الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

عبد الوهاب تدمري: في صعوبات الانتقال إلى الديمقراطية (2)

عبد الوهاب تدمري: في صعوبات الانتقال إلى الديمقراطية (2) عبد الوهاب تدمري

تشرع جريدة "أنفاس بريس" في نشر حلقات من مقال تأملي للباحث د. عبد الوهاب تدمري بعنوان: "في صعوبات الانتقال إلى الديمقراطية"، وهو قراءة مستفيضة ناقش فيها كاتب المقال وجهة نظره وأفكاره وتحليله الشخصي للواقع السياسي وما يرشح به من تناقضات واشتباكات وتعقيدات.

أ/ الدولة المخزنية:

بما تشكله من إرث تاريخي يمتد لقرون من الزمن، تأقلمت خلالها مع كل الظروف، واجتازت الكثير من الاختبارات الصعبة، حافظت عبرها على استمراريتها ونسجت الكثير من العلاقات الاجتماعية والسياسية، وبنت الكثير من الولاءات باستعمال مختلف الوسائل التي تتراوح بين الترهيب والقوة من اجل اخضاع المجتمع او من تعتبرهم خارجين عن طاعتها لسيطرتها المطلقة، والترغيب في حالات أخرى باعتماد كل أشكال الريع، وشراء الذمم.. كما أن هذه التجربة العريقة للدولة المخزنية هي من حال دون سقوطها في الكثير من المحطات التاريخية، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما استشعرت ضعفها فوضعت مصيرها بين يدي القوى الاستعمارية من خلال وثيقة معاهدة الحماية التي كان من بين بنودها حماية العرش والسلطان. ومن أجل ذلك وفي انسجام تام مع طبيعة النظام السياسي المغربي، انتدبت الدولة الاستعمارية الفرنسية الجنيرال ليوطي المعروف بموالاته وحنينه، لعصر الملكية الفرنسية، مقيما عاما على المغرب لوضع أسس الدولة المغربية الحديثة التي جمع من خلالها بين أعراف الدولة المخزنية ومقتضيات الدولة اليعقوبية. وذلك في توليفة هجينة تجمع بين التقليد والحداثة. وكذلك فعلت الدولة المخزنية في مرحلة بدايات الاستقلال عندما استشعرت ضعفها، فاعتمدت هذه الأخيرة على أقطاب الحركة الوطنية المتشبعين بالموروث المخزني من أجل ضمان استمراريتها بالشكل التي هي عليه الآن، وذلك عندما أجلت هذه الأقطاب التي حضرت اتفاق "اكس لبان" النقاش حول المسألة الدستورية إلى حين عودة السلطان من المنفى، واكتفت في مقابل ذلك ببعض الامتيازات السياسية والاقتصادية. وهو ما أعطى نفسا جديدا للدولة المخزنية من أجل استعادة عافيتها وإعادة فرض سيطرتها من جديد والتحكم في الشأن السياسي والاقتصادي. ونتيجة لذلك عمدت في مرحلة لاحقة إلى اقصاء حتى من وقفوا إلى جانبها في مرحلة ضعفها، وذلك من أجل فرض سيادتها على الجميع بعد تنصلها من التوافقات السياسية السابقة التي كانت تحكم علاقة الطرفين. بل أكثر من ذلك عمدت إلى هندسة مشهد حزبي وسياسي جديد، خاضع كليا لإملاءاتها، ولا يمن عليها وقوفه معها، ولا يربط مشروعيته بمشروعيتها كما كانت تفعل قوى الحركة الوطنية. وكذلك تفعل الآن بعد أن اشتدت الأزمة واستفحل الفساد بكل أشكاله نتيجة هذا التحكم المطلق بالشأن السياسي والاقتصادي ووصل المجتمع إلى ما وصل إليه من احتقان يكاد يعصف بالجميع، وبدل البحث عن مخرجات الحل من خلال تعاقدات سياسية تأخذ بعين الاعتبار المطالب المشروعة للشعب المغربي في الحرية والتنمية والديموقراطية و تضمن الخروج الآمن للمغرب مما هو عليه من أوضاع، عمدت الدول المخزنية من جهة إلى اعتماد الآليات الزجرية والقمعية من اجل اخضاع المجتمع بالقوة لسيطرتها هذا دون أن تستوعب التحولات الإقليمية والدولية ولا تلك التي شهدها المجتمع المغربي الذي تجاوز مركب الخوف واستفاد مما راكمته شعوب العالم من اشكال جديدة للمقاومة و بكل ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانيات هائلة لنشر المعلومة و التأطير والتعبئة الفردية والجماعية . إن هذا التمادي في انتهاج نفس المقاربة في الحكم والسلطة منذ الاستقلال إلى الآن وعدم الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي ومحيطنا الإقليمي والدولي يعكس بما لا يدع مجالا للشك تغول التوجه المخزني الأصولي وهيمنته على مفاصل الدولة على حساب ما يعتبر توجها حداثيا من داخلها ، الموروث عن الحقبة الاستعمارية .كما أن هذا التغول هو ما يفسر تماديه في استعمال الأساليب التقليدية في الحكم من أجل التحكم والإخضاع تحت يافطة استعادة هيبة الدولة. كما انه ومن اجل ضمان هذه السيطرة التي يبدو ان الاساليب القمعية وحدها لم تعد مجدية لإحقاقها. فإن هذا التوجه المخزني المحافظ لن يتوارى من جهة أخرى في رهن البلاد للوبيات المالية العالمية، ونسج تحالفات مع من يمكن أن يؤمن هذه السيطرة من داخل المجتمع المغربي حتى وإن كان محسوبا على حركات الإسلام السياسي وتفرعاتها الأصولية، التي تحظى بدورها بدعم مباشر من طرف قوى الرأسمال العالمي، التي تدعمها من أجل تبوؤ مراكز الحكم والسلطة ما دامت تستطيع ضبط حركة الشارع وضمان الاستقرار اللازم لاستمرار مصالحها الاستراتيجية ولا يهمها في ذلك مصلحة الشعوب في الحرية والديمقراطية والتنمية.