الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

فريد الحمديوي: رحلة في زنازن معتقلي الريف بعكاشة (2)

فريد الحمديوي: رحلة في زنازن معتقلي الريف بعكاشة (2) فريد الحمديوي

يوثق الناشط الحقوقي، فريد الحمدوي، زيارته رفقة عائلات معتقلي الريف، لسجن عكاشة أثناء تفقده معتقلي حراك الريف، بكل التفاصيل والجزئيات، تنشرها جريدة "أنفاس بريس" الإلكترونية في حلقات. وفي ما يلي ننشر الحلقة الثانية:

 

"حين التحق بنا آخر أفراد عائلات المعتقلين، بقاعة الانتظار الأخيرة، بدأ حراس السجن ينادون على أفراد العائلات مع التحقق من هوياتهم كآخر محطة للتفتيش والتأكد من أسماء الزوار وعلاقة القرابة التي تجمعهم بالمعتقلين، حين ينتهي الموظف من عملية التحقق، ويقوم بالمعملية حوالي 5 حراس عند باب حديدي محكم الإغلاق، لا يسمح بأن يمر عبره أحد حتى يتم الانتهاء من العملية، ثم يقوم أحد الحراس بتوجيه كل عائلة إلى القاعة التي ستجرى فيها الزيارة..

 

فغالبا ما يتم توزيعنا على قاعتين، قال لي أحد الحراس: عائلة الحمديوي، القاعة أربعة.. نجد عند باب القاعة حراسا آخرين في الانتظار، يفتحون الباب بمفتاح حديدي كبير.. في الغالب، نكون في انتظار نزول المعتقلين إلى القاعة، لكن هذه المرة كان المعتقلون في انتظارنا، وكان أول من عانقته هو الحبيب الحنودي، الذين كان ينتظر عائلته وأطفاله الثلاثة، عانقته عناقا حارا، كانت زوجته لم تلتحق بنا بعد، حيث وصلت متأخرة، بعد السؤال على أحواله، انتقلت إلى محمد جلول، الذي كان مصابا في يده اليسرى، يعانق ويبتسم ابتسامة لا تفارق محياه. كنت أبحث عن يوسف الذي اشتقت إليه، اضطررت إلى السلام على كل المعتقلين المتواجدين بالقاعة، يتقاذفنا العناق الحار، ويسود القاعة جو من الدفء العاطفي، يمتزج بدموع الأمهات فرحا باللقاء، وصراخ الأطفال وضجيج الأبواب الحديدية التي تفتح وتغلق في كل حين..

 

حين وصلت إلى ربيع الأبلق، والذي لم ألتق به منذ آخر زيارة لي له، بعد ثلاثة أشهر من اعتقاله، وكان حين ذاك في إضراب عن الطعام منذ ما يزيد عن الثلاثين يوما، سمحت لي إدارة السجن بزيارته في مكتب خاص رفقة الزميل نجيم حيدوش وبعض أعضاء المجلس الوطني ودكتور خاص، كانت الزيارة حين ذاك من أجل أن يوقف إضرابه عن الطعام، خوفا عليه، وخوفا على تأثير ذلك على صحته.. إضافة إلى أن إدارة السجن وضعته في مصحة السجن لمدة طويلة، حرمته من الالتقاء بعائلات المعتقلين، باستثناء عائلة أحمجيق وجلول الذين وضعوا معه في نفس المصحة في تلك الفترة قبل تجميعهم في الجناح 8.

 

قلت له وأنا ألمس وجنتيه، وأنا أضغط عليهما برفق:  Teggid tigalluzin a rabi3 inuأجابني باستحياء وهو يتكئ على نظارتيه: الحمد لله، لقد أصبحت أزن الآن 80 كلغ، وأنا في صحة جيدة. قلت له: عليك أن تزيد في الوزن أكثر وتصل المئة.. أجابني ضاحكا: لا أرغب في وزن إضافي، لكن لماذا المئة يا صديقي؟ قلت له مازحا: حتى إذا خضت إضرابا آخر عن الطعام، فستجد ما تنقصه من وزنك.. فأطلقنا ضحكة وضربني بلكمة خفيفة على كتفي، ثم ذكرته بآخر زيارة رأيته فيها، فقال إنه يتذكر كل شيء، وشكرني على ذلك، طالبا مني أن أسامحه على عناده الشديد في تلك المرحلة.

