الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد جحفة: كيف تكون "الغريّْبَة" و"البغرير" و"البريوات"، يا بيان الوزارة، أسماءَ أعلام؟

عبد المجيد جحفة: كيف تكون "الغريّْبَة" و"البغرير" و"البريوات"، يا بيان الوزارة، أسماءَ أعلام؟ عبد المجيد جحفة

هيمن على النقاش العمومي في الأيام الأخيرة موضوعُ إدراج كلمات من العربية المغربية في مقرر دراسي لتعليم اللغة العربية. وقد ارتفع الصوتُ الرافض لهذا الإدراج: الألفاظ المعنية لا تنتمي إلى العربية "الفصحى"، والمدرسة تدرس العربية المكتوبة، لا اللغة الشفهية. وقد ربط النقاش بين هذه الواقعة وواقعة الدعوة إلى التدريس بالعربية المغربية.

ونجد من يدافعون عن إدراج هذه الألفاظ بدعوى انعدام ألفاظ تسمي تلك الأشياء في العربية المعيار، أو بدعوى ضرورة حضور حياتنا المغربية في المدرسة وفي الكتاب المدرسي.

هذا النقاش يبين عدم وضوح الرؤية فيما يخص الصلة بين العربية المغربية والعربية المعيار، وكيف يمكن استغلال هذه العلاقة بما يخدم العمليةَ التعليمية والتربوية.

وكالعادة، حضرت الإيديولوجيا والشعبوية بشكل لافت. ولعل الغائب الأكبر هو النقاش اللغوي والتربوي.

وزارة التربية الوطنية أصدرت، من جهتها، بيانا توضيحيا (لا يوضح وإنما) يرد على رفض الرأي العام لإيراد هذه الكلمات في مقرر لتعليم اللغة العربية، ويبرر ما أقدمت عليه.

يدعو البيان إلى "عدم الانصياع وراء كل ما من شأنه التشويش على الأوراش الإصلاحية التي تسعى إلى تجويد المنظومة التربوية وتحسين مردوديتها". كأن البيان يَعتبر ضمنياً إدراج هذه الألفاظ جزءا من تجويد المنظومة التربوية.

لكن أهم ما في البيان هو التبرير: "تنهي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى علم الرأي العام الوطني والتعليمي أن اعتماد "أسماء علم" لحلويات أو أكلات أو ملابس مغربية في مقرر دراسي بالسلك الابتدائي يعود لمبررات بيداغوجية صرفة".

لا بد أن توضح لنا الوزارة هذه المبررات البيداغوجية. لكن أن تُحاول الإقناع قسراً بالكلام العامّ، فهذا مما لا يقبله العقل. 

ولكن العجيب هو قول البيان: "أسماء علم" لحلويات؟ هل اسمها "زينب" أم "مريم" أم "فاطمة"؟ كيف تكون "الغريّْبَة" و"البغرير" و"البريوات"، يا بيان الوزارة، أسماءَ أعلام؟

هذه الكلمات ليست أسماء أعلام، وخصائصها النحوية ليست خصائص أسماء الأعلام؛ إنها تسميات أشياء يتعاقب عليها التعريف والتنكير، خلافا للاسم العلم.

اسم العلم معروف: كلمة تدل بنفسها مباشرة على شيء واحد، معيَّن بشكله الخاصّ، مثل علي، أو بيروت، أو القنيطرة.. أما الكلمات غير الأعلام فتدل على معنى غير مقصور على فرد واحد ينحصر فيه.

الخطير في الأمر أنه، من منظور وزارة التربية الوطنية، ستُعتبَر كل أسماء الأشياء أسماء أعلام، إن أرادتْ نقلَها كما هي إلى العربية المعيار. استراتيجية اسم العلم تعني فسح المجال، باسم العَلَمِيّة، أمام أي كلمة وإن وُجِدَ ما يغني عنها في العربية المعيار.

صحيح أننا في حاجة إلى لغة وسيطة ميسرة، ولكن هذا لا يعني أخذ أي كلمة "دارجة" ووضعها في سياق يرفضها. عوض إغناء العربية، نحن نعمل على تدمير قدرتها التعبيرية ونخرها، وهي لغة المدرسة. إننا نضعف جسور لغتنا بالعربية التي نجدها في الكتب.

لا بد من دراسات جدية وطويلة النفَس في تحديث اللغة وتيسير نحوها ضماناً لاكتسابها، وإغناء متنها بالمشترك المعجمي والدلالي والتركيبي والصرفي والصوتي.. أما القفزات البهلوانية الجاهلة، فنحن في غنى عنها.

يوشوش إليّ صديقي: نحن في غنى عن هذه القفزات، أكيد، لكن هناك من يحتاج إليها؛ فوظيفتُها شغلُ الناس عن أمور أخرى... ومنها الوضع الكارثي لتعليمنا، وهو وضع لا علاقة له بالمسألة اللغوية.