الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

"الصحفيون الشباب من أجل البيئة" يزورون ضيعة بابن سليمان

"الصحفيون الشباب من أجل البيئة" يزورون ضيعة بابن سليمان محمد القطابي يقدم شروحاته للصحفيين الشباب

الري بالتنقيط أو حين نقول: كفى من استنزاف المياه

انخرط المغرب بجدية في تبنى خطط ومشاريع تندرج في إطار الزراعة المستدامة التي تسعى في بعدها البيئي إلى استغلال كل الموارد المتاحة أفضل استغلال وحمايتها وتنميتها من أجل توفير الغذاء الآمن باستمرار، والمحافظة على البيئة المحيطة على المدى الطويل.

لذا حث المسؤولون الفلاحين على التدبير الأمثل للموارد المتاحة، كما هو الشأن بالنسبة للاستعمال العقلاني للمياه الجوفية والسطحية منعا لاستنزافها، وذلك بتشجيعهم على الريّ الموضعي أو الري بالتنقيط للاقتصاد على الماء والحفاظ على الطاقة.

فما هي عملية الري بالتنقيط؟ وما هي نتائجها؟ وهل بها عيوب؟

لهذه الغاية انتقل فريقنا إلى جماعة الزيايدة بإقليم بن سليمان.

هذه المشكلة... مياه مهدورة ومحصول ضعيف

على مساحة تمتد على أراض سقوية تبلغ مساحتها 32 هكتار بجماعة الزيايدة إقليم بنسليمان، توجد ضيعة فلاحية ناشئة تمتلكها أسرة تتكون من أم وسبعة إخوة، مازالوا رغم اختلاف وظائفهم وتكوين أسرهم الصغيرة يعيشون جميعا تحت سقف واحد مشدودين بحب الأرض، لا يتوانون عن المساهمة في كل أنشطتها الفلاحية من زراعة وتربية ماشية وعمليات تجارية. يقودهم الابن الأوسط محمد القطابي الذي تفرّغ لإدارة شؤون الضيعة بعد أن اختار إخوته الباقون مجالات اقتصادية أخرى ظلت مرتبطة بعالم الفلاحة كمقاولات البناء وتجهيز الأراضي.

أخذنا محمد وهو فلاح متعلم في الأربعين من العمر ممتلئا بالحماس والشغف إلى حقل زرعت فيه الفصّة التي يحتاجون إليها في تربية الماشية، وأخذ يتذكر كيف كان قبل خمس سنوات فقط، يقوم بري مزروعاته خلال غياب الأمطار بالمياه الجوفية مستعينا بمضخة كبيرة. ورغم الكميات الهائلة من المياه التي يستخرجها ويسقي بها فإن مساحة الأرض المسقية بقيت محدودة، والمنتوج في الغالب كان متدنيا على عكس ما كان يأمله.

لم يكن القطابي يدرك أن هذا الري العشوائي مثلما فيه هدر للمياه، فإنه يتسبب في ضياع نسبة كبيرة من الأسمدة لا تستفيد منها النباتات، وفي تكاثر الأعشاب الضارة والأمراض الفطرية التي تكلف معالجتها كثيرا. ولم يكن يعرف أن الإفراط في الري في كثير من الحالات يؤخر نضج الثمار، مثلما يعرف أن قلته تؤثر في نمو المحاصيل.

لم يدرك القطابي كل هذا إلا حين صار مستفيدا من برنامج المخطط الأخضر، وتلقى من خلاله الدعم للدخول في تجربة جديدة، وهي الري بالتنقيط.

الري بالتنقيط... معنى الاقتصاد على الماء

على امتداد الحقل الواسع، كشف لنا محمد القطابي عن صمام كبير للتحكم، وخط انابيب بلاستيكي كبير، تتفرع منه أنابيب بلاستيكية تتوزع عليها "صنابير صغيرة" هي صمامات التنقيط أومنقطات قريبة جدا من النباتات، ينزل منها ماء الري على هيئة قطرات أو نقط. يقول القطابي: "هذه الطريقة تسمح بري جذور النبتة وحدها دون أن يمتد إلى أية مساحة فارغة من الحقل".

لقد بات محمد القطابي يدرك الآن أنه يساهم في الحفاظ على الماء كمورد حيوي تحتاج إليه الأجيال القادمة. ويلبي حاجة النباتات المناسبة للماء دون إفراط بانسجام مع التقلبات المناخية. وبات يعرف أن هذه الطريقة توفر أزيد من 30 في المئة من الماء، وتحقق تقريبا 90 في المئة من فعالية الري.

الري بالتنقيط... اقتصاد في الجهد وزيادة في الانتاج

لم يستطع محمد أن يخفي سعادته بالنتائج التي تحققت، كان يجدد الحمد لله بين كل جملة يلفظها. كان سعيدا بالتحول الذي رآه بعينيه ملموسا في ظرف وجيز. حيث قال: "الحمد لله، اكتشفنا الفرق الكبير بين ما كنا نجنيه من قبل وما نجنيه الآن. هناك استغلال أكبر للأراضي الزراعية، وزيادة في المحصول، واقتصاد في الجهد".

وأعطى القطابي أمثلة لهذا الاقتصاد، فقال: "مثلا في السقي التقليدي، تكون العملية مجهدة ومكلفة، تحتاج إلى مراقبتها وتدبيرها من البداية إلى النهاية. يعني أن كل الاهتمام يكون منصبا ذلك اليوم على عملية السقي، مع ما يتطلبه ذلك أولا من مجهود وثانيا من وقت. أما الآن، فيمكن أن تعطي انطلاق العملية بحركة واحدة، وتنصرف إلى أعمال وأشغال أخرى".

وأضاف: "مثلا بالنسبة للأعشاب الضارة، فقد قلّت بشكل واضح وكبير في الحقول، خصوصا وأننا صرنا نعرف حاجة النباتات إلى الماء في كامل مراحل نموها".

عملية الري بالتنقيط بهذه المزايا... لماذا لم تُعمّم؟

من الملاحظ أن عملية الري بالتنقيط رغم إيجابياتها المتعددة إلا أن وثيرة تعميمها لا تبدو بالسرعة المرجوة، ويرى محمد القطابي أن السبب بالأساس مادي. فعملية إنشائها وصيانة معداتها مازال مكلفا، ويضيف: "من أجل تجهيز الحقول بالأنابيب ومعدات الري بالتنقيط يحتاج الفلاحون إلى مبلغ مهم من المال ليس في متناولهم غالبا. ولذلك أرى بأن الدعم الذي تقدمه الدولة لهم في هذا الباب سيعطي دفعة قوية لتعميم هذه العمليه".

وعنه شخصيا قال القطابي: "بالنسبة لي ولله الحمد تلقيت دعما في إطار مخطط المغرب الأخضر كعدد كبير من المستفيدين، جهزت به الحقول بالمعدات، بل إني صرت أفهم ليس فقط في استخدام هذه الطريقة، بل حتى في إنشائها. وإخوتي بمقاولاتهم صاروا متخصصين في هذا الأمر".

ويؤكد القطابي أن تكاليف العملية لا تتوقف عند مرحلة الإنشاء، بل تمتد إلى ما بعد ذلك، حيث تتطلب المعدات صيانة دورية ومراقبة، خاصة الصمامات التي تتعرض إلى الانسداد. هذا دون الحديث عن تلف أنابيب البلاستيك بسبب اشعة الشمس خاصة في المناطق الحارة خلال فصل الصيف. كما يُفرض على الفلاح إزالة الأنابيب عند إعداد الأرض للزراعة، وإعادتها مرة أخرى.

الري بالتنقيط... العملية التي تصنع التفاؤل

بالبشاشة التي استقبلنا بها، ودّعنا محمد القطابي. كان مليئا بالرضا عن الحاضر والتفاؤل بالمستقبل، مثلما كنا راضين عن عملنا، ومتفائلين برؤية بلادنا تقوم بما ينبغي القيام به من أجل زراعة مستدامة تضمن الطعام للجميع، وتحافظ على الماء من أجل أجيال المستقبل.

أنجز التحقيق:

ذكرى باهي ـ يوسف الفريحي ـ إيمان بن المامون ـ آية مطيّب ـ غيث حرمي - إيمان أمشعرو (مجموعة مدارس العنبر - مديرية سيدي البرنوصي ـ جهة الدار البيضاء سطات)