الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: مشروع ميزانية المغرب لسنة 2019.. الإكراهات جاثمة  والآفاق قاتمة

عبد القادر زاوي: مشروع ميزانية المغرب لسنة 2019.. الإكراهات جاثمة  والآفاق قاتمة عبد القادر زاوي

تسابق الحكومة المغربية وخاصة وزير الاقتصاد والمالية الجديد الزمن لإعداد مشروع ميزانية سنة 2019 قبل الدخول التشريعي المقبل في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، كي يتسنى لأعضاء غرفتي البرلمان دراسة المشروع، ثم تمريره بالتصويت دون تعديلات إن أمكن أو بتعديلات بسيطة لا تمس جوهره، سواء كمشروع كلي أو كموازنات فرعية للقطاعات المختلفة.

ويبدو من الإرهاصات الأولية الوارد بعضها في المذكرة التأطيرية التي أرسلها السيد رئيس الحكومة إلى أعضاء فريقه الوزاري أن منهجية إعداد الميزانية هي نفسها المعتادة منذ زمن بعيد، والمتفق على خطوطها العريضة مع المؤسسات المالية الدولية المقرضة والمانحة المركزة على حسن تدبير الجوانب الماكرو اقتصادية، إذ تعتزم الحكومة على حد قولها تقديم قانون مالي يطمح إلى حصر عجز الميزانية في حدود 3%، وتقليص المديونية العمومية بشقيها الداخلي والخارجي إلى ما يناهز 60%، وخفض نسبة التضخم إلى ما يوازي أو يقل عن 2%.

واللافت للانتباه أن الحكومة تسعى إلى إخفاء إذعانها لتوصيات ووصفات المؤسسات المالية الدولية، وذلك من خلال تشديد السيد رئيس الحكومة في مذكرته على ضرورة منح الأولوية للقطاعات الاجتماعية، وحديث وزيره السابق في الاقتصاد والمالية عن وجود توجه عام يقضي برصد ما يقارب 1.4 مليار دولار لهذا الغرض، وخاصة لخلق مناصب شغل جديدة، وللتجاوب مع ما سيسفر عنه الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات بشأن تحسين دخل الشغيلة ورفع قدرتها الشرائية.

في هذا السياق، وبحثا عن كسب بعض من تعاطف الرأي العام عمدت الحكومة إلى تضمين مشروع الميزانية عناوين براقة وأرقام جذابة من قبيل الإعلان عن سعيها الحثيث لتحديث القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني أملا في تعزيز الإقلاع الاقتصادي المنشود عبر الإعلان عن نيتها في ضخ نفقات استثمار إضافية تتجاوز المليار ومائة مليون درهم، ورفع القدرة الشرائية لبعض شرائح الموظفين من خلال الإعلان عن زيادة في الأجور للأطر الإدارية المتوسطة ستصل بعد ثلاث سنوات إلى 300 درهم شهريا، ناهيك عن إعلان وزير الاقتصاد والمالية الجديد نيته فرض التقشف على مؤسسات الدولة بمنعها من اقتناء سيارات جديدة، وبنايات إدارية أخرى، وحصر المهام الخارجية، والتقليص منها إلى أبعد الحدود.

ومع ذلك، فإن الحكومة المغربية في وضع لا تحسد عليه، وستظل كذلك، سيما وأنها قد أبانت في العديد من المناسبات عن ضعفها وعدم كفاءتها، وهو ما يظهر جليا أيضا في مشروع ميزانيتها، الذي لا يشير أبدا إلى الكيفية التي سيتم بها تدبير تمويل البنود المرتبطة بالوضعية الاجتماعية التي يخشى تفاقم التذمر منها. وهذا ما دفع الكثيرون إلى التحذير من مغبة اللجوء إلى الحلول السهلة المتمثلة في إرهاق جيوب المواطنين بضرائب جديدة.

وغير خاف على أحد أن توجس الحكومة من خطورة المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين مرة أخرى جعلها تمتنع عن الإشارة إلى الموارد المحتملة لتمويل ما تعتبره وعودا معسولة، ولكنها حاولت توجيه الاهتمام إلى حجم الإكراهات الداخلية والخارجية المحيطة بقانونها المالي المرتقب لعل ذلك يجلب لها بعض التعاطف والتفهم، ويخفف جزءا من السخط الشعبي المتزايد والمتنقل بين جهات المملكة عليها وعلى سياساتها،.

