الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

الموساوي :السكن الاجتماعي من "نعمة كرامة" إلى"كابوس نقمة"

الموساوي :السكن الاجتماعي من "نعمة كرامة" إلى"كابوس نقمة" عتيقة الموساوي
تابع الكثير من المهتمين بشأن السكن الاجتماعي ببلادنا تصريح رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني بخصوص مسألة الدعم الممنوح له حين لمح إلى إمكانية حذفه مستقبلا، وجاء ذلك بمناسبة ترؤسه الدورة الثانية للمجلس الوطني للإسكان بحجة أن المواطن لا يستشعر هذا الدعم، وأن العديد من برامج السكن المدعمة لا تفضي إلى بلوغ الأهداف المرسومة والمسطرة لها، مما قد يستوجب معه العمل على الحد من هذا الدعم مستقبلا، على أساس حذفه كاملا فيما بعد.ولم استغرب للوهلة الأولى لهذا التصريح ..وفكرت مليا في جديتة، وهل فعلا أضحى دعم السكن الاجتماعي يُعتبر عبئاً على الدولة وهدراً للمال العام، بدلا من تشجيع تملك سكن لائق؟!!
لكني استجمعت بعض أفكاري وقررت مناقشة وتحليل هذا الموضوع بحكم عملي بالوزارة المعنية وخصوصا المصالح اللاممركزة لقطاع الإسكان وسياسة المدينة، ومعايشتي الطويلة لقضايا محاربة دور الصفيح والسكن الاجتماعي، لأفاجأ بشكل متوازي بإطلالة للبرنامج التلفزي "45 دقيقة"على القناة الأولى بحلقة خاصة عن موضوع إشكالية دورالصفيح من خلال نموذج أحياء من مدينة الدار البيضاء، وضعت معها المشاكل المرتبطة عامة ببرامج السكن الإجتماعي تحت المجهر، ونقلت صورا عن واقع هش لأساليب المعالجة المتبعة من طرف الفاعليين، وقد عرى الروبورتاج التلفزي واقعا مريرا تعيشه بعض الأسر القاطنة بدور الصفيح ومشاكل إعادة إسكانهم بأحياء بديلة وأبان عن محاولات تقديم أنصاف الحلول التي تجعل بعض المستفيدين يتذمرون من تبعات المشاكل التي تخلفها العملية ككل .. وكانت بعض المشاهد المصورة صادمة للمتتبعين..
فكيف يتم تفسير منح بقع أرضية للمستفيدين، تتحول بفعل التعاقد مع بعض المقاولين إلى استغلال ممنهج، يجني من خلاله هذا الأخير من ورائه حصة الأسد في ملكية البقعة بحيازة طابق علوي وامتلاك المتاجر؟!!، مما يجعل العملية تعود بالنفع الكبير لفائدة المقاول على وجه الخصوص ويصبح هو الرابح الأول منها!! وقد يتفق الكل معي على أن هذه العملية تكون في النهاية موسومة بانتهازية واضحة وجشع كبير من طرف هذا الأخير..
هذا، وحتى حين يتم اعتماد الشقق المنخفضة التكلفة ككل، وتخصيص دعم مالي للمستفيدين في حدود مبلغ 40.000 درهم، فهو مبلغ لا يرقى إلى تغطية ثمن اقتناء الشقة و المستفيد غالبا ما يجد نفسه مضطرا إلى اللجوء إلى الاقتراض البنكي، مما يضاعف الثمن بشكل كبير، وبما أن الفئات المستهدفة هي فئات هشة وذات دخل ضعيف ومحدود، فغالبا ما تسقط في عجز الأداء، لينتهي بها الأمر لأن تكون فريسة سهلة للمضاربين العقاريين أو عرضة في آخر المطاف لتُطبيق عملية مسطرة الحجز على السكن بدعوى قضائية، ويتحول السكن مع هذا الوضع من "نعمة كرامة" إلى "كابوس نقمة"، يضيع معه السكن ويضيع معه الدعم، ويضيع معهما الأمل في الظفر بقبر الحياة !!.
فأية حلول هاته ؟.. بل وأية مبادرات ؟ وكيف يمكن تجاوز التناقضات الحاصلة في مجال السكن الاجتماعي؟؟ تلكم هي بعض النماذج من مشاكل السكن الاجتماعي، وأساليب المعالجة التي لم ترق في مجملها لمرتبة الحلول الجذرية ..
فهل لنا أن نقر اليوم، إننا لم نصل بعد إلى تحقيق النجاح التام، كما هو مرغوب فيه بالنسبة لكل برامج إعادة الإسكان؟، وهل الأمر راجع بالأساس إلى عدم نجاعة السياسات المتبعة في إنجاز وتدبير تلك البرامج، التي اعتمدت في الغالب أسلوب الاستنساخ لتجارب الغير.؟ نعم، قد نتفق على انه ليس عيبا أن نستفيد مما نجح فيه من سبقونا في الارتقاء بسكنهم في دول العالم. ولكن المشكل هو أن نلبس هذه التجارب جلبابا مغربيا دون مراعاة للطبيعة الخاصة لكل بلد. وأكيد سنسقط في هفوة متاهات، ودوامات التخبط والعشوائية..
و لا اخفي انه كنت خلال حضوري الميداني للاجتماعات التي تُعقد لهذا الغرض مع السلطات الإقليمية والجهوية، أنه كنت ابدي تذمري من عشوائية طرق بعض التدخلات و"فنطازية" بعض القرارات الإدارية اللامسؤولة! ! حتى سنحت لي الفرصة للمشاركة في أشغال المجلس الوطني للإسكان في دورته الأولى للتعبير عن الأسف والحسرة من بعض أساليب التدخل المتبعة في محاربة دور الصفيح وإعادة الإسكان، ولأعبر صراحة، عن رأي وإعجابي بالطريقة المثلى التي تنهجها دولة تركيا في معالجتها للسكن غير اللائق، تلك التجربة التي عاينتها عن قرب في إطار زيارة ومهمة عمل لهذا البلد، والتي تعتبر من التجارب الرائدة في مجال محاربة السكن غير اللائق، وتستحق أن تكون نموذجا يُحتدى به من طرف الجميع، والتي سنعرض لها بالتحليل لاحقا.
-عتيقة الموساوي، متصرفة بوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة