الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

حكاية شامة التي دخلت بقدميها إلى مصحة غاندي من أجل الولادة فخرجت على كرسي متحرك

حكاية شامة التي دخلت بقدميها إلى مصحة غاندي من أجل الولادة فخرجت على كرسي متحرك

في الوقت الذي ارتبط فيه اسم "غاندي"، بمقاومة الاستعمار الإنجليزي في الهند سلميا، والاعتماد على النفس لتحقيق ي نهضة اقتصادية واجتماعية، فإن اسم "غاندي" عند شامة، ارتبط بالصعوبة في الوقوف والمشي، والسبب هو خطأ طبي تسبب فيه مصحة غاندي بالدار البيضاء، لمواطنة ولجتها من أجل الولادة، فخرجت على كرسي متحرك.

 

كان يوم جمعة من فصل الربيع، عندما تقدمت شامة رفقة زوجها وأختها نحو المكلفة بالاستقبال، بمصحة غاندي بالدار البيضاء، جلست في المكان المخصص، فيما تكلف مرافقيها بالإجراءات الإدارية، بعد التأكد من هويتها وملفها الطبي، قام الطاقم الطبي بإنزالها إلى غرفة العمليات، تمت إزالة جميع ملابسها. ورغم أن الطاقم الطبي أخبرها بأنها ستلد بعملية قيصرية، فلم يكن ذلك مفاجئا لها، "المهم هو الفكاكة على خير"، أجابت الطبيب الرئيسي. وما هي إلا لحظات حتى فقدت الوعي بفعل حقنة التخدير على مستوى الظهر. بعد ساعة ونصف، حملت الممرضة الرضيع إلى المكان المخصص، فيما تم نقل الأم نحو غرفة مجاورة، ومع مرور الوقت بدأ آثار التخدير يزول شيء فشيئا، مما جعلها تشعر برعشة بردية قوية، الأمر الذي استلزم استدعاء طبيب التخدير بطريقة مستعجلة، فقام بحقنها بدواء فمرت الأزمة بصعوبة..

 

تم وضعها في غرفة من غرف المصحة، وجاء زوجها وشقيقتها من أجل الاطمئنان عليها وعلى وليدها، ومع مرور الوقت بدأت تشعر بألم حاد بقدميها، جعل زوجها يسرع نحو إدارة المصحة يطلب الكشف عن قدمي زوجته، ليفاجأ الجميع بوجود انتفاخ كبير أسفل قدميها مع ظهور جيوب ممتلئة بالمياه على مستوى الرجلين في أماكن مختلفة، نودي مرة أخرى على طبيب التخدير ليخبرها بأنها أصيبت بتلك الانتفاخات أثناء العملية الطبية، مطمئنا إياها أن الأمر ليس بخطير وأنه سوف يتم علاجها بمجموعة من الأدوية، وذلك بوضع الضمادات والمراهم. لكنّ الأمر ازداد سوء في اليوم الموالي وأصبح الألم يزيد أكثر فأكثر، حيث بدأت التعفنات تظهر على القدمين لدرجة أنها لم تقو على الحركة أو النوم، مما جعل الوضع يتطور إلى الأسوأ.

 

ومما زاد من تعقيد وضعية الأم أن ممرضة من المصحة قامت بناء على أوامر من رئيستها، بوضع ضمادات على رجليها وهي ضمادات تستعمل في حالات الحروق، ونزعتها بطريقة عشوائية بدون حضور الطبيب المختص، وانتزعت معها لحمها وجلدها، دخلت معها شامة في حالة غيبوبة وحمى خطيرة، أصبحت معها غير قادرة على الحركة بالمرة، وأصبحت رجليها في وضعية جد خطيرة.