- الإكراهات الداخلية :

بغية مواجهة ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية والحاجة القصوى إلى سرعة العمل على تحسين الخدمات الصحية والتعليمية بصفة خاصة مخافة انفجار مجتمعي وخيم العواقب، كما بدا من تعدد الحراكات الشعبية، ومن حدة الانتقادات الموجهة لبعض المناهج التعليمية، فإن الحكومة مطالبة بإيجاد وسائل مثلى وناجعة لمواجهة إكراهات متعددة أهمها:

1- تحفيز الاستثمار الداخلي، وخاصة في القطاع الخاص الذي يعرف إحجاما ملحوظا عن ولوج المجالات الإنتاجية الكفيلة بخلق فرص شغل عديدة، مقتصرا في معظمه على المضاربات العقارية، وذلك بسبب ثقل القيود البيروقراطية. ولكن عوض التخفيف من تلك القيود يبدو أن التوجه العام هو نحو التشدد، كما يستشف من قراءة مشروع القانون رقم 18.47 الخاص بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة في هذا الميدان، الذي يبدو أنه سيعزز كثيرا سيطرة رجال السلطة (ولاة وعمال) على الحركة الاستثمارية في مقابل سحب كثير من اختصاصات المصالح الخارجية للعديد من الوزارات والمؤسسات العمومية المركزية، ناهيك عن تهميش أدوار المجالس المنتخبة جهوية، اقليمية كانت أم محلية.

2- إشكالية رفع المداخيل الجبائية من دون التسبب في تفاقم الاستياء الشعبي، الذي أصبح يعبر عن نفسه من خلال تزايد عدد حالات التهرب الضريبي، وحالات الإعلان عن الإفلاس خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي بات بعضها يفضل دخول عالم الاقتصاد العشوائي على البقاء ضمن الاقتصاد المهيكل المثقل بأعباء بيروقراطية ومالية يمكنه تجنبها بالعشوائية.

ويعود تفضيل الكثيرين للاقتصاد العشوائي إلى كونه استفاد على مدى السنوات التي تلت ثورات الربيع العربي واحتجاجاته من غض السلطات للطرف عن نشطائه وأنشطته عندما كانت تعتبره بمثابة آلية وقائية لامتصاص حدة التوترات الاجتماعية. ومع مرور الوقت غدا هذا الاقتصاد يشكل تحديا بارزا للحكومة يتمثل في مدى قدرتها على ابتداع أساليب لهيكلته وإدماجه في الدورة الاقتصادية المقننة على الأقل من أجل معرفة حجمه ومدى إسهامه في الاقتصاد الوطني كقيمة مضافة، وكمصدر لمناصب للشغل. ولكن ليس لدى الحكومة أي فكرة لحد الآن عن الوسائل القانونية والمالية التي من شأنها رفع هذا التحدي.

3- تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، التي غدت أكثر من مطلوبة وضرورية لجميع المقاولات المغربية بما فيها تلك الكبيرة والمهيكلة جيدا؛ وذلك في أفق مواكبة المتغيرات الاقتصادية العالمية المتجهة نحو الرقمنة والذكاء الصناعي، والعمل على تنويع الصادرات الوطنية وتوسيع قاعدة مستورديها ومضاعفة القيمة المضافة الناجمة عنها أملا في تحسين رتبة المغرب في مؤشر الحرية الاقتصادية والتنافسية وهي رتبة متدنية (115) بسبب الاحتكار السائد في عدد من القطاعات الاقتصادية والتجارية، وكذا في الحد من تفاقم العجز التجاري للبلاد الذي تجاوز نسبة 10% في النصف الأول من السنة الجارية لدرجة أن الصادرات ومعظمها فلاحية ومواد خام لم تغط سوى حوالي 56% من قيمة الواردات. وغني عن الذكر أن رفع التنافسية يكون بإغراءات وحوافز مالية وجبائية، وبتوفير أطر ويد عاملة كفؤة ومتمكنة، وهو ما تفتقده توجهات القانون المالي المرتقب.

