الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

نيبا، ساري كول، إكشوان إكنوان، أدوما وباقي القافلة.. من يغذي نجوم التفاهة و«البوز» في مواقع التواصل؟

نيبا، ساري كول، إكشوان إكنوان، أدوما وباقي القافلة.. من يغذي نجوم التفاهة و«البوز» في مواقع التواصل؟

ديزي دروس.. حليوة.. ساري كول.. نيبا.. اكشوان اكنوان.. أسماء شغلت مساحة هامة على مواقع التواصل الإجتماعي واستطاعت جذب اهتمام نسبة كبيرة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي..

 

أسماء تلتقي في نشر التفاهة والتسطيح، فهي تحولت إلى نجوم في زمن قياسي وسلطت عليها أضواء الشهرة، دون أن تبذل أي جهد أو تساهم في خلق ابداع في مجال من المجالات، كما كان الحال لدى الاجيال السابقة، وهو معطى يكشف بوضوح أن الثورة المعلوماتية عرت عن حقيقة أزمة القدوة التي تعاني منها أجيال اليوم، كما تكشف عن حالة الضحالة وتردي الذوق العام التي نعاني منها اليوم، والتي تعود أساسا إلى انهيار المدرسة العمومية وانحلال منظومة القيم. لكن الملفت للانتباه هو أن وسائل الإعلام وبدل بذل مجهود كبير في التنقيب والبحث عن الكفاءات والمبدعين انساقت وراء موجة «الطوندونس» سعيا وراء جني الأرباح وتحقيق «البوز» بدل الإسهام بدورها في ترقية ذوق المتلقي الذي فقد البوصلة بسبب افتقاده لخلفية ثقافية وتربوية، خلافا للبلدان المتقدمة التي وظفت مواقع التواصل الاجتماعي في تقييم السياسات العمومية وتسليط الضوء على انشغالات وقضايا شعوبها.

 

فإذا جاز هذا الوصف، أصبحنا نعيش واقع صحافة «كلبونية» أصبحت هي تملك مفاتيح النجاح، بعد دخول ممتهنين صحافيين يملكون حاسة شم أقوى من حاسة «الكلاب» لرصد مكان طرائدهم على بعد أميال، ويركضون أسرع من «الكلاب» في مطاردة فرائسهم. بدليل ان «الظاهرة» إكشوان إكنوان انتقل من «إسفلت» حي كوبا بالبيضاء إلى سماء النجومية، رفع من مرتبة «بائع متجول» إلى «نجم الويب» و«أيقونة» ملصق مهرجان دولي للتسامح وتبادل الثقافات، وبرعاية مواقع إلكترونية وإذاعات وطنية وقنوات تلفزيونية عامة وخاصة! إلى درجة أن العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي شككوا في صورة «نجم الويب». الارتفاع الصاروخي لنجم «إكشوان إكنوان» يشبه الصعود الصاروخي لـ "الأسطورة" علال القادوس الذي كان سقوطه «السريع» أقصر من قصة صعوده "السريع"!!

 

"كلاب" البوز مدربة على «الصيد» في المستنقعات واقتفاء أثر ضحاياهم من بعد، بفضل حاسة الشم القوية التي تجعلهم يتفوقون على فرائسهم.

 

انقلبت كل المعايير، و"الأبطال" أصبحوا يصنعون من «التفاهة» رغم أنوفهم بواسطة عدسات الكاميرا، السلاح الفتاك الذي قتل مهنة كانت تدعى «صحافة» و"كتابة" و"متاعب" و"متعة".

 

كلاب «البوز» كائنات خلقت لتفترس الطرائد الصغيرة والكبيرة. تبحث عن «الفضيحة» أكثر من «الخبر».. تركب على المآسي، وتتعطش إلى الدماء، لذلك لا تحمل أسماء، بل «أرقاما» في حلبة صيد ضيقة قلّت فيها «الطرائد» وكثُر "القنّاصون".