 

بعد أقل من أسبوع اضطرت شامة إلى مغادرة المصحة على كرسي متحرك عوض أن تخرج على رجليها، لأن حالتها تفاقمت ولم تعد قادرة على المشي أو حتى الوقوف، مقابل عدم اعتراف المصحة بخطأ طاقمها الطبي، محاولين التملص من المسؤولية. وهو ما جعلها تخوض بشكل شخصي حملة طبية لمعرفة حقيقة ما جعلها عاجزة عن الحركة. كل مظاهر الفرح بوليدها تحولت لمأساة حقيقية، خصوصا وأن حالتها الصحية بدأت في التدهور التدريجي، إلى جانب نفسيتها المقهورة، وتضرر كل أفراد اسرتها وعائلتها..

 

كل الأطباء الذين فحصوا حالتها أكدوا لشامة أنها أصيبت بحروق عميقة من الدرجة الثالثة، وأن الأمر مستعجل للتدخل السريع لإزالة التعفنات وشفطها على مستوى قدميها اللتين انتفختا بشكل واضح، ووضع حدا لذلك حتى لا تمتد إلى العروق الدموية، وهو ما زاد من أزمتها الصحية، جعلها تدخل في لحظات من فقدان الوعي.

 

لمدة ستة أشهر، كانت تتنقل شامة بواسطة كرسي متحرك نحو المصحة، بعد أن استصدرت أمرا من طرف رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء لمعاينة وضعيتها أثناء خضوعها للعلاج بمصحة الأندلس وتعيين دكتور مختص للمتابعة.

 

في دعواها القضائية استندت شامة على أن هناك علاقة سببية بين الضرر الذي تعرضت له والخطأ الطبي والإهمال المرتكب في حقها، وأن هذا الخطأ جاء نتيجة الإهمال وفيه مخالفة واضحة للأنظمة والقوانين الطبية، وأن المتسبب في الضرر هو من يتحمل التعويض نظرا لثبوت العلاقة السببية بين الفعل والضرر، مؤكدة أن مشيتها وحركيتها لم تعد كما كانت في السابق ملتمسة الحكم بتعويض كامل عن ما اصابها بمبلغ تقدره في مليون درهم لجبر الضرر.

 

دفاع مصحة غاندي بين أن طاولة العمليات الموجودة بقاعة الولادة غير مزودة بأي تيار كهربائي، لما يمكنه أن يشكل ذلك من خطر على المرضى والطاقم الطبي. وبالتالي لا توجد علاقة سببية بين طاولة العمليات وما أصيبت به من تقشير سطحي للجلود وليس حروقا كما زعمت، موضحا أن مسؤولية المصحة توفير غرف الكشف الطبي والعمليات المعقمة وممرضين مؤهلين بالإضافة إلى المعدات الطبية اللازمة.

 

عينت المحكمة خبيرا أكد أن المعنية بالأمر تعاني من آثار الحروق والألم على مستوى القدمين وصعوبة في الوقوف والمشي وحالة نفسية متدنية، محددا مدة العجز الكلي المؤقت في 300 يوم ونسبة عجز جزئي دائم 36 في المائة ونسبة تشويه مهم، وهو ما أكدته الخبرة المضادة، مما جعل كل العناصر مجتمعة لا تترك مجالا للشك حول طبيعة واسباب الإصابة التي هي حروق حرارية عميقة ناتجة عن ارتفاع حرارة الصفيحة المعدنية المخصصة لحمل المشرط.

 

ومن بين ما استندت عليه المحكمة في حيثياتها، أن طاولة العمليات من بين التجهيزات التي توفرها المصحة لزبنائها، وهي تحت مراقبتهم ومسؤوليتهم، وأن تعطل الصفيحة ألحق ضررا للمريضة، وأن العلاقة التي تربط الأطباء الزائرين بالمصحة ولو بصفة مؤقتة، لا تنتهي بانتهاء العملية التي أجريت للزبون، وإنما تعتبر المصحة مسؤولة مدنيا عنا يرتكبه الأطباء من أخطاء اثناء ممارستهم لعملهم تحت عهدتها..

 

من كل هذا قررت المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء تحميل مصحة غاندي كامل المسؤولية عن الخطأ الطبي وأدائها للمدعية شامة تعويضا قدره ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف درهم، وقد كانت هيئة الحكم تتكون من فتيحة بلادي رئيسة وفتيحة لزرق كاتبة للضبط.