الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

البدالي: هل تقارير ادريس جطو مجرد صيحة في واد؟

البدالي: هل تقارير ادريس جطو مجرد صيحة في واد؟ صافي الدين البدالي، فاعل حقوقي وسياسي

ظل المجلس الأعلى للحسابات يصدر تقاريره السنوية منذ إنشائه سنة 1979. و كان  أخر تقاريره السنوية عن سنتي 2016 و 2017، هو الذي سلمه ادريس جطو للملك يوم 29 يوليوز 2018، طبقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور والمادة 100 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية. وكشف هذا التقرير جملة من الإختلالات التي عرفتها عديد من القطاعات الحكومية و الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية والغرف المهنية. و تتعلق هذه الإختلالات بالتسيير والتدبير المفوض و الحكامة و الصفقات العمومية والتحصيل الضريبي والموظفين الأشباح، و كذلك المبالغة في النفقات، وحسب هذا التقرير فإنه << تم إصدار 399 قرارا قضائيا فيما يتعلق بمادة التدقيق والبت في الحسابات و 25 قرارا فيما يخص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية وإحالة ثمانية  قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل >> .

إن أي قراءة علمية لهذا التقرير تجعلنا نستخلص ما يلي :

1 ـ إن عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة جعل الإستهتار والغش والرشوة والمحسوبية و الريع السياسي والإقتصادي و التهاون يمزقون أحشاء الدولة و يجعلونها لا تقوى على النهوض .

2 ـ إن العقلية السائدة في جميع الوزارات وفي مصالحها الخارجية هي عقلية مبنية على سوء التسيير الإداري و على العشوائية في التدبير المالي و البشري و لممتلكات الدولة

  3  ـ من الملاحظ بأن الفساد أصبح هو الرابط الأساسي بين رجال الإقتصاد و المسئولين  عن تسيير شؤون البلاد و المؤسسات الإجتماعية، حتى أصبح العملة السائدة في العلاقات الإقتصادية والإجتماعية و السياسية بل حتى  الفنية و الرياضية منها. لكن الأسئلة التي تظل مطروحة دائما هي:

Ø    ـما مصير هذه التقارير وما الفائدة من الأموال التي تم صرفها لكل عملية افتحاص؟

Ø    هل سيكون هدا التقرير مجرد صيحة في واد؟ أي نفس مصير التقارير السابقة التي ظلت تعرف التحنيط واللامبالاة من طرف الحكومة والمؤسسات التشريعية ؟

ـ   إن الأمر أصبح يعني كل السلطات في البلاد، التشريعية والتنفيذية و القضائية والملك حتى تتخذ الإجراءات المناسبة والمسئولة، حماية لمالية الدولة من التبديد و النهب وحماية ممتلكاتها وثرواتها الطبيعية البرية والبحرية من النهب و التهريب والإستغلال غير المشروع من أجل تمكين البلاد من تحقيق التنمية المرجوة.

لقد كشفت تقارير المجلس الأعلى للحسابات لسنوات 2010 و 2011 و 2012 و 2013 و 2014 و 2015 عدة اختلالات مالية تجلت في الفساد و نهب المال العام و في الصفقات المشبوهة و تبديد المال العمومي وتواطؤ رؤساء جماعات محلية و رؤساء مجالس جهوية و إقليمية مع ناهبي أراضي الدولة و أراضي الجموع والمقالع الرملية ومع المضاربين العقاريين و المقاولات من خلال التحايل على القانون و التهرب من واجبات الجماعات، مما جعلها تحرم من المئات الملايير من الدراهم. ولقد تقدم المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام وكذلك فرع جهة مراكش أسفي  للجمعية بعدة شكايات تتعلق بالفساد و نهب المال العام بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، إلا أن هذه الشكايات لا زالت لم تلق طريقها إلى محاكمة المتورطين من وزراء و برلمانيين ومستشارين جماعيين وسلطات محلية وإقليمية ومهندسين وتقنيين ومقاولين من الذين تبت أن لهم مسؤولية مباشرة في هذه الملفات. كما تم التعاطي مع  تقارير جطو بشكل انتقائي من طرف الحكومة حيث لم يتم المس بالذين يستظلون بظلها من حزبيين و ذوي النفوذ. ولا زال الرأي العام لا يعرف مصير هذه التقارير حتى الساعة، بل أصبح يحكم عليها بكونها تقارير روتينية ليس إلا.

 إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2016 و 2018  وما يحمله من وقائع تتجلى في الإختلالات التي عرفها برنامج التماسك الإجتماعي والمشاريع السياحية والمستشفيات العمومية و الجماعات الترابية وصفقات البرنامج الإستعجالي والسكن الإجتماعي والتجاوزات القانونية و الإختلالات التي شابتْ صرف المال العام و تراكم المديونية الخارجية و الداخلية إلى غير ذلك من الإختلالات شكلت صورة قاتمة بالنسبة لتسيير وتدبير دواليب الدولة.

   إن هذه الوقائع التي وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات هو إنذار حقيقي لما قد تعرفه الدولة من انهيار اقتصادي واجتماعي غير قابلين للترقيع أو للتأجيل، فنهب المال العام و التلاعب بميزانية الدولة على أكثر من مستوى و في أغلب القطاعات التي شملها الإفتحاص لا يجب أن يمر رسميا و إعلاميا دون أي أثر يذكر على مستوى المسائلة و ربط المسؤولية بالمحاسبة.

   إن التعاطي مع  تقارير المجلس الأعلى للحسابات و تقارير المفتشيات العامة التابعة  للوزارات وشكايات الجمعيات المهتمة بحماية المال العام لا يجب أن تتم وفق تقديرات سياسوية وغير قانونية؛ ولا يجب على وزارة العدل أن تمارس التحقيقات وفق الحساسيات السياسية، حيث إن هناك ملفات تمت إحالتها بسرعة في إطار حسابات سياسوية، وهناك ملفات ظل أصحابها ينعمون بعامل اللامبالاة في انتظار النسيان أو التجاوز أو الحفظ غير القانوني.