4- تحدي خفض قيمة الدين الداخلي، الذي بلغ حسب مصادر رسمية 542,3 مليار درهم نهاية شهر غشت الماضي، وذلك بزيادة سنوية قدرت في حدود 4,4% نجمت عن قيام الحكومة باقتراض مبلغ ناهز 75 مليار درهم  لتسديد ديون قديمة حل أجل استحقاقها ؛ الأمر الذي يعني أن الحكومة لم تستطع من خلال أدواتها الاقتصادية المتعددة تكوين مدخرات تكفي لسداد ديونها أو بعض منها مفضلة اللجوء إلى الأساليب السهلة التي لن تفضي سوى للدخول إلى حلقة مفرغة تؤدي بموجبها قرضا عاجلا بقرض آجل، لتظل مقدرات الأجيال المقبلة مرتهنة على الدوام ومكبلة بقيود داخلية وخارجية أيضا.

- الإكراهات الخارجية :

إن الارتباط بالخارج والتفاعل معه والانفتاح عليه يشكل معطى ثابتا في السياسات الاقتصادية للمملكة منذ ما قبل الفترة الاستعمارية، التي عمقت هذا الارتباط وأحالته في الكثير من الحالات إلى نوع من التبعية. وقد تطور مع مرور الزمن بسبب عدم قدرة إمكانيات البلاد الاقتصادية وحدها على خلق ديناميكية تجارية واستثمارية كفيلة بمواجهة التحديات المجتمعية المختلفة والمتصاعدة بفعل تزايد عدد السكان وتضاعف الاحتياجات. ولهذا كان متوقعا بروز إكراهات ذات طبيعة خارجية يجب التعامل معها عند إعداد أي قانون جديد للمالية في البلاد. ومن أبرز هذه الإكراهات في الوقت الراهن :

1- تزايد النزعة الحمائية في الاقتصاد العالمي: رغم أن موضوع خفض عجز الميزان التجاري ظل دائما رغبة تراود أحلام الحكومات المغربية المتعاقبة، ورغم إدراك هذه الحكومات بأن ذلك الخفض لن يحصل إلا بتطوير مستوى الصادرات وتنويعها، والحد من الواردات فإن أي حكومة بما فيها الحالية لم تستطع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالوصول إلى هذا الهدف لا على صعيد العلاقات الدبلوماسية ولا على مستوى القوانين المالية. ويعود ذلك إلى أن معظم واردات المغرب من النوع الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فهي في معظمها منتجات للطاقة (بترول وغاز ومشتقاتهما) أو سلعا للتجهيز ضرورية للصناعات التحويلية.

والواضح مما يصدر عن القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، وما تصرح به قيادات في المنظمة العالمية للتجارة، فإن التوجه العام على صعيد التجارة الدولية هو تباطؤ تحرير المبادلات وتصاعد وتيرة الإجراءات الحمائية. لقد كان الرئيس الأمريكي واضحا في هذا الصدد لدرجة أن بعض المراقبين تحدثوا بعد خطابه الافتتاحي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن حروب تجارية عالمية مقبلة ستكون أكثر شراسة من الحروب العسكرية، تلعب فيها أدوات الرسوم الجمركية والضمانات الصحية ووسائل زجر الغش والإغراق دورا أكبر من الدبابات والطائرات، مهمشة كل مكتسبات اتفاقات التبادل الحرة ومناطق التجارة الحرة الكبرى كالاتحاد الأوروبي والنافتا والميركوسور وغيرها. فهل ستعي الحكومة المغربية أبعاد هذه التطورات أم ستظل أسيرة وهم التوسع في اتفاقيات التبادل الحر، التي ثبت أن معظمها انعكس سلبيا على المقاولات المغربية وفاقم العجز التجاري للبلاد.

2- ارتفاع أسعار النفط: إن تحرير أسعار الطاقة وترك أمر تحديد قيمتها لقواعد العرض والطلب لا يعفي مشروع ميزانية 2019 من مهمة التحسب لوجود مؤشرات عن منحى تصاعدي لأسعار الطاقة في الأسواق العالمية قياسا لما كان عليه الوضع في الثلاث سنوات الماضية، وذلك نظرا لما له من انعكاسات سلبية على نقل البضائع وتنقل المواطنين ؛ الأمر الذي سيدفع لانكماش حاد في الاستهلاك وتراجع السياحة الداخلية، وسيضيف أعباء جديدة على المقاولات المغربية المتذمرة أصلا من ارتفاع كلفة الإنتاج.

