الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: درس مجاني " للملهوط " بنكيران في معنى المعاش الإستثنائي وقيم اليسار

عبد الغني السلماني: درس مجاني  " للملهوط " بنكيران في معنى  المعاش الإستثنائي وقيم اليسار عبد الغني السلماني
لم يعد في هذا العالم الإفتراضي ما يُغري على المتابعة والنقاش، ما دام "الزعماء" اختاروا لغة الدواب " ما فوق الحمار وتحت البغل " شرف الله قدركم مع تقدير كبير لمهام البغال والحمير؟ إنه التشويه المقصود للفكر والإختيارات والبرامج، ربما فيديو تافه يبرر الريع والمصلحة أصبح أكثر مشاهدة وتتبع من نقاش حول النمودج التنموي المنشود مثلا كموضوع التقاعد، الغلاء، قانون المالية وغيرها من المواضيع التي ترتبط بالسياسات العمومية وتدبير الموافق الهامة للدولة .
 لكن صاحب الخطاب وهو رئيس الحكومة السابق السيد بن كيران، وهو أدرى بدوغمائيته المريبة ومصلحيته المقيتة بشأن الأفكار المؤسسة لمشروعه السياسي. المبني على الإلهاء ودغدغة عواطف الناس قصد  تبرير ريع مهيكل، والإستعداد للإبتزاز كلما توفرت الشروط لذلك.

أكيد هذه الغنيمة الجديدة  أسالت الكثير من المداد، والغريب من  أقلام عُرفت أنها تدافع عن القيم والمواطنة، لكن  حرصها هو تبييض وتبرير سلوك "الزعيم  " وهو يشكي ويتباكى، لم يترك فرصة للمعطلين والمشردين والفقراء والمساكين فرصة التسول والبحث عن الحقوق . الآلة الإعلامية  والذباب الإلكتروني يشتغل من أجل نُصرة الزعيم واللعب  بمشاعر المواطنين للنيل من رمزية الفعل السياسي النبيل والمتميز، وتستحضرني هنا فكرة ما نشر عن الأستاذ عبد الله ابراهيم  الذي رفض التعويض والمعاش الإستثنائي الذي قدر بالملايير هكذا تكون قيم اليسار، ويكفي أن تقوموا بالمقارنة  وكيف تحضرني فكرة للكاتب الكبير عبد الرحمان منيف  الذي اشتغل كمترجم للوصفات الطبية لكبريات الشركات العالمية للأدوية إلى العربية ليشتغل لاحقا في نفس المؤسسة كخطاط يكتب لافتات الشوارع و الأزقة بخط عربي أنيق، إنها الكرامة واليناعة التي تُعلم الناس معنى العمل وقيمته وهناك شخصيات كبرى رؤساء حكومات في دول غربية رجعوا إلى مهنهم بعد نهاية ولايتهم . لكن أتفهم وضعية السيد بن كيران رأسماله الكلام والعمل يتطلب مهارات وقدرات من هي الشركة أوالمقاولة التي تضع الثقة في الزعيم من أجل تسييرها وتدبير شؤونها ؟

 ولهذا اخترت تعريف معنى اليسار، والوقوف على خلفياته ودلالته في ذِكرى للماسكين على الجمر، وتَذكر للشامتين بأن هذا الفكر من مُخلفات الحرب الباردة والمعسكر الإشتراكي.
في تحديد مفهوم اليسار يبقى الإشكال قائما مادام هذا الفكر قد تعرض إلى كل أشكال الطمس و التشويه، لكن يبقى من أهم القضايا التي يدافع عنها اليسار التزامه بالتغيير وانحيازه إلى الفئات الاجتماعية المستغَلة والمهمشة، إنها الفئات الحاملة لمشروع اليسار والمدافعة عنه والفاعلة في إنزاله على أرض الواقع. ففي كلاسيكيات الفكر الماركسي، تعتبر الطبقة العاملة القوة الأساسية الحاملة للمشروع الفكري بحكم موقعها في الإنتاج، وهي الطبقة النقيض للبرجوازية ومشروعها المجتمعي المبني على استغلال قوة العمل وتحويل الفائض الاقتصادي لصالح من يتحكم في الرأسمال. ربما هذا الفكر في اعتقاد الكثير لم يعد قادرا على إقناع الناس بفلسفته المؤهلة على تفكيك بنية الإستغلال وأشكاله.
إن تجديد مفهوم اليسار لا يعني القطيعة المطلقة بين يسار جديد ويسار قديم. ومن العبث أن يتنكر جزء من اليسار لمرجعية اليسار وتاريخه في بناء الأوطان وتحرير الشعوب، إنه تاريخ كفاحي واسع صاغته أجيال من الحالمين بمجتمع تنمحي فيه الطبقات وتسود فيه العدالة . لذلك اليسار لن يموت قد يفشل ويتوارى وتدبل بعض أغصان أشجاره لكن سرعان ما تتجدد بفعل التربة التي تثبت جدوره، وإذا كان من أسباب تراجعه بفعل الآلة الرأسمالية التي شوهت نبله بدعم ورعاية من قبل حركات رجعية نكوصية تمكنت من احتلال الفضاء العام ومارست النصب على الذاكرة والتاريخ من أجل مصالح آنية برغماتية، لكن الذي يثق في التاريخ ومستقبل الشعوب أن لكل زمن حركاته المختلفة، التي تختار مضامين فكرها اوخطابها السياسي والثقافي وهمومها الاجتماعية ومن هنا ستأتي فكرة الدعوة لبناء يسار ديمقراطي للألفية الثالثة. منفتح على منجز الفكر الديموقراطي والحداثي وكل اجتهادات اليسار بأشكاله .
وهذا ما يجعل التاريخ يحتفظ ويُقر إن الدلالة الأخلاقية لليسار تشمل مكافحة أشكال الفساد السياسي .....  والانتصار إلى مبادئ الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان .

كما تمتد إلى تربية الأجيال على قيم العدالة والمساواة والتضامن والنزاهة والشفافية والحرية والمسؤولية والجرأة والحفاظ على البيئة.
فقوة اليسار ليست في تغيير النظام الاجتماعي فحسب، بل هي أيضا قوة في تغيير قيمه وثقافته والبحث عن كل مكامن التحرر في الذات والمجتمع، ربما هو رهان كبير لكن يتحقق بالتراكم والعمل المستم، لأن الإنسان في مشروع اليسار مركز معركة التغيير الشامل في كل الأبعاد، و الإنسان كما يقول هيجل غاية في ذاته ولا يمكن استغلاله كوسيلة.