الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

حبيبي: تلاشي مهام المدرس سبب ما تعانيه منظومتنا التعليمية من جمود ونمطية

حبيبي: تلاشي مهام المدرس سبب ما تعانيه منظومتنا التعليمية من جمود ونمطية عبد الإله حبيبي

المدرس هو وسيط بين الذوات، بين ذات المتعلم والمعرفة، بين عقل المتعلم والعلماء الذين أنتجوا المعرفة، سواء كانت معرفة علمية دقيقة، أو إنسانية، أو فلسفية، أو أخلاقية، أو جغرافية، أو تاريخية، أو غيرها من المعارف المدرسية، هو تلك الذات التي عليها أن تقوم بتيسير هذا اللقاء بين التلميذ والمعارف، وذلك من خلال ابتكار وسائل بيداغوجية متنوعة، والبحث عن الدعامات البصرية والحسية والعملية، وبلورة الأمثلة المناسبة والخطاطات العامة التي تسمح للتلاميذ بفهم المسارات التي سيعبرون منها لفهم مفهوم ما، أو اكتساب دلالته وتطبيقاته المختلفة.

بهذا المعنى، فالمدرس مطالب بقوة الأشياء، أن يكون ملما بالمعرفة العلمية التي تشتق منها البرامج والمقررات، مدركا لأهم التفاصيل الضرورية التي لا مناص منها لفهم رهانات الدروس وتضاريسها المختلفة، إلى جانب إلمامه بسيكولوجية المتلقين، سواء كانوا أطفالا أو مراهقين، أو صغارا في مرحلة التعليم الأولي مثلا، وهذا يقتضي منه الإطلاع على أهم النظريات التربوية في مجال التربية العامة وتقاطعها مع النظريات السيكو-تربوية وسياقات الفعل التعليمي السوسيولوجية واللسانية والأنتربولوجية، مع تكوين قاعدة معلومات عن التلاميذ تتضمن بيانات عن ماضيهم الدراسي، أصولهم الإجتماعية والثقافية والاقتصادية، هي معلومات مفيدة لخلق الظروف المناسبة من أجل بناء جماعة القسم المنسجمة، المتعاونة،التي لا تعيد إنتاج صراعات المجتمع وتناقضاته القيمية والاجتماعية.

المدرس يساعد المتعلم على فهم العالم المحيط به، فهم ذاته، تكوين رؤيا حول التاريخ، اكتساب أوليات التفاعل الاجتماعي، احترام العيش معا، تجنب الأحكام الجاهزة، الاستعداد دوما لمراجعة الذات ونقض ما ليس عقلانيا فيها، نبذ الخلافات التي يكون مصدرها نزوعات عنصرية أو قبيلة أو جهوية أو عقدية أو إيديولوجية.

من هذا المنطلق فالمدرس ليس داعية، أو صاحب مشروع سياسي، أو مخلص روحي، إنه محرر للطاقات المعطلة، مساعد على النمو، مصاحب للأطفال، مستمع يقظ لمشاكلهم، داعم لطموحاتهم، يرصد التعثرات، يشخص العوائق، يقدم البدائل البيداغوجية، يحترم اختيارات التلاميذ من حيث الأذواق والميولات والمواهب، لا يفرض رأيا بعينه، لا ينتصر لأطروحة فكرية على أخرى، بل يمرن التلاميذ على فهم النصوص والخطابات، انتقادها بأدوات لغوية ومنطقية وفكرية، دون السقوط في السطحية، أو المحاكمات الأخلاقية... لهذا بات من الضروري والعالم يحتفل بالمدرس، التذكير ببعض مهام هذا الأخير والتي يبدو أنها تلاشت مع المتغيرات المستجدة، مما حكم على منظوماتنا التعليمية بالجمود والتكرار والنمطية وأحيانا العطالة البيداغوجية...