Friday 9 May 2025
كتاب الرأي

 د.جمال السميطي: التسامح جزء من العدالة..

 د.جمال السميطي: التسامح جزء من العدالة.. القاضي الدكتور جمال السميطي، مدير عام معهد دبي القضائي

التسامح هو القدرة عن العفو عن الآخرين، وعدم مقابلة الإساءة بإساءة مثلها، والحرص على التمسك بالأخلاق الراقية التي حث عليها جميع رسل الله وأنبياءه وكتبه المنزلة على عباده، لما لذلك من انعكاس إيجابي على المجتمع بالخير فيتحقق التضامن والوحدة بين أفراده، وتسود مبادئ المساواة والعدل والحرية من خلال احترام العقائد والثقافات المختلفة. فهو يعد أحد القيم المتعلقة بالحقوق التي يتمتع بها النظام الديموقراطي كحرية التعبير عن الرأي والمساواة أمام القانون، واحترام الأقلية، وحقوق الأسرى وعدم إلحاق الأذى بهم، والتسامح هنا يشير إلى تقبلنا للاختلافات في الصفات الإنسانية بين بني البشر، وكذلك الصفات الخلقية والفكرية، والإقرار بحقوق جميع الأفراد دون النظر إلى جنس أو عرق أو ديانة، واحترام آراء الآخرين وعدم التعدي عليهم.

فالتسامح يتعدى بمفهومه لأفاق أرحب ليصل إلى التسامح الديني، والثقافي والفكري، والعرقي، والسياسي، حتى أنه يشمل التسامح مع الطبيعة من شجر وحجر وطريق وهواء وبحر وماء، وطبعاً التسامح القانوني.

فإذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه، فالتمس له العذر، فإنّ لم تجد له عذراً، فقل: لعل له عذر لا أعلمه، هذه هي المنصة التي تنطلق منها تشريعاتنا، وقد تم استقاء عدة مبادئ قانونية من تلك القاعدة كنظرة الميسرة والصلح. فأقر مبدأ "نظرة الميسرة" وهي مهلة يمنحها القاضي للمدين الذي يمر بضائقة تجعله غير قادر على الوفاء بدينه في الموعد المحدد، ويتمتع القاضي بسلطة تقديرية مطلقة في منح المدين نظرة الميسرة، فهو حر أن يمنحه أو يمنعه من ذلك. ونظم قانون المعاملات المدنية "الصلح" ، بل وعرّفه، فهو عقد يحسم بموجبه طرفيه نزاعاً قائما بينهما أو يتوقيان به نزاعا محتملا بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن بعض ادعاءاته ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولا نهائياً. ورسم له القانون الآلية التي يضمن بها الأطراف حقوقهم وجعله موضع التنفيذ فقد نظمه قانون الإجراءات المدنية من خلال منحه للقاضي إثبات ما حصل أمامه من اتفاق بين الخصوم وتوثيق هذا الاتفاق بموجب سلطته الولائية ، كذلك فإن القانون منح السلطات اللازمة للقاضي لعرض الصلح على الخصوم لتسوية النزاع قبل خوض غمار الخصومة التي لو دخلوها ما لبثوا إلا وفي نهاية النزاع تفرقوا وانحلت الروابط الإنسانية بينهم فيكسب أحدهم النزاع ولكنه يخسر علاقته بالطرف الآخر، وقد ذكر الله - جل جلاله – في سورة النساء الآية الكريمة 128 أن "الصلح خير" والخير يطلبه كل عاقل ويرغب فيه كل لبيب، فكيف وقد أمر الله به وحثّ عليه وأنزله في قرآنه، فلاشك أنه يجب علينا أن نزداد طلباً له ورغبة فيه ولا يجب رفضه أو الإعراض عنه.

التسامح بلسم الأرواح

تكمن أهمية التسامح في أنه يعالج مشكلات النفس فينقيها ويرقيها، وهو عامل مساعد ونشط لوأد المشكلات بين المحبين والأصدقاء، والتي غالباً ماتنتج عن سوء الظن وعدم التماس الأعذار، كما أنه فضيلة تعمل على تحقيق القدرة النفسية على التعايش بين الشعوب عن طريق تقبل الاختلاف والحفاظ على حقوق الآخرين، بعيدا عن الصراعات وانتشار الأحقاد والكراهية والعنصرية المقيتة. بما يمكّن من تحقيق المصالح العامة في المجتمع ، ويخلق أجيالاً  لا تعرف إلا الحب والفضائل، مما يعود بالنفع والمنفعة على كل أفراد المجتمع، و يتم ذلك من خلال طرق قانونية صحيحة، تزيد من أهمية الثقافة والعلم، ويساعد على تفعيل الحوارات البناءة ، فيهتم الأفراد بتحقيق أعلى مراتب التعليم والثقافة، عن طريق الطرق السليمة بدون تعدي على حقوق الآخرين.

التعاطف الإنساني يربطنا ببعضنا ليس بالشفقة أو بالتسامح، ولكن كبشر تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل. قيل عين بعين وسن بسن، وأما أنا فأقول لا تقاوموا الشر بالشر،  فبذور الخير والتسامح تنبت أجمل مافي النفس البشرية من قيم المحبة والوفاء، إن الناس يظنون أن القصاص واجب، ولا يعلمون أنه حق لولي القتيل، ولا يعلمون أن العفو أفضل ، ينبغي أن نحسّن إلى الناس ما حسّنه الله حيث يقول تبارك وتعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله (الشورى : 40)، ويقول أيضًا: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (النحل : 126)، ويقول الله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يُلَقّاها إلا الذين صبروا وما يُلَقاها إلا ذو حظٍ عظيم (فصلت : 34 – 35).

فنعم العام عام التسامح من أرض زرعت الحب في نفوس البشر فحصدت الوفاء والإخلاص وانتشر عبير سعادتها يعطر كل الدنيا، حفظ الله دولة الإمارات بلداً للحب والتسامح.