الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: نحن وفنزويلا

نوفل البعمري: نحن وفنزويلا نوفل البعمري

جميعنا نتابع بالكثير من الانتباه التطورات الأخيرة التي تشهدها فنزويلا، وهي تطورات تعيشها بعد بناء نظام تجاوز المرجعية الإديولوجية الاشتراكية وعمد إلى تحويل فنزويلا من بلد كان يعيش على إيقاع الثورة إلى بلد شمولي ابتلع فيه حزب الرئيس كل بنيات الدولة الفنزويلية ومختلف وسائطها، حتى أنه حول فنزويلا إلى سجن سياسي كبير، خاصة مع فشل النموذج الاقتصادي الذي بناه داخل البلد، وهو فشل ليس فقط لنموذج اجتماعي أو فكري، بل لنظام سياسي حول فنزويلا إلى دكتاتورية مكنته من التحكم في مؤسسات الدولة وفي التحكم في نتائج الانتخابات، حتى قبل صدورها، أقصى من خلالها المعارضة، وخارجيا ظل مصطفا ضمن المحور الإيراني-الجزائري الذي يتدخل في كل النزاعات لمحاولة إضعاف الدول التي لا تسير على نهجهم.. وهنا يمكن القول إن ما تشترك فيه إيران والجزائر وفنزويلا هو معاداتهم للوحدة الوطنية للمغرب، سواء من خلال محاولات تسليح البوليساريو، أو من خلال دعمها سياسيا وماليا وأمميا، في محاولات كلها انتهت بالفشل، بفضل قوة ومصداقية الطرح المغربي.

 

فنزويلا اليوم ليست هي فنزويلا التي أعلنت بداية 2003 عن ميلاد نظام ثوري، تقدمي، وليست فنزويلا التي اكتشفت شخصيا جانبا منها سنة 2005 عند مشاركتنا إلى جانب الشبيبات المغربية في المهرجان العالمي للشباب والطلبة.. فهذا البلد أمام انحراف سياسي عن منطلقات الثورة، أمام نظام أدى بعد خمسة عشرة سنة إلى تحكم الجيش الفنزويلي في مؤسسات الدولة وفي العملية السياسية هناك؛ فجل المشاريع الكبرى، خاصة النفطية، يديرها جنيرالات الجيش الفنزويلي، الذين حولوا مادوروا إلى مجرد واجهة سياسية لهم، وهو ما يفسر بطء عملية الانشقاق داخله.

 

إن واحدة من أوجه رفض الشعب الفنزويلي لمادوروا هو تصويته القوي على المعارضة، مما مكنها من رئاسة البرلمان الفنزويلي الذي يظل المعبر الطبيعي والحقيقي لإرادة الشعب، بعد أن هيمن الجيش على الانتخابات الرئاسية وتحكم في نتائجها لصالح مادوروا الذي رفض الاعتراف بصوت الشعب في البرلمان، منتهيا بإعلان غوايدوا نفسه رئيسا على فنزويلا بدعم من البرلمان.. إننا أمام حالة انقسام حادة مؤسساتية وسياسية، الأكيد أنها ستنعكس على الشارع الفنزويلي وستقوي من حالة الاستقطاب داخله.. وإذا كان الجيش من الصعب الرهان عليه لأنه متورط مع مادوروا في بناء نظام سياسي فاسد ودكتاتوري أجهض حلم بناء نظام ثوري، تقدمي حقيقي، خاصة عند مرض الرئيس السابق هوغز تشافيز، حيث استغلوا الفرصة للسيطرة على الدولة وحزب الدولة الحزب الاشتراكي الفنزويلي.

 

المغرب طبعا تصرف بحكمة عندما وقف في الوسط ولم يسارع إلى الاعتراف بغوايدوا رئيسا لفنزويلا رغم أن له جل الأسباب الذاتية والموضوعية للاعتراف بزعيم المعارضة كرئيس لفنزويلا، فهذا الأخير أعلن عن مراجعته لعلاقة بلده مع الكيان الوهمي، مادوروا قام بكل المناورات في الأمم المتحدة للتشويش على المغرب، ناهض وحدته الترابية والوطنية، أعلن غير ما مرة علانية عن عدائه للمغرب، مصطف بجانب خصوم المغرب، احتضن جبهة البوليساريو... رغم كل ذلك المغرب تصرف بحكمة دبلوماسية وانتظر إلى أن يحسم الشعب الفنزويلي المعركة المؤسساتية ليصطف إلى جانبه.. مع ذلك على المغرب الدبلوماسي أن ينتبه إلى مواقف شركاء المغرب؛ فالاتحاد الأوروبي أعلن رسميا اعترافه بغوايدوا رئيسا لفنزويلا؛ المغرب رغم تريثه الإيجابي ليس عليه التأخر في الاصطفاف إلى جانب أصدقائه وإلى جانب الديموقراطية البرلمانية التي توجت غوايدوا رئيسا للبرلمان الفنزويلي المعبر عن الشعب وعن سلطته الحقيقية.

 

طبعا لسنا أمام دعوة تزكية للانقلاب، لأن من يقوم بالانقلاب هم الجيش والعسكر، في حالة فنزويلا هناك صوت الفنزويليين تم التعبير عنه أثناء تزكية المعارضة الليبرالية كصاحبة السلطة على البرلمان، على عكس مادوروا المنتخب بفضل تصلب المحكمة الدستورية التي هو من عين قضاتها وجزء منها هم ممثلي الجيش، كما أن التموقع ضمن خانة معارضة مادوروا لا يعني الاصطفاف إلى جانب الإمبريالية، لأن الصراع هو صراع سياسي داخلي، وغوايدوا حاز على ثقة الفنزويليين ولم يصل لرئاسة البرلمان الفنزويلي على دبابة، بل من خلال صندوق الاقتراع؛ كما أن النظام الذي تم بناؤه هو نظام إن كان يتغنى بشعارات ثورية، فهو نظام استبدادي، شمولي، غارق في الفساد، لم يحقق أي رخاء للشعب الفنزويلي ولم يبن طبقة بروليتارية قوية اجتماعيا، بل سلم فنزويلا للجيش وحول الدولة إلى ملحقة به.

 

الصراع الدائر هناك لا يمكن مقارنته بما حدث مع سالفدور اليندي الذي تدخل الجيش بدعم خارجي لإسقاطه، لا مجال للمقارنة بينهما، بين أليندي الاشتراكي-الديموقراطي ومادوروا الدكتاتوري.