الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

المرابط: مسيرة بروكسيل.. هل هي فخ الزفزافي، للزفزافي؟!

المرابط: مسيرة بروكسيل.. هل هي فخ الزفزافي، للزفزافي؟! محمد المرابط
شهدت مدينة بروكسل السبت 16/2/2019، مسيرة سبق أن دعا إليها ناصر الزفزافي أواخر دجنبر 2018. وكان قد حدد لتأطيرها عنوان:" المرأة الريفية خط أحمر"، بغاية "رد الاعتبار للمرأة الريفية"، لأنها "تتعرض للتشهير والقذف في شرفها من طرف بعض من يعتبرون إخوانها في الانتماء إلى الريف". وقد أرادها الزفزافي أن تكون"مسيرة حاشدة وقوية تكون الأضخم عددا والأرقى شكلا". بل أكثر من هذا، وبصرف النظر عن ملاءمة هذا العنوان لمتطلبات المرحلة، فقد حدد حتى بعض التفاصيل فيها، كأن يكتب المشاركون على بالونات و بكل لغات العالم "المطالب المتضمنة في الملف الحقوقي مع إطلاقها،،لعل يستجيب من في السماء ".
وعي الجمهوريين بخلفية هذا الشعار، جعلهم يتهمون الداعين لها بأنهم أول من تهجم على المرأة الريفية، وأنهم يسوقون بهذا، صورة مشوهة عن الريفيين.ولذلك اختار من حضر منهم المسيرة، شعارا بديلا تحت عنوان:"المعتقلون خط أحمر"،ورفعوا أعلام جمهورية الريف،وشعارات ضد الدولة ورموزها،والأحزاب السياسية.
هذه المسيرة التي حضرها اعزي أحمد الزفزافي، و خاتشي زوليخة- شفاها الله - كانت ناجحة، وتراوح عددها حسب التقديرات ما بين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف،وإن كان هناك تغطيات عدتها في الأدنى بالمئات وبالأقصى 15ألفا.ومن باب الموضوعية لم تكن الأضخم،ولا فاقت التوقعات في مشاركة الرجال والنساء.لكن بما أن زعيم الحراك، أرداها الأضخم عددا،فقد صادر اعزي أحمد الزفزافي على مطلوبه، فرآها أمواجا بشرية كالبحر،وأنها تحمل رسالة "القوة"،وأن إرادة ناصر والمعتقلين نافذة.بل وذهب حد اعتبار أن اعتقال المعتقلين كان بسبب مسيرة "لسنا انفصاليين" التي رفع عدد المشاركين فيها إلى 350 ألف مشارك،لأن هناك خوفا في نظره لدى الطرف الآخر من أن تصل المسيرات إلى مليون مشارك،فلا يستطيع آنذاك اعتقال ناصر.في حين رأى فيها لطفي الزفزافي"عشرات الآلاف"،تلبية "لنداء أبطالنا من داخل السجون".
موقع "أنوال بريس" بعد هذا العنوان:"رغم محاولات التشويش، الآلاف يحتشدون في بروكسيل تلبية لنداء معتقلي حراك الريف" أردف في تغطيته، عنوانا آخر:"مسيرة حاشدة في بروكسيل تلبية لنداء ناصر الزفزافي ومعتقلي حراك الريف" لاستدراك دور ناصر...واعتبرها الناشط الحراكي عبد المجيد العموري "إحدى أضخم المظاهرات الداعمة للحراك الشعبي بالريف"، وذهب الحماس بالأستاذ جمال الخطابي منسق فدرالية فرنسا للجن دعم الحراك، حد "إعلان 16 فبراير من كل سنة يوما وطنيا للريف".
أما الأستاذ خالد البكاري، فقد أكد على نجاحها،"استجابة لنداء ناصر الزفزافي"،وأنها "فاقت التوقعات"، و"تحمل رسالتين قويتين:الأولى، رسالة للدولة المغربية على أن تراجع زخم الحراك بالداخل هو فقط بسبب القبضة الأمنية الخانقة(..)الثانية:رسالة لكل من تواطأوا من أجل استنبات قيادات بديلة للحراك..".
وإذ أتفق مع خلاصة الأستاذ خالد من كون أن حل ملف الحراك ينبع من قيادته في عكاشة، فإني لا أشاطره الرأي في كون مسيرة بروكسيل تمثل "ضربة معلم "من ناصر الزفزافي، وأعتقد لو أنها ضربة معلم كما ذهب، أو يوم وطني للريف كما ذهب الأستاذ الخطابي، لكانت بعض المواقع، كموقع "حوار الريف" قد التقطت هذه الدلالات مثلا.
إن مسيرة بروكسيل التي تنسب لناصر الزفزافي حقيقة، ولمعتقلي عكاشة مجازا، لم تكن مسيرة واحدة. ومن ثم يكون ناصر يتحمل المسؤولية السياسية، لما جرى داخل المسيرة، وإلا عليه التبرؤ من الجمهوريين فيها.
ما عدا ذلك ستبقى النيابة العامة على تشكيكها في نوايا الحراك الحقيقية.ولن تنفع معها الضغوط الخارجية،بدون أدنى التزام داخلي.ما سيكون مؤثرا هو وعي المعتقلين بضرورة ممارسة النقد الذاتي،والتفاعل الوظيفي مع المبادرات المدنية ومؤسسات حقوق الانسان. فمنطق "القوة" الذي يبحث عنه اعزي أحمد يكمن هنا،فقدماؤنا يعتبرون أن الحجر الصغير في موضعه المناسب في البناء يزن قنطارا.أما ما قام به ناصر الزفزافي، فإنه يندرج في أفق مغاير لمنطق التعاقدات بالتزامات محددة.وأعتقد أن المخزن قد يستهويه ذلك، لكن منطق الدولة لا يستسيغه.
لذلك فإخلاص النصيحة للمعتقلين،لا ينسجم مع أسلوب مجاملتهم.كما أن أخطاء المخزن في تدبير ملف الحراك لا ينبغي أن يتحمل تبعتها المعتقلون،بأي حال من الأحوال .وهذا ما يعجل بمطلب الحل السياسي لهذا الملف.
ببساطة، لقد وضع ناصر الزفزافي من خلال مسيرة بروكسيل فخا لنفسه، وقد يضع لها ولنا اندفاعه،العديد من الفخاخ مستقبلا.فكلمة السواء في صياغة مداخل موازين القوى للحل السياسي،لها مقتضاها في مدونة سلوك النضال الجمعي، كما الالتزام الفردي. فيوم أرى اعزي أحمد يحتسي القهوة مع الرفيق علي بلمزيان والدكتور التدموري، وأراه، أيضا، في مكتب الأستاذة أمينة بوعياش والأستاذ شوقي بنيوب،وأرى التدموري رفقة الدكتور النشناش،في عكاشة، سأكون حينئذ متفائلا جدا.
وسأذكر ناصرا بما ينسب إليه قوله:"يجب أن نكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا لإيصال المركب إلى بر الأمان"، لعله يجعل مسؤوليته ضمن مسؤولياتنا الجماعية.