الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: اليسار قام بمراجعات فكرية والدولة لم تحدث نفسها 

مصطفى المنوزي: اليسار قام بمراجعات فكرية والدولة لم تحدث نفسها  مصطفى المنوزي

في بداية المسلسل الديموقراطي الموؤود تخلى اليسار المؤسساتي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية، المحظورين، عن الازدواجية في الخطاب والفكر والممارسة، إلى درجة تغيير الاسم والاستراتيجية إلى حد ما، باسم الوضوح الايديولوجي..

وبغض النظر عن ثمن التضحيات والمراجعات المكلفة، فقد صار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، التعبير السياسي للجماهير الشعبية، في حين ظلت فلول الحركة الماركسية اللينينية في السجون والمنافي، إلى جانب الرفاق/ الخصوم من امتدادات الحركة الاتحادية.. وترتب عن خيار الصراع الجديد تفاعلات وتداعيات، لم تصمد بالضرورة وفق ما تمناه مهندسو استراتيجيا النضال الديموقراطي، حيث صارت الواجهة الانتخابية استراتيجية، وتحولت الأحزاب وكالات مختصة في إعمار المقاعد التي "لم تكن تهمنا"، وصار البعد الاجتماعي في الهوية الحزبية مجرد تكتيك يستعمل في المحطات الانتخابية وقودا لّإحراق ما تبقى من جوهر في العمل الجماهيري العميق؛ واستعملت المنظمات الجماهيرية أوراقا للضغط والتفاوض إلى حد التسوية.

جرت مياه كثيرة تحت القنطرة، فصرف المناضلون والمناضلات فعل دخل خرج من أحزابهم، والوصوليات والوصوليون فعل طلع نزل، وظل الشرفاء ضحية أعطاب الماضي وسوء تدبير الصراع السياسي والفكري، وها هو المغرب الجديد في عهده الجديد يكرر نفس المؤشرات والاختلالات والإحباطات، رغم تضخيم الوعود والانتظارات باسم الحقيقة والمصالحة.. فقد أجهض التناوب رغم تأسيسه على التوافق، وعادت المحافظة والتردد إلى المشهد، ضدا على تيار "ربيع  الثورات"، ورغم بعض إيجابيات الإصلاح الدستوري والمؤسساتي.. وكنا نشتكي من هيمنة الأصولية الدولتية ومن تداعيات صعوبة الانتقال الدمقراطي، واليوم صرنا متوجسين من استحالة الانتقال السياسي نفسه.

وعوض التحرر من هيمنة السياسي على الثقافي، تحول المشهد لحلبة صراع بين الاصوليات، في حين ظل حلم اليسار يراوح مكانه بتمثلات الماضي "المجيد"، فطغت عروض وتنافس الشرعيات التاريخية والدينية على أسئلة المشروعية (دمقرطة التشريع وصناعة القرار الأمني والسياسي) وسيادة القانون واستقلال القضاء... وقدر على الجميع أن يتوسل دولة القانون لانعدام شروط دولة الحق.. فالسياسة صارت فريسة للمال والدين، وهما آليتان في يد السلطة التنفيذية برأسيها، وبذلك تم تتويج الثقافي في ذيل المهام والاهتمامات، وتبادل المفكرون الاتهامات والمساءلات، دون تشخيص حقيقي لمصير الوطن ورهاناته، ليطرح أمام الجميع أكبر تحد تجاه مثقفي الدولة ويساريي اليمين الرجعي أن يرفعوا إيقاع النقاش إلى مستواه المنشود، بطرح قضايا الحرية بعيدا عن أي نرجسيات جماعية.

والسياق يتيح حاليا إمكانية إعادة بسط مطلب حرية الفكر والمعتقد، والذي لا يمكن فصله عن مطلب مدنية الدولة، مادامت الدولة ومؤسساتها الدستورية مترددة وفاشلة في التحرر من التقليدانية ومن المحافظة  ذات اللبوس اللبيرالي في مجال المال والاقتصاد دون الفكر والاجتماع.