 

في زمن «الحبر»، ذلك الزمن الجميل، كانت المعلومة الصادقة تقاس بمثقال ذهب وعرق. في زمن «التدليس» الأخبار تصنع من الوهم والتضليل بواسطة «بوكيمونات» الصحافة الإلكترونية التي نقلت «سعار» داء الكَلَب إلى المجتمع، فأصبحنا «مصّاصي» دماء نعيش في كواكب «الفايسبوك» و«الأنستغرام» و«اليوتوب». افتقدنا إلى دفء «الواقع» وافترستنا «كلاب البوز» المسعورة!!

 

في السابق في الجيل الذهبي للأغنية المغربية والفنية عموما، صناعة «نجم» كانت تستغرق سنوات من العرق والمثابرة والتضحيات، لذلك كان «النجوم» و"النجمات" يعدون على رؤوس الأصابع. لكن قبل أن يقدم نفسه إلى الجمهور يكون ذلك «الفنان» قد بلغ مرحلة متقدمة من النضج الفني والوعي بأنّ لا مجال لارتكاب الحماقات بعد هذا الماراطون كي يصنع اسمه، والأمثلة الكثيرة على الأسماء الفنية الخالدة التي تركت بصماتها وأعداد أغانيها وإبداعاتها تتفوق على أعداد فضائحها، إذا كانت هناك فضيحة بالمرة، لأن الوعي الذي تحدثنا عنه كان يدفع الفنان إلى تقاسم الأطباق الفنية مع الجمهور وانتهى الكلام.

 

في العالم الجديد، بعد اكتشاف «مارك زوكربيرج» للكوكب الأزرق، وانفتاح القنوات الفضائية على «تلفزيون الواقع»، وغزو الإعلانات «المزعجة» بيوتنا، وسيطرة «اليوتوب» على منصات وسائط التواصل السمعي-البصري، تسرّبت هذه «المسوخ» التي نشاهدها اليوم، وانسلخ الذوق الفني من كل القيم الجميلة والضوابط الصارمة التي كانت تجعل من ولادة نجم تشبه الولادة «القيصيرية». ما نشاهده اليوم هي «أجنّة» مشوهة، وأطفال «أنابيب» الصرف الصحي، وعاهات «اليوتوب» التي استبدلت «شهقات» الإعجاب بأزرار الإعجاب ونجوم «البوز». من هنا تغير مفهوم صناعة النجم، وتغير الذوق من طبق «الطاجين» الذي كان يطبخ على نار هادئة وبداخله جميع التوابل وأنواع الخضروات المرتبة طبقات، إلى وجبات «الفاست فود» كل مكوناتها نيئة ومن مركبات كيماوية «مسرطنة». لذا التهمت «السرطانات» الأغنية المغربية، فأصبحنا أمام «عاهات» و"مانكانات" وأصوات غنائية من «الجنس الثالث». ولأن الفضاء لا يتسع لوجودهم/هن جميعا، نشبت حروب ضروس بينهم/هن من أجل البقاء، ومبارزات بالألسن وليس الأصوات. التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت «مزارع دجاج» تفقس يوميا المئات من «الصّيصان» غير مكتملة النمو. ولا داعي لذكر الأسماء التي تثير الخجل.

 

ما يقال عن الأغنية المغربية ينطبق على برامج «تفقيس» الكوميديين، بمناسبة انطلاق موسم جديد من «ستانداب»، وهو النسخة «المشوهة» من برنامج «كوميديا» السيئ الذكر الذي تباركه الحكومة بتمويلها للتلفزة، بدليل أن أرقام الفضائح والملاسنات فاقت بكثير أرقام إبداعاتهم!!

 

ولا داعي لذكر الأمثلة، فأنا أخجل من نفسي حتى عند لفظ أسمائهم.. فمعذرة!!

رجاء أعيدوا لنا عالمنا الجميل!!

(تفاصيل أوفى تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")