ولحد الساعة لم تفصح الحكومة المغربية عن أي إجراءات سياسية أو اقتصادية أو مالية ستتخذها في هذا السياق، مع العلم أن أسعار النفط الخام وصلت إلى حوالي 80 دولار للبرميل بعد الرفض الضمني لأعضاء OPEC الأوبك في اجتماعهم بالجزائر يوم 23/9/2018 لطلب الرئيس الأمريكي بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار لتعويض حصة إيران التي ستطالها العقوبات الأمريكية قريبا.

وأخذا في الاعتبار أن كل المؤشرات تدل على ارتفاع مهول للأسعار، خصوصا إذا ما اندلعت مواجهة عسكرية كبيرة في منطقة الخليج، وهي غير مستبعدة تماما، وكذا وجود حركة مجتمعية مقاطعة لإحدى شركات توزيع مشتقات النفط، ودعوات لتشمل المقاطعة شركة أخرى، فإن هذا الإكراه سيشكل نقطة تجاذب كبيرة بين أكبر شرائح المجتمع والحكومة ما لم تتبن هذه الأخيرة إجراءات تحد من التأثير السلبي للارتفاع المرتقب.

3- انحسار المعونات وارتفاع الدين الخارجي: تمثل هذه المعادلة المختلة الأطراف بشكل كامل إكراها حادا على الحكومة مواجهته، ولكن يبدو مما يصدر عن بعض أعضائها من تصريحات ألا حيلة لها أمامه في ظل ضيق أفق مكوناتها الحزبية والتكنوقراطية على حد سواء.

وبحسب التصريحات الرسمية، فإن المعونات التي كانت منتظرة أكثر بالنظر إلى حجمها وعدم مشروطيتها هي تلك الهبات الخليجية من كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت، التي كان قد تقرر في أعقاب ثورات الربيع العربي واحتجاجاته أن تصل إلى 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات، ولكنها لم تصل كلها ولا بارقة في المدى المنظور على تجديد الاتفاق بشأنها ؛ وذلك نظرا لمجموعة عوامل ومستجدات بعضها خارج عن إرادة المغرب وبعضها مرتبط بسوء تدبير كيفية التعامل مع أزمات المنطقة ومع الدول المعنية، التي اعتبرت بعض الغمز نوعا من الضغوط غير المباشرة عليها مثلما فهم من عدد من التصريحات المجانية لبعض المسؤولين، ومن الإعلان عن تحويل جزء من تلك المساعدات إلى ميزانية التسيير علما أنها في الأصل وبموجب الاتفاقات المبرمة هي لتمويل مشاريع إنتاجية محدثة لمناصب شغل.

يضاف إلى ذلك أن الحكومة أبانت عن نوع من اللامبالاة إزاء الأرقام الصادمة في مجال الديون الخارجية التي أصبحت تناهز 34 مليار دولار بنسبة تمثل أزيد من 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وتتمثل خطورة هذا الدين في أن حوالي 45% منه هي لمؤسسات مالية دولية (صندوق النقد والبنك الدوليين) التي لن تسقط جزءا منه أو تعيد جدولة بعض أقساطه وفوائده إلا بقبول اتخاذ إجراءات صارمة للحد من النفقات ذات الطبيعة الاجتماعية مع ما تحمله تلك الإجراءات من مخاطر انفجار مجتمعي.

ومع ذلك، فإن بالإمكان إيجاد طريقة مثلى ومفيدة للتعامل مع الديون الخارجية لو توفرت الحكومة على سياسة خارجية حيوية، واضحة، قارة ومستمرة في الزمن مع دول الخليج وبصفة خاصة الدول المانحة من بينها. فمثل هذه السياسة من شأنها المساعدة في إلغاء ديون بعض هذه الدول أو تحويلها لاستثمارات داخلية أو إعادة جدولتها بفوائد متدنية ليكون ذلك بمثابة نموذج يحتذى لباقي الدائنين وخطوة لتقليل نسبة مخاطر الديون المغربية مع ما قد يشكله ذلك من إغراءات لمستثمرين أجانب للقدوم إلى المغرب ولو من باب المضاربة في تلك الديون. ولكن ما العمل ففي الخليج لوبي الاستجداء يقطع الطريق على عمل الشرفاء.

4- تراجع قيمة الاستثمارات الأجنبية: لم يعد تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية خافيا على أحد. لقد أشار إلى ذلك مكتب الصرف في أحدث تقرير له حين تحدث عن أن هذه الاستثمارات لم تتجاوز في الثمانية أشهر الأولى من هذه السنة مبلغ 14,6 مليار درهم مسجلة انخفاضا بنسبة 18,6% عن نفس الفترة من السنة الماضية.

والأكثر إزعاجا في هذا الموضوع ليس هو انخفاض قيمة الاستثمارات، وإنما سوء توزيعها أيضا حيث تتمركز أغلبها في مدن معينة في جهات محدودة في مقابل تهميش كامل لعدد من الجهات وخاصة جهة درعة تفلالت وجهة الشرق رغم أهمية الطاقات الكامنة في تلك الجهات؛ الأمر الذي يفاقم أسباب الهجرة القروية مع ما ينجم عنها من مشاكل ومخاطر.

إن هذا المعطى المستجد قياسا إلى فترات سابقة تميزت بنمو هذه الاستثمارات يتطلب دراسة متأنية وصريحة لمعرفة أسبابه، خصوصا وأن انعكاساته على مؤشري بورصة الدار البيضاء كان واضحا خلال هذه السنة، وأن العديد من المراقبين يعزون ذلك إلى تباطء النشاط الاقتصادي المنتج، وإلى تدهور القيمة السوقية لبعض الشركات الخاضعة للمقاطعة الشعبية، وللغليان الخافت في المناخ السياسي والاجتماعي في البلاد.

ولا شك أن هذا الواقع السياسي والاجتماعي المأزوم الذي يعبر عن نفسه في شكل حراكات اجتماعية ونقابية متنقلة عبر مختلف أرجاء البلاد يعطي فرصة ذهبية لكل من يريد أن يسيء للمناخ الاستثماري بالمغرب وتشويه العديد من مقوماته. ومن المرجح أن يكون من وراء ما يشاع في أوساط استثمارية عن توجيهات أصدرتها سفارات أوروبية وسفارات بعض دول الخليج لرجال الأعمال من بلدانها بعدم المغامرة بالاستثمار في المغرب ما لم يكن لديهم سند سياسي قوي.

والخشية أن تكون هذه الإشاعات قد انتشرت في أوساط كبار المستثمرين العالميين الراغبين في ولوج بعض الأوراش المغربية الكبرى، وأنها إضافة إلى بعض الإغراءات من دول شقيقة وصديقة أخرى قد تكون وراء إعلان شركة مثل HAITE عن إحجامها عن مواصلة مشروعها في طنجة، ووراء امتناع الحكومة الصينية لاعتبارات متعددة عن تقديم ضماناتها المطلوبة، وذلك خلافا للتطمينات التي قال رئيس الحكومة أنه تلقاها في بكين على هامش القمة الصينية الإفريقية الأخيرة.

ورغم ذلك، فإن مكمن الخطورة ليس فقط في الإكراهات المذكورة وهي ضخمة ومتشعبة، وإنما يكمن أيضا وبصفة خاصة في غياب الإرادة السياسية المسؤولة لمواجهة هذه الإكراهات، وفي ضعف وهشاشة الحكومة الحالية غير القادرة على مصارحة الرأي العام بحقائق الوضع المتأزم، وعلى تعبئته للانخراط في المواجهة وتحمل أعباء وتبعات ذلك بالتساوي حسب الإمكانيات، وبما يتلاءم وقواعد العدالة الاجتماعية. ولكن يبدو من آخر خروج إعلامي لوزير الاقتصاد والمالية الجديد أن للحكومة توجه آخر يسعى إلى تكريس الفوارق الاجتماعية بدلا من تضييق هوتها. أليس هذا هو ما يستشف من تصريحه عن عدم قدرة الدولة وحدها على محاربة الهشاشة والفقر وضمان الحد الأدنى من التماسك الاجتماعي؟