Thursday 16 October 2025
Advertisement
مجتمع

المطالب العشرة لمحام في مواجهة إدارة الضريبة

المطالب العشرة لمحام في مواجهة إدارة الضريبة محمد الشمسي، محام بهيئة المحامين بالدارالبيضاء

مساهمة مني في إغناء النقاش ، بعد الخلاف حول مقترحات إدارة الضرائب الذي عرضته على أهل المهن الحرة وأخص بالذكر المحامون والموثقون ، وبعد عشرات البلاغات والبيانات التي تأرجحت بين الدعوة لـ"ضبط النفس" وأخرى تهدد بالمسيرات والوقفات ، كان لابد من تعميق النقاش والمساهمة فيه بدل انتظار ما سيسفر عليه القادم من الأيام .

أود أن أشير إلى أنه ليس لي أي مطمح انتخابي مهني ، ولا حساب سياسي ، فأنا عازف عن الاثنين معا ، لأسباب ليس زمكان بسطها ، ولو أن الطموح الانتخابي المهني حق مشروع ، شأنه شأن العمل السياسي ، فأنا أشدد على تنازلي عن الحقين معا ، وعليه فمساهمتي لا أبغي من ورائها الركوب على موجة ، أو كسب شهرة ، أو شق صف ، أقول قولي هذا لأبرأ بنفسي من كل وصف .

أولا : مخطئ من يعتقد أن المحامين والمحاميات يطلبون من الدولة إعفاءهم أو استثناءهم من تحملهم الضريبي ، فالمحامي والمحامية في طليعة أعداء الريع ، وفي مقدمة المنادين بسواسية الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات ، لذلك لا يجهل علينا بعض الجهلة ويقذفوننا بما ليس فينا ، فنحن مستعدون ليس فقط في تحمل أعباء الدولة ماليا ، بل مستعدون لهجر مكاتبنا وحمل السلاح دفاعا عن وطننا ، ونحن ندافع عنه في كل ملف ، في كل جلسة ، عندما نساهم في تطهير المساطر ، وتتبع الملفات ، ومساعدة القضاء في تحقيق العدل والإنصاف المرتبطين بتحقيق الأمن والاستقرار في البلد ، أليس "العدل أساس الملك".

ثانيا : ما نود أن نطرحه ونشدد عليه أنه حان الوقت للمحامين والمحاميات كي يعرضوا على الدولة وضعياتهم ، ويذكرونها بتخلفها عن القيام بواجبها تجاههم ، وإهمالها لهم ، وهم الذين يساهمون في تحقيق أركان المحاكمة العادلة ، التي باتت عاملا في تبييض وجوه الدول في المحافل الدولية ، وأود في النقطة الثالثة هذه ، أن استعرض جليل الخدمات التي يقدمها  المحامي والمحامية للدولة بدون جزاء :

1\ أفنى المحامون والمحاميات أعمارهم على مر الأجيال الماضية ولا يزالون يؤازرون عددا من المتهمين الرشداء والقاصرين ممن تكون مؤازرتهم بواسطة محام إجبارية ، ولا يمكن مناقشة الملف ولا حكم القضية بدون محام أو محامية ، فكان المحامون والمحاميات يتطوعون وأقول يتطوعون للقيام بتلك المهام بشرف وإخلاص ، تيسيرا للسير العادي للملفات والبت فيها في آجال معقولة ، قبل تحديد أتعاب تلك المساعدة القضائية في مبلغ زهيد قدره 2500 درهم طيلة مرحلة من مراحل التقاضي وفي ملف جنائي قد تصل عدد جلساته الى 80 جلسة ، وهنا يبرز التناقض بين دولة بإمكانياتها الضخمة تمنح محاميا 2500 درهم في ملف قد يبقى معروضا أمام المحكمة لسنة كاملة ، وبين ما تقترحه إدارة الضرائب على هذا المحامي من مقترح .

2\ يتطوع الكثير من المحامين والمحاميات للدفاع عن مصالح عدد من الفئات الهشة والتي تعاني الحاجة ، مثل المطلقات والزوجات اللواتي يمسك الأزواج على الإنفاق عليهن وعلى أبنائهن ، وحتى رهان المحامي او المحامية على تنفيذ الأحكام في آخر المسطرة لتحصيل الأتعاب قد يقابله امتناع المنفذ عليه واختياره للاعتقال بدل الأداء ، ثم هناك أحكام تنتهي بمحاضر امتناع ولا يمكن حتى سلك مسطرة الإكراه البدين فيها ، وتبقى أتعاب المحامي معلقة .

3\ يتطوع المحامون للدفاع سواء مؤازرة للمتهمين أو حماية لمصالح الضحايا في عدد من الملفات الكبيرة ذات الصبغة المرتبطة بالسياسة أو الصحافة أو حرية التعبير أو حالة القاصرين الجانحين ، كل ذلك يكون بدافع اجتماعي إنساني قد لا تؤمن به إدارة الضرائب لكن الدولة تخصص له وزارة خاصة .

4\ يسهل المحامون والمحاميات أعباء كثيرة على جهاز كتابة الضبط بمختلف المحاكم ، ويساعدون القضاء في تجهيز الملفات ، واستيعاب جوهرها ، ولفت الانتباه إلى كل خلل مسطري ، وكل ذلك قصد إحقاق الحقوق ، بإصدار أحكام تكون عنوانا للعدالة ، عن طريق تقديم المقالات والمذكرات والمرفقات في أحسن حلة .

5\ يساهم المحامون في تدوير عجلة الاقتصاد ، عن طريق إنعاش عدد من المهن المرتبطة وجودا وعدما بمهنة المحاماة ، ثم إنهم يشغلون عددا من الكتاب والكاتبات ، ومن المكاتب من يشغل عددا من المحامين والمحاميات الذين لم تسعفهم الظروف المادية على الاستقلال في مكاتب خاصة بهم ، وهي مكاتب تخفف من هول مشاكل المهنة باحتواء هذا الصنف من المحامين والمحاميات .

6\ يساهم المحامون والمحاميات بواسطة هيآتهم المهنية على نسج علاقات وفتح قنوات التواصل مع هيآت مهنية في دول أخرى ، مما يجعل من المحاماة سفارة مهنية ، تسعى إلى نهج سياسة الانفتاح ، أو ما يمكن تسميته ب"الديبلوماسية المهنية" ، سيما مع عقد الندوات والمؤتمرات ذات الصيت المهني العالمي سواء في المغرب ، أو بمشاركة هيآت مغربية في الخارج .

ثالثا: بالمقابل لا يحظى المحامي او المحامية بأي دعم من طرف دولته ، حتى جاز وصف علاقة الدولة بالمحامين وبالمحاميات أنها علاقة تهميش وإهمال ، فباستثناء تنظيم وزارة العدل لامتحان ولوج المهنة ، فإنه ومنذ تاريخ تفوق المرشح وتسلمه لشهادة النجاح تختفي الدولة تماما من حياته وتتركه يتخبط ، ما بين التزام مهني وأخلاقي يفرضه عليه القانون والأعراف ومدونة السلوك ، وما بين ضغط الحاجة وقلة التكوين اللذان قد يجرانه نحو سكة الانحراف ، فالدولة لا تساهم في تكوين وتدريب المحامين المتمرنين ، ولا في التكوين المستمر للرسميين ، وهي قبل ذلك لا تدعم المرشح حتى بقسط من واجبات الاشتراك التي تصل إلى 100.000 درهم ، وهي لا تدعمه بدورات تكوينية وتحسيسية تطور مهارته  ، خاصة في زمن تعدد اللغات وتطور المعلوميات ، وترك الأمر في ذلك للهيآت المهنية ، ثم إن هذا المحامي او المحامية يتم السنوات الثلاث العجاف من التمرين بمنحة هزيلة ، تقابلها أعباء ثقيلة ، ويتم ترسيمه في جدول الهيئة ، ومرة أخرى تخذله الدولة حين لا تقدم له يد العون ، فلا قروض بنكية تفضيلية بضمانة شهادة نجاحه وشهادة عمله ليقتني مكتبا يمارس فيه مهنة تتطلب كثيرا من العفة والكرامة ، ويبقى المحامي والمحامية يتنقلان بين المكاتب حينا ، وأحيانا بلا مكاتب ، يتخذون من المقاهي أو السيارات فضاء للتخابر مع الموكلين بما يخل بنبل وشموخ المهنة ، لكن فوق الطاقة لا يلام الإنسان ، سيما بعد تأسيس أسرة وتراكم التبعات ، هذا المحامي والمحامية من هذه الشريحة يشكل قاعدة تكاد تصل الى النصف إلم يخني التقدير ، لكن هناك محظوظون قد يأتون للمهنة من وضع اجتماعي مريح ، يتمرنون ومكاتبهم الجاهزة تنتظرهم ، وقد يكون الأب أو الأم أو العم أو الخال محاميا سابقا فتسهل المهمة .

رابعا : تساهم الدولة بقصد أو غير قصد بإغراق المهنة بأفواج متلاحقة من المرشحين للمهنة ، في محاولة من الدولة امتصاص البطالة في صفوف المجازين ، ويتزاحم العرض على طلب هش ، والدولة غير آبهة لا بالفوج السابق ولا بالفوج اللاحق ، مستمرة في إنتاج الأفواج وإلحاقها بالمهنة ، فتستشري ظواهر سلبية ، مع تراكم المعاناة واستمرار الدولة في إهمالها وإقصائها لهذه المهنة ولأهلها .

كما تساهم الدولة وعبر القانون المنظم للمحاماة بالسماح لعدد من ممتهني بعض الوظائف أو المهن السابقة بولوج مهنة المحاماة فيزيد الضغط على مهنة لم تعد تقوى على الاستيعاب ، وبديهي أن تظهر عددا من الشوائب المسيئة لصورة المهنة ، وبديهي أن تتشكل سحب الأزمة ، التي ستمطر هما وألما .

ثم إن هذه الدولة هي نفسها لا تلتزم بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها .

ثم إن هذه الدولة لا يفرض عليها القانون تنصيب محام ، وتدافع عن مصالحها بواسطة المفوض القضائي .

خامسا : لا توفر الدولة للمحامي والمحامية تقاعدا يضمن له خريف العمر ، كما لا توفر له تأمينا صحيا يدعمه في حالة المرض ، لاسيما مع الأمراض المزمنة و الفتاكة المكلفة ماديا ، ويبقى المحامون والمحاميات يتطببون على نفقتهم بدون تغطية ولا تأمين ، ويبقون مهددين بالجوع وبالضياع مع كبر أعمارهم و انقطاع الدخل بتوقفهم عن العمل والإنتاج  .

صحيح أن مثل هذه المطالب لا يعترف بها القانون الضريبي الذي يؤمن بالدفع والأداء ، لكنها مطالب تقدم للدولة في شخص رئاسة الحكومة ، لتنكب على دراستها وتحليلها وتجد لها المخرج والمنفذ  .

سادسا : على الدولة أن تقوم بواجبها تجاه المحامين والمحاميات من حيث دعمهم في بداية مسارهم ، بتوفير وتحمل تكوينهم وتكوينهم المستمر لتطوير مهاراتهم ومكتسباتهم قصد إدماجهم في قضاء بات مرتبطا بالتطور التقني وبالانترنت وبمساطر التحكيم الدولي خاصة مع وجود شركات متعددة الجنسيات تستثمر في المغرب ، ولها مصالح ممتدة خارج أرض الوطن .

سابعا : يتعين على الدولة أن تواصل تحديث المحاكم ورقمنتها ، بما يسهل ولوج المحامين إليها ، كما عليها أن تحارب تلك المهن العشوائية التي تزاحم المحامين والمحاميات في قوت يومهم ، مثل دكاكين من يسمون بالكتاب العموميين ، وبعض المكاتب الملتبسة المهام مثل مكاتب الاستشارات القانونية ومكاتب تحصيل الديون ، كما عليها محاربة أفعال السمسرة البئيسة التي تكون على حساب القانون ، وأن تفسح المجال أمام قضاء تكون فيه الكلمة الأولى للقانون ولا شيء سواه ، فقد أثبتت بعض التجارب السوداء أن بعض الملفات يكون فيها القانون شكليا ، وأن الأحكام الصادرة فيها توجهها إلى هذه الجهة أو تلك مسالك ملتوية ، وأن المتقاضين تولد لديهم شعور بعدم جدوى تنصيب محام او محامية يتحدث لغة القانون ، وأنهم يبحثون لهم وسطاء وقد يلعب المحامي او المحامية دور الوسيط في بعض الأحيان .

ثامنا :  على إدارة الضرائب أن تقدم للمحامين وللمحاميات معايير علمية لتحديد قيمة ما يمكنهم أداؤه من واجبات ضريبية ، ويجب البحث سويا ( بين المحامون والمحاميات بواسطة هيآتهم من جهة وإدارة الضرائب من جهة ثانية )، عن صيغة يمكن اعتمادها لتحديد الواجب الضريبي ، ويمن للمحامين بدورهم الاستعانة بمكاتب خبراء ومحاسبة لتقديم عرض أو مقترح لإدارة الضرائب ، يقوم على استحضار خصوصية المهنة ومعاناة الكثير من أهلها ، وليس الاكتفاء برفض كل مقترح ضريبي .

يمكن للمحامين مثلا أن يقدموا لإدارة الضرائب محاضر الامتناع عن تنفيذ أحكام ، وكذا مقررات تحديد أتعاب ، لإثبات عدم توصلهم بأتعابهم في تلك الملفات ، مثلما تفعل شركات الاتصالات الثلاث .

تاسعا : نسخ القانون المنظم لمهنة المحاماة وصياغة مشروع قانون يعيد لمهنة المحاماة شفافيتها وحكامتها على مستوى الترشيح والتصويت وتسيير الهيئة ، نقيبا ومجلسا ، كأن يتم إقرار حق المحامي في الترشح لمنصب النقيب مرة واحدة في كل 10 سنوات ، وعضو المجلس مرة كل 5 سنوات ، بما يسمح لكل المحامين والمحاميات بأخذ فرصة التسيير ، مع إقرار المساواة والمناصفة عن طريق وضع "كوطا مهنية" للمحاميات قصد وصولهن الى منصب النقيبة أو عضوة المجلس ، تحقيقا لمزيد من الوضوح ، وتكافؤ الفرص.

عاشرا : عند فشل المفاوضات ، وعدم تجاوب إدارة الضرائب ، فلا مفر من النزول الى الشارع ، ونعلنها وقفة وطنية تاريخية ، لن ننهيها إلا بتحمل الدولة لمسؤولياتها نحو المحامين والمحاميات .

هذا ما يمكنني تقديمه لمهنة إن أعد نعمها فلن أحصيها.