الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: الشيء الذي ينقص المغاربة..!

عبد القادر زاوي: الشيء الذي ينقص المغاربة..! عبد القادر زاوي

من ناحية الاحتياجات المجتمعية المشتركة لا ينقص المغاربة شيء واحد فقط، وإنما أشياء عديدة ومتعددة تنقصهم، وفي كل المجالات... تنقصهم أشياء في الصحة، في التعليم، في العدل، في القطاعات الاقتصادية المنتجة، في التسيير الإداري، ناهيك عما ينقصهم في الثقافة والرياضة وغيرها...

إن كل تلك النقائص من الممكن تداركها وتلبية معظم الاحتياجات ولو بشكل تدريجي إذا ما تقرر الابتعاد عن سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وعن سياسة الهروب إلى الأمام، وجرى الجلوس إلى الطاولة ليتدارس المغاربة وضعهم ويشرحونه  (من التشريح) بكل موضوعية وتجرد.

حين سيرى المغاربة أنفسهم في المرآة كما هم في أرض الواقع لا كما يتوهم بعضهم، سيكتشفون أن شيئا جوهريا وأساسيا هو ما ينقصهم، وأنه إذا ما استطاعوا استرجاعه أو بناءه والعمل من ثمة على هدي متطلباته ستهون أمامهم كل الصعاب مهما بدت مستحيلة الآن.

الشيء الذي ينقص المجتمع المغربي هو الثقة، وليست أي ثقة،،،،

الثقة التي افتقدتها معظم فئات المجتمع وشرائحه هي تلك التي كانت نسبية في المؤسسات الدستورية والقانونية التي تنظم الحياة اليومية للمواطن، والتي قيل له إنها تمثله وتنبثق عن إرادته، فاكتشف أنها لا تمثل مصالح من هندسوها، وبالأشخاص والقوانين التي تخدمهم أثثوها، تاركين الفتات لمن غشيها بعد أن قبل أن يكون مجرد كومبارس في مشهدها.

إن الدافع الأساسي وراء ظهور المؤسسات الدولتية Les Institutions Etatiques تدريجيا بما في ذلك الدولة نفسها هو العمل على وضع أطر قانونية وتحديد ضوابط مسطرية يستطيع الأفراد من خلالها تقنين تعاملاتهم المتبادلة، وخفض نسبة الاحتكاكات والصراعات المصلحية فيما بينهم، وبناء عوامل الثقة التي تجعلهم يؤمنون بالعيش المشترك عن قناعة وليس عن خوف او مجرد ضعف.

في هذا السياق تطرح تساؤلات عديدة بشأن هشاشة العلاقة بين المواطنين الملتبسة بين المواطنين المغاربة والمؤسسات التي يفترض أنها تمثلهم أو تنبثق من إرادتهم.

- كيف يمكن الوثوق في مؤسسة تشريعية ضخمة العدد بشكل يفيض كثيرا عن الحاجة، لا يبادر معظم أعضائها سوى للدفاع عن امتيازاتهم الريعية، والتهافت على خدمة مصالحهم الخاصة دون أي اكتراث بمطالب من انتخبهم وعلى المصلحة العامة أمنهم؟ أوليس أداء هذه المؤسسة الباهت، والممارسات المشبوهة التي تنسب بين الفينة والأخرى لبعض أعضائها هي من أكدت للرأي العام استحالة إحداث التغيير المنشود من خلال هذه المؤسسة بغرفتيها؟ وإذا أضفنا لذلك الشبهات التي طالت طريقة وصول بعض الأعضاء ضمن الكوطات وعبر التزكيات سهلت كثيرا معرفة أهم أسباب العزوف الجماهيري عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.

- كيف يمكن الاعتماد على مؤسسات تنفيذية مركزية وإقليمية جرى نفخها وتضخيم كراسي أعضائها في نطاق الترضيات وشراء صمت أو ذمة هذا أو ذاك من الشخصيات؟ مؤسسات تتبادل المصالح بين مكوناتها بسلاسة ودون وخز ضمير في نطاق ما تسميه التضامن الحكومي. ولكنها لا تشعر بأي حرج حين تناقض أو حتى تفضح بعضها البعض غير آبهة بالمواطن ولا بالحد الأدنى من احتياجاته.

وغير خاف على أحد أن ذلك يعود لعجز مزمن تعانيه المؤسسة الحكومية كجماعة وكأفراد في القيام بالمهام المنوطة بها، بشكل بات معه مشروعا التساؤل عن أي جدوى ترجى منها وهي أعلى مؤسسة تنفيذية، وما الحاجة إليها إذا كانت كل ما تقدر عليه هو الإذعان والامتثال للمؤسسات المالية الدولية وإملاءاتها اللاشعبية.

- كيف يمكن تعليق الآمال على مؤسسات قضائية بذلت جهود ضخمة لضمان استقلاليتها، فيما نلاحظ أن أحد المجالس المحسوبة عليها وهو المجلس الأعلى للحسابات يصدر تقارير دورية صادمة وكاشفة في معظم الوقت عن جملة من المخالفات والاختلالات وأحيانا للاختلاسات في عدد من المؤسسات، ولا يوجد من يتابعها قضائيا إحقاقا للحق ودفاعا عن المال العام على أمل إعادة ولو بصيص من النور ولو خافت للمواطنين في مؤسساتهم.

هكذا يبدو أن فجوة عدم الثقة بين المواطنين والمؤسسات قد ازدادت اتساعا، ومعها تفاقمت بشكل مطرد حالات الإحباط واليأس والتشاؤم التي عبرت عن نفسها من خلال تزايد حالات الانتحار، وتفشي ظواهر الانفلات الاجتماعي (تشرميل، سرقة، اغتصاب، تجارة المخدرات...)، ناهيك عن عودة قوارب الموت فرارا من واقع بئيس بحثا عن فردوس لا يوجد إلا في مخيلة الفارين.

وإذا كان مؤكدا أن العديد من الجهات المكلفة برصد التطورات المجتمعية قد نبهت إلى تنامي ظاهرة عدم الثقة في المؤسسات التي أضحى معظم ما يصدر عنها من تصريحات وخرجات إعلامية وقرارات إعفاءات وإقالات مادة دسمة للسخرية والتندر في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن مؤسسات رسمية مشهود لها بالمهنية والجدية، سبق وأن حذرت بشكل متاح للعموم من خطورة هذه الظاهرة كما يمكن أن نستشف من تقرير صدر سنة 2017 عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي تحدث عن ".. أن علاقة المغاربة بمؤسساتهم متوترة ولا تطبعها الثقة.."، مضيفا بأن "هناك شعورا كبيرا بانعدام الثقة ما انفك يأخذ منحى تصاعديا مع ما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على التماسك الاجتماعي.."

لقد وصلت أزمة الثقة بين الدولة والمواطن مرحلة القطيعة التي لا يمكن رتقها بالطرق التقليدية الباحثة دوما عن وقع إعلامي ينتهي مفعوله في حينه، وذلك من خلال إيجاد كبش فداء تعلق على شماعته كل السلبيات أو عبر اتخاذ إجراءات مسطرية غير ذات مفعول أصلا. ومع ذلك فإن استعادة نزر يسير من هذه الثقة وبث روح أمل جديد في أوصال المجتمع ليست أمرا مستحيلا رغم صعوبته، سيما في ظل وجود مؤسسات سيادية ما تزال لها هيبتها.

ولكن هل توجد إرادة فعالة للعمل في هذا الاتجاه؟ إن غدا لناظره قريب.