 

كان حظي هذه المرة أفضل، فقد جالست نبيل أحمجيق، هذا الشاب النبيل حقا، باسم على مسمى، تذكرنا بعض اللحظات السعيدة التي قضيناها معا حين كنا نعزف له على القيثار شعار الحراك: "خرجنا واحتجينا"، وكان يغني الشعار/ الأغنية بصوته الرائع، استحضرنا الأصدقاء الذين اشتاقوا إليه بعد أن بلغت له سلامهم، قال لي: إجلس هنا بجانبي ولا تتحرك من هنا حتى تصل عائلتي التي تأخرت في الدخول.. فعلت ذلك فغصنا في الكلام كطفلين بريئين يلتقيان لأول مرة.

 

مرت لحظات وأنا لم أر بعد يوسف، هذه النحلة الثقيلة وزنا والخفيفة حركة، حين رأيته بين الزحمة ارتمى علي معانقا، لقد اشتقت إليه كثيرا، بدأت أتأمله وألمس جسده، عساني أكتشف خللا فيه، أدقق في كل شيء، تخوفا من أين يكون به شيء يخفيه عنا، لاحظ ذلك بدوره وقال:  aqay mlih a 3zizi أجبته: أردت أن أتأكد بنفسي حتى يطمئن قلبي..

 

بعد مرور مدة وجيزة، اختفى كل من الحبيب الحنوذي ومحمد حاكي، بعد أن أمرهما حراس السجن بالالتحاق بالقاعة 1، ليقوموا بالزيارة رفقة ناصر الزفزافي وجواد بنزيان.. ليبقى باقي المعتقلين في القاعة 4، حيث يتواجد كل من جواد الصابري، محسن أثاري، وسيم البستاتي، صلاح لشخم، حسين الإدريسي، بلال أهباض، إلياس حاجي، فؤاد السعيدي، بوهنوش، محمد الأصريحي، وبوحراس، اعماروش، إبراهيم أبقوي، اليسناري.

 

أصبح وزن يوسف مثاليا، فقد كان قبل اعتقاله، كتلة من اللحم، ثقيل الوزن، قصير القامة، قال لي بأنه يقوم بحمية غذائية خاصة حتى لا يزيد وزنه، سألته عن أحوال دراسته، وامتحاناته التي اجتازها منذ أيام، وكان آخرها يوما واحدا قبل الزيارة، أجابني: اجتزت امتحاناتي داخل السجن، وكان الأساتذة الذين يحضرون لحراستي يقومن بواجبهم، أنهمك في الإجابة على أسئلتي، لقد ارتحت كثيرا بعد أن كنت مشغولا جدا، إلى درجة أنني لا أجد الوقت الكافي.. قاطعته ضاحكا: أنت في السجن ولا تجد الوقت الكافي؟؟؟ أجاب بدوره ضاحكا: نعم، معتقل معندو بوالوقت...

 

كنت خائفا جدا على يوسف، من أن يغلبه السجن، خصوصا وأنه كان يعاني من رهاب الأماكن المغلقة، كنت خائفا عليه إلى درجة جعلتني أتوقع خبر إصابته بهيستيريا غضب أو عنف شديد قد تنتابه من جراء ذلك، فكانت نصيحتي الأولى له  في أول لقاء لي معه بعد أسابيع قليلة من اعتقاله بأن لا يضع السجن في قلبه، وأن يكون دائما خارج السجن، وأن يشغل وقته بالدراسة أو تعلم أية حرفة يدوية كيفما كانت.. وقلت له أن القنوط فكرة تحملها في دماغك وليست أبدا شيء ماديا يجلس بجوارك، فحتى إن كنت في جنان الله الواسعة، إن لم تكن سعيدا هناك، فسيغزوك اليأس والقنوط، وحتى إن كنت في السجن فستراه بعين الأمل إن كنت ترغب في الصمود والبقاء سليما وعلى قيد الحياة.. قال لي وهو يعانقني: مازالت النصيحة التي أعطيتها لي في أول زيارة ترن في دماغي، وهي التي جعلتني أحس بأنني "معندي بوالوقت"..