الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور: الإسلام السياسي بالمغرب والإرهاب

الحسن زهور: الإسلام السياسي بالمغرب والإرهاب

الجريمة الشنعاء التي أدت ألى مقتل سائحتين أجنبيتين بطريقة وحشية تثير مرة أخرى الجانب الفكري والسياسي للجماعات الإسلامية بالمغرب، سواء الحاكمة منها أو المعارضة. هذه الجريمة البشعة، والتي تحمل في طريقة تنفيذها الصورة المقززة التي تطبع إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة، تدين مرة أخرى المرجعية الشرقية لفكر الجماعات الإسلامية بالمغرب، هذه المرجعية الغريبة عن ثقافتنا وعن تديننا المغربي.

لكن بشاعة التنفيذ المنافي لكل حس وعاطفة إنسانية لا يجب أن يحجب عنا الأسس والسبل التي أدت بمثل هذه الآلات المتطرفة إلى اقتراف مثل هذه الأعمال المقززة والهمجية.

فوراء كل فعل فكرة، ووراء كل عمل منظم إيديولوجيا أو فكر يدفع بصاحبه إلى هذه الأعمال الهمجية.

فاستغلال الدين وتوظيفه في السياسة يقف وراء هذا التطرف، استغلال الدين وتجييش الأتباع والمريدين من أجل الوصول إلى السلطة يخلق مثل هذه النماذج المتطرفة. ويكون الاستغلال هنا تكتيكا سياسيا لهذا الوصول عبر التجييش العاطفي أو استغلال الدعاة المتطرفين كوجوه انتخابية لاستمالة البسطاء و الأتباع في الإيديولوجيا.

في حالتنا المغربية، يرتدي الحزب الإسلامي قناعين مختلفين ظاهره الوسطية والاعتدال والالتزام بالمرجعية القانونية والدستورية، وباطنه أحيانا عكس ما يبديه والذي ينفلت من عقاله ليتمظهر في بعض الممارسات التي تفضح توجهه؛ وهنا لا نحكم على نوايا الحزب أو الجماعة بقدر ما نحكم عليه من خلال بعض الفلتات التي يرتكز عليه المحللون. سنعطي بعض الأمثلة فقط لتبيان هذه الازدواجية:

أولا: قدم حزب العدالة والتنمية أحد المناهضين للمرأة و الباثين للكراهية ضد اليهود السيد حماد القباج رئيس جمعية الدعوة للقرآن والسنة التي أغلقت الدولة دورها ومراكزها في مراكش بسبب إفراخها للتطرف، فقدمه الحزب للانتخابات البرلمانية السابقة كممثل له في مراكش، يخرج علينا هذا الداعية والزعيم اليوم بإدانة العمل الإجرامي لينسب أصحابه إلى المقرقبين والمرضى بدلا من إدانة الفكر المتطرف الذي يحملونه. فالفكر الذي يدعو إلى احتقار المرأة وكراهية اليهود هو من يفرخ مثل هذه النماذج يا سيد القباج و ليس القرقوبي.

ثانيا: لم يجد المجلس الحضري لطنجة من الأسماء لتسمية شوارعها إلا اسم السيد قطب الزعيم الروحي للإخوان المسلمين  ومؤلف كتاب "معالم في الطريق"، هنا انفلتت من إخوان طنجة الإسلاميين فلتات التطرف التي تنفلت من الإنسان وتعكس ما يضمره حسب المحلل النفساني فرويد، فما معنى أن تكرم زعيما عرف بتطرفه الفكري بإطلاق اسمه على شارع بمدينة تطل على أوروبا، أليس هذا غباء سياسيا يشير إلى فكر ثاو ومضمر انفلت من عقاله؟ ويشبه هذا ما قام به المجلس الجماعي لمدينة أكادير حين غير أسماء 40 اسما أسماء أماكن في غزة الحمساوية التي يشترك معها الحزب التوجه الفكري، فبدلا من الرجوع إلى التاريخ والثقافة المغربيين ذهبت الجماعة إلى غزة لاستيراد الأسماء، وهنا غلب الطبع على التطبع.

ثالثا: أن ينهر زعيم الحزب، قبل أن يتولى السلطة، صحفية بالبرلمان بسبب كسوتها لإثارة هيجان الأتباع والظهور بمظهر "التقوى والإصلاح"، وفي عهده ضربت أغلب المكتسبات في التقاعد والمواد المدعمة واقتطاعات أجور رجال التعليم ورفع المديونية الى رقم قياسي لم يعرفه المغرب من قبل، وإضعاف الطبقة الوسطى.. وكل ذلك لتمكين الجماعة من الحكم، وهو نفس تكتيك الإخوان المسلمين بمصر، لكن المثل يقول "للي فراس جمل، ف راس الجمال".

ولكن هل الحزب الإسلامي المغربي كتلة متجانسة لها نفس التوجه الفكري الإسلامي الشرقي؟ بالطبع لا، فبعض المنتسبين إلى الحزب من المثقفين (ولي صداقة مع بعضهم) يحملون فكرا متنورا ذا هوية مغربية لكنهم يمثلون أقلية أمام الصف الأول والصف الثاني من القياديين والدعاة المتشبعين بالفكر الشرقي المنغلق.

أما آن الأوان لرجوع الحركات الإسلامية المغربية إلى تربتها وإلى ثقافتها المغربيتين التي أعطت تدينا مغربيا يعتمد على الفصل بين الدين والسياسة؟

التدين المغربي الذي مارسه أجدادنا الأمازيغ تدين يتصف الاعتدال واحترام الجسد وحرية الإنسان وإبعاد الدين عن السياسة، فمجال الفقيه عندهم هو المسجد وما يرتبط بالعبادات، أما مجال الاقتصاد وتدبير الحياة اليومية والسياسية للجماعة فتتعلق بأمناء الجماعة.

فمادامت الجماعات الإسلامية والحزب الإسلامي بالمغرب ينهل من الفكر الخارجي سواء الوهابي أو الإخواني أو التركي حاليا ولم يرجع إلى هويته المغربية الثقافية والدينية، فسيبقى غريبا عن هوية هذا الوطن، وسيبقى التطرف مرفوضا في فكره وإيديولوجيته في هذا الوطن.