الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: سبت أسود وحالة حرب بباريس

يوسف لهلالي: سبت أسود وحالة حرب بباريس يوسف لهلالي

عاشت باريس البارحة يوما أسودا، وشبه حرب شوارع بين الشرطة والمتظاهرين طوال يوم السبت 1 دجنبر 2018.. وتمكن المتظاهرون من احتلال قوس النصر الذي يرمز إلى انتصارات فرنسا، وكتبوا عليه "ماكرون استقيل"، بل إن بعضهم أتلف محتويات هذا المتحف الوطني، ومكان الجندي المجهول. وحال عودته من قمة العشرين بالأرجنتين صباح يوم الأحد 2 دجنبر 2018، جاء الرئيس مباشرة إلى زيارة قوس النصر، وهو ما يعني رمزيا استرجاع هبة الدولة الفرنسية ورموزها بعد حالة الفوضى التي عاشتها باريس. كما زار شارع كليبير مشيا على الأقدام رفقة وزير الداخلية.. وهي جولة تخللتها شعارات ضده، في حين صفق آخرون لقدومه وشجعوه على الاستمرار. وتمكن بنفسه مشاهدة حالة التخريب الذي تعرض لها مركز باريس.

وعاشت باريس حرب شوارع حقيقية، وعنفا استثنائيا، بل إن بعض أحيائها الراقية كانت تحترق، حيث كان الدخان ينبعث أمام الأوبرا في أحد أعرق ساحات باريس، وسط مواجهات بين متظاهرين من السترات الصفراء وقوات محاربة الشغب التي كانت ترمي القنابل المسيلة للدموع.. فقد بدأت المواجهات بين المتظاهرين والشرطة من الصباح لتتواصل إلى مساء نفس اليوم؛ وبعد أن ركزت قوات الأمن قوتها لحماية جادة الشونزيليه، فإن الاصطدامات وأعمال الشغب وإحراق السيارات انتشرت في الشوارع الموازية وفي غرب العاصمة، حيث توجد الأحياء الراقية وكبريات الفنادق، بالإضافة إلى الشوارع التي تضم كبريات المحللات التجارية بحي الأوبرا التي يتوافد عليها عشاق ملابس الموضة من كل أنحاء العالم، وأغلب السياح الذين جاؤوا لزيارة أجمل مدينة بالعالم لم يفهموا ماذا يحدث، والجميع كان يعتقد أن المظاهرات سوف تقتصر على الشونزليزيه فقط، لكن المظاهرات والمواجهات التي قامت بها مجموعات صغيرة، انتشرت بأحياء متعددة من العاصمة، من الأحياء التي  يتردد عليها السياح. حيث وجد البعض نفسه دون أن يدري وسط مواجهات بين شرطة مكافحة الشغب التي ترمي بالقنابل المسيلة للدموع؛ وشباب، بعضهم يرتدي الأسود وقبعات واقية ويرمون بالحجارة على قوات حفظ الأمن ومروحية فوقهم تقوم بالاستطلاع. بل إن بعض المتظاهرين احلتوا قوس النصر، وكتبوا عليه "السترات الصفراء سوف تنتصر"، بل تجمع بعضهم حول قبر الجندي المجهول، ورددوا النشيد الفرنسي؛ قبل أن تسترجع القوات الشرطة هذه الساحة .

السترات الصفر الذين تظاهر بعضهم بشارع الشانزيليزيه كما كان متفقا عليه، استنكروا عمليات العنف، والتي أجمع الجميع أنها تمت من طرف مجموعات جاءت للتكسير والسرقة، والبعض من مجموعات اليمين المتطرف أو أقصى اليسار الذين  جاؤوا من أجل بعث صورة أخرى عن باريس وتحويلها من أجمل مدينة للموضة والتنزه إلى مدينة في حالة حرب؛ حيث قام بعضهم بإحراق الإطارات وكذلك إحراق السيارات، وتم تكسير واجهات الأبناك، منها أحد الأبناك المغربية التي سلم من عملية التكسير.

واضطرت كبريات المتاجر المشهورة لافاييت إلى إغلاق أبوابها أمام الزوار، وكذلك المقاهي والمطاعم بجادة أوسمان، خوفا من اقتحام مجموعة المتظاهرين إليها من أجل التكسير.

السلطات الأمنية الفرنسية تمكنت من حماية جادة الشونزليزيه وكذلك المواقع الحساسة مثل البرلمان والقصر الرئاسي ورئاسة الحكومة، لكن كل الجهة الغربية لباريس والشوارع الكبرى التي تضم أكبر الأسواق التجارية التي كانت تستقبل الزوار بمناسبة الاستعدادات لاحتفالات نهاية السنة، كلها تحولت إلى ساحة للمواجهة بين الشرطة والمتظاهرين، مما أثار حالة هلع وسط السياح الذين لم يفهموا ما يحدث لهم وماذا يحدث لهذه  المدينة التي تحولت إلى ساحة حرب حقيقية.

كما أن العديد من محطات المترو أغلقت وكذلك حافلات النقل العمومية توقفت عن الخدمة، وهو ما جعل المدينة تعيش حالة فوضى حقيقية طوال يوم السبت، وهي حالة امتدت حتى المساء.

الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرو، الذي كان يمثل بلده في قمة العشرين بالارجنتين، علق على هذه الأعمال بالقول، إن اعمال العنف غير مقبولة. وأضاف إنه لن يرضى أبدا بالعنف، وإن مرتكبي ذلك لا يريدون تغييرا حقيقيا. وأضاف أن أية قضية لا تبرر مواجهة قوات الامن، ونهب محلات تجارية وتهديد المارة أو صحفيين وتشويه قصر النصر.

هذه الفوضى التي مست بعض المدن الفرنسية الأخرى، وبنسبة أقل اقتصرت على مواجهات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، جعلت وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستنير أن لا يستبعد فرض حالة الطوارئ بالبلد وبكل التراب الفرنسي من أجل توفير الامن. وقد سبق لفرنسا أن فرصت حالة الطوارئ سنة 2015 إثر العمليات الإرهابية التي تعرضت لها باريس، وفي 2005 بعد الاضطرابات التي شهدتها ضواحي باريس.

رئيس الحكومة الفرنسية خرج من صمته وعبر عن استعداد الحكومة على محاورة السترات الصفراء والاستماع إلى مطالبهم.. هذه الاحتجاجات التي انطلقت مند ثلاثة أسابيع في كل أرجاء فرنسا مطالبة بوقف غلاء أسعار الوقود، لتتوسع مطالبها مع مرور الوقت، حيث أصبحت اليوم ترفع مطالب باستقالة الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون، وقامت الحكومة بمحاولات عديدة من أجل التحاور، لكن تطرح صعوبة التمثيلية واتساع لائحة المطالب، مما يهدد بانتشار التظاهرات بفرنسا، مما دفع وزير الداخلية الفرنسية إلى التفكير في فرض حالة الطوارئ التي تعطي صلاحيات واسعة لعمل الأمن والشرطة. كما أنها أطلقت مشاورات واسعة بالبلد من أجل الإجابة عن هذا الغضب الشعبي وحول هذه الوضعية العامة بفرنسا وهذه الحركة التي يدعمها أغلب الفرنسيين من أجل المطالبة بتحسين القدرة الشرائية.