستوى الدولي و المرتبطة بالعولمة التكنولوجية و الذكاء الاصطناعي والتحديات الداخلية المندرجة